أرضاً سلاح .. الدفاع الشعبي.. من (العسكرة) إلى (المسطرة)
على نحو مفاجئ، برز اتجاه بقانون الدفاع الشعبي تعديل سنة 2017 الذي أودع منضدة البرلمان، لتحويل قوات الدفاع الشعبي لمؤسسة مدنية تساهم في العمل المدني، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً لا سيما في أوساط الرافضة للقانون من المنتسبين والمتعاطفين ممن رأى بعضهم في الخطوة تمهيداً لحل القوات.
تأسست قوات الدفاع الشعبي، بعد خمسة أشهر من انقلاب الإنقاذ في 5 نوفمبر 1989 كقوات شعبية مسلحة مساندة للقوات المسلحة، تخضع لقانونها، وتتحرك وتتسلح بإمرة قادتها، وبالفعل كان لمنسوبي الدفاع الشعبي إسهامات كبيرة في الحرب التي خاضتها الدولة في كثير من الجبهات، وهذا ما يؤكده رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الأسبق الفريق عثمان بلية.
يقول رئيس هيئة الأركان الأسبق للقوات المسلحة الفريق عثمان بلية في حديثه مع (الصيحة) إن الدفاع الشعبي كان في وقت سابق مسانداً للقوات المسلحة وفق قانون الجيش ولوائحه، مشيراً إلى أن انحسار إدارة القوات المسلحة لعمليات قتالية في جبهات بعينها الأمر الذي يحتم عمل منتسبي الدفاع الشعبي في السلم أكثر من نشاطهم في الحرب التي قال إنها أوشكت أن تنتهي.
دور قديم
يعزز حديث الفريق بلية عدد من قيادات ومنسوبي الدفاع الشعبي الذين استنطقتهم (الصيحة) بالتأكيد على أن الوجه المدني للدفاع الشعبي بالسودان لم يغب يوماً، حيث توجد قيادات مدنية بالدفاع الشعبي دورها الأساسي في التجييش والحشد بالإضافة للأعمال الإغاثية والخيرية التي تقوم بها قوات الدفاع الشعبي؛ وهو ما يجعل للدفاع بُعداً مدنياً داخل المجتمع السوداني كهيئات تتدخل أثناء الكوارث كالسيول وغيرها لمساعدة الحكومة في المناطق المتضررة.
وظلت المطالبة بحل قوات الدفاع الشعبي حاضرة في كل محافل التفاوض ككرت تدفع به المعارضة خاصة المسلحة منها في كل جولات التفاوض ولا سيما الحركة الشعبية التي تعتبرها مليشيا مسلحة تابعة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم.
أيضاً لم تغب المطالبة بحل الدفاع الشعبي حتى في طاولة الحوار الوطني الذي جرى في قاعة الصداقة بإشراف الحكومة حيث دفعت بعض القوى السياسية إلى لجان الحوار الوطني بمطالبات بحل الدفاع الشعبي، لكن توصيات ومخرجات الحوار لم تقر حل هذه القوات، وظلت الاستجابة لمطلب حل هذه القوات عصية في كل المحافل حتى في اتفاقية السلام الشامل نيفاشا، بالرغم من إلحاح الحركة الشعبية على هذا المطلب كشرط لوضع سلاحها وحل جيشها توطئة للاتفاق، وكان رد الدفاع الشعبي على هذه المطالبة من لسان قائد قواتها اللواء عادل حمد النيل الذي قال إن مطالبة الحركة بحل “الدفاع الشعبي” في المفاوضات دليل على الدور المتعاظم لهذه القوات مؤكداً أنها غير مرتبطة بحزب سياسي أو أشخاص.
وعلى ذات الخط الرافض لحل الدفاع الشعبي سارت هيئة علماء السودان بحديث منسوب لعضو الهيئة بروفيسور عبد الله سليمان بأن الدفاع الشعبي لن يحل (لو قامت الدنيا أو قعدت وعلى المطالبين بحل الدفاع الشعبي أن يشربوا من ماء البحر المالح).
لكن ما دواعي الخطوة المفاجئة بتحويل الدفاع الشعبي لمؤسسة مدنية هل هذا تم في إطار الحوار الوطني الذي لم تقره مخرجاته وتوصياته المطالبة بحل الدفاع الشعبي.
جاهزية
يوضح مدير مؤسسة الفداء السابق إسحق أحمد فضل لله لـ (الصيحة) أن الدفاع الشعبي مؤسسة خلقتها الحرب المباشرة، وهو الأمر الذي قال إنه لا يوجد حالياً في ظل صرف غير مباشر على هذه القوات، مضيفاً بأن أي دولة لها خدمة لتجنيد المواطنين (الخدمة الوطنية) وتتركهم في منازلهم، والدفاع الشعبي كان نسخة معدلة من هذه الخدمة الموجودة في كل الدول يعني خدمة وطنية مستمرة، الآن صفة الخدمة الوطنية والتجنيد في الدفاع الشعبي موجودة بيد أن العمل الميداني غير موجودة، وهذا ما يجعل كل الظروف تستدعي تحويل الدفاع الشعبي لمنظمة شبة عسكرية، هذه المعطيات موجودة يعني الآن كل مجندي الدفاع الشعبي في بيوتهم، ويعملون في وظائفهم بصورة عادية، مردفاً بأن جعل الدفاع الشعبي مؤسسة مدنية لا يعني الحل لأنه يمكن تحويل هذه المؤسسة المدنية في أقل من ساعة لمؤسسة عسكرية بذات المهام لأن التدريب والتسليح كلها موجودة لكن الإدارة غير تابعة للجيش وإنما هي مجرد فنيات.
تحول منطقي
يعود رئيس هيئة الأركان الأسبق للقوات المسلحة الفريق عثمان بلية ليؤكد أن الدفاع الشعبي قوة لا يستهان بها وتضم كثيراً من المهن الوظيفية والعمالية المختلفة ويمكن الاستفادة منهم كل حسب تخصصه في الأعمال المدنية، وفي حال السلم وفي مناطق الشدة تحديدًا.
مضيفاً في حديثه مع (الصيحة) بأنها قوات منضبطة للغاية، وفي ذات الوقت ملمة بالقوانين الخاصة بها وأكثر التزاماً، ويؤكد بلية أن التعديل الذي سيتم في قانونها لا يعني بأي حال حل هذه القوات وإنما عملية اتجاه للاستفادة من منسوبيها كل حسب تخصصه، ويمكن أن يكونوا كجيش احتياطي يتم استدعاؤهم متى دعت الحاجة، كما يمكنهم من لوقت لآخر أن يعملوا على تجديد عملهم التدريبي.
وختم بلية بالقول إنه بدل أن يكونوا دون مهام واضحة قررت الدولة الاستفادة منهم كل حسب مهنته وهذه هي الفكرة من إصدار هذا القانون الذي لا يعني حلهم والاستغناء عنهم.
الخرطوم: الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة