عدم إجادة لغة سكان البلاد التي ستعيش فيها قد تُشعرك بالضياع.. أزمة تواصل
صنع البشر منذ قديم الزمان طرقاً للتواصل فيما بينهم، واللغة إحدى هذه الطرق، لكن إذا حدث وتواجد أحدهم خارج النطاق الجغرافي الذي عاش فيه ويُجيد لغته، ووجد نفسه عالقاً بين أناس لا يفقه شيئاً عما يقولون، حينها سيشعر بالضياع وتضييع بوصلة تواصله مع من حوله. يحدث هذا مع من يتحدثون لغتهم الأم فقط لا غير، واضطرتهم الظروف إلى زيارة بلدان لا يعرفون عن لغتها شيء، حتى من يتحدثون الإنجليزية بطلاقة يعانون بعض الشيء.
جيسي – اخترنا لها هذا الاسم لأنها فضلت حجب اسمها ورفضت التصوير- فتاة هولندية أتت للدراسة في السودان، لم تهتم بتعلم اللغة العربية طوال حياتها، لكن وجودها في السودان دفعها للبحث عن معاني الكلمات، وبالرغم من أنها حلت علينا منذ ستة أشهر ونيف ولم يظل على بقائها إلا شهر واحد، إلا أنها تمكنت من تعلم اللغه ذاتياً، فهي تقوم بالسؤال عن معاني كل الكلمات وتكتبها على يدها أو في مذكرة هاتفها حتى لا تنساها، وتبدأ في استخدامها مع صديقاتها كي تتمرن عليها.
مأزق حقيقي
لم يكن حافظ عوض الإثيوبي الأصل الذي يعيش في السودان منذ أربع سنوات، عندما جاء للسودان يعرف ولا كلمة باللغة العربية عدا عبارة التحية (سلام)، اختبر تجربة التحدث بلغة غريبة لم يتعامل بها في حياته، حينها شعر بأنه عالق في مأـزق حقيقي لما وجد نفسه بين أُناس لا يفقه مما يقولون شيئا، لكنه لا يستطيع العودة إلى بلاده بسبب حاجته للمال – على حد قوله-، فبدأ تعلم اللغة العربية بالكنة السودانية من خلال احتكاكه بالسودانيين الذين عمل معهم في أحد مصانع مدينة بورتسودان، قال حافظ: “استغرق فهمي لما يقوله الناس من حولي وقتاً طويلاً، وتعبت كثيراً لكنني لازلت أتعلم مفردات جديدة كل يوم”.
لغة الإشارة
وأضاف حافظ: في بادئ الأمر كان التخاطب بيني وبين السودانيين بلغة الإشارة، فعندما أشعر بالعطش أشير بيدي إلى كوب الماء، وكذلك عندما أحس بالجوع، ومع مرور الوقت طورت من الفكرة وأحضرت مجموعة من الصور إحداها لكوب ماء وأخرى لشارع وكذلك مدرسة، مستشفى، شجر، وغيرها من الصور التي كنت أبحث عن معاني مفرداتها وأدونها بأحرف لغتي الأم لكن انطقها بالعربي، قال حافظ: “ساعدني ذلك كثيراً في امتلاك أكبر ذخيرة لغوية في فترة وجيزة، لكنني في البداية كنت أشعر بالعجز والحيرة، وبدأ الأمر كما لو أنه كان عقاباً لأني لا أجيد الإنجليزية أو أي لغة مشتركة، أما اليوم فالوضع اختلف تماماً وأصبحت أتحدث العربية بـ (اللكنة) السودانية. وتابع ضاحكاً: بعد إجادة اللغة العربية باللهجة السودانية ظنني الكثيرون سودانياً بسبب الشبه بين الشعب الإثيوبي والسوداني، سيما وأنني والآن أعمل بإحدى العجانات في محطة عابدين بأمدرمان وأقابل الكثيرين.
قوقل وأصدقائي
يعيش في السودان منذ 14 عام بسكار شاكر – هندي الجنسية -، ومع ذلك لا يزال يواجه بعض الصعوبات في تحدث العربية بطلاقة كسابقة الإثيوبي، علل بسكار ذلك الأمر بقوله: “عملي في إحدى شركات الأدوية يجعل الاحتكاك الأكبر بيني وبين الأطباء، الصيادلة، ومسؤولي الحسابات، والتحدث معهم يكون باللغة الإنجليزية التي يجيدها كلا الطرفين”. ويضيف: “لكنني استفدت من فترتي الطويلة التي قضيتها في السودان، واكتسبت قدر من اللغة العربية ساعدني على التواصل مع الناس”.
لم ينته طموح عند بسكار عند هذا الحد بل نسق مع الأستاذ أنور أحمد – مدرس لغة عربية- بعطيه درس خصوصي يتعلم اللغة من خلاله، أكد ذلك عندما قال: “استمرت الدروس قرابة العام، وبدأ معي من الحروف وتركيب الجُمل والعبارات حتى أجدت اللغة واستطعت إدارة حوارات مع الناس وتمكنت من التعبير عن نفسي بصورة جيدة، لكنني لازلت أجد صعوبة في التواصل مع الآخرين عبر الهاتف”. وأضاف: “إن استعصت عليَّ إحدى الكلمات لا أتردد في الاستعانة بمترجم المحرك قوقل عبر الانترنت، وإن لم يتمكن من العثور عليها لأنها مفردة عامية، أستعين بأصدقائي السودانيين”.
الخرطوم – نمارق ضو البيت
صحيفة اليوم التالي