اختزال الحكومة
امتلأت الصحف حتى أذنيها بخبر واحد مفاده أن المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي اقتربا من حسم المشاركة في الحكومة المنتظرة ، وكأن الحكومة لن تتشكل ولن تُعلن اذا لم يتفق المؤتمران الشعبي والوطني ، وهذا تبخيس للحوار واختزال له، ولا يمكن للعملية السياسية في البلاد أن تكون مرهونة باتفاق مع المؤتمر الشعبي وحده
برغم الدور البارز الذي لعبه المغفور له الدكتور حسن الترابي الأمين العام السابق للمؤتمر الشعبي في ملء أشرعة الحوار الوطني برياح قوية ساعدت على الانطلاق والإقلاع .
> الحكومة المقبلة وتركيبة الحكم في مستوياتها المختلفة التي تنتظر إشهار المشاركة فيها وفي الأجهزة السياسية التنفيذية والتشريعية ، أمر أسهم في مراحل الوصول إليه بالحوار أكثر من تسعين حزباً وثلاثين حركة كانت تحمل السلاح، وهؤلاء جميعهم لم تتوفر أية كيفية ووسيلة لقياس أحجامهم ومعرفة شعبيتهم وأوزانهم ، لكن هناك من هم أعلى صوتاً ، وأضخم جلبة وضجيجاً ربما يكون المؤتمر الشعبي من هذه الأحزاب صاحبة الحلاقيم الكبيرة ، فليس من العدل ولا الحكمة أن تخضع قيادة الدولة لرأي ومطالبات هؤلاء على أولئك ، فالكل سواسية حتى موعد الانتخابات المقبلة في 2020م ، فمنطق المحاصصة وتوزيع المواقع والمناصب يضعف فكرة الحوار الوطني الى أدنى درجة ، ويجعل عامة الشعب ينظر للأحزاب بأنها طالبة سلطة وتلهث وراء الكراسي ، فتعطيل إعلان الحكومة بحجج أن القسمة ضيزى لا تتناسب مع نظر كل حزب لنفسه ولحجمه ، هو أمر مؤسف للغاية ويجعل الجماهير الصابرة والمراقبة للمشهد السياسي توقن أن موقفها وزهدها من الأحزاب السياسية والانفضاض عنها أمر صائب وصحيح .
> اذا كان الشعبي او غيره من الأحزاب يتخذ من قضية إجازة التعديلات الدستورية في المواد المتعلقة بالحريات ذريعة يتذرع بها في مواقفه من حسم التشكيل الحكومي المقبل ، ومبرر يرفعه كدرقة يتخفى وراءها وهو يطالب بحصته في السلطة ، فإن آخرين أيضاً لهم ذات الموقف من شركاء الحوار ، وكل حزب يزعم ويدعي أنه ولولاه لما وصل الحوار الى ما هو عليه الآن ، فلو فُتح الباب على مصراعيه لهذا النهج المدمر للحوار، لأصبحت العملية كلها مثالاً بدينار كما يقول عجز بيت الشعر العربي الشهير . علينا أن ننقذ الحوار الوطني كمشروع توفيقي ووفاقي بين السودانيين من هذا المنزلق السلطوي المحفوف بالمطامع . لقد وضعت معايير وضوابط للمشاركة وحددت الخريطة المفصلة للمواقع المطلوب ملء شواغرها والوزارات المراد توزيعها وتقسيم أسلابها بين الأحزاب ، فهل يعجز العقل السياسي السوداني عن تجاوز سفاسف الأمور (حقي وحقك ونصيبي ونصيبك) ، ويعجز عن وضع برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي متفق عليه تقوم على تنفيذه الحكومة المقبلة؟ ..
> إن آفة السياسة في السودان هو الإحساس المتعاظم لدى السياسيين وأحزابهم بأن الحياة لا يمكن أن تستمر من دونهم ، ونظلم تجربتنا كثيراً لو تركنا مثل هذه العواطف والأحاسيس السالبة تسيطر على الحياة العامة وتمنعنا من إدراك أن قيمة المشاركة والتشارك وتقاسم السلطة في الأساس تحمل مسؤولية واحدة واتفاق على برنامج محدد لا يهم من ينفذه لكن المهم كيف يتم تنفيذه ..
> لا نريد أن يظهر المؤتمر الوطني وشقيقه المؤتمر الشعبي كأنهما وحدهما حجر الزاوية في التحول القادم ، فالجميع شركاء مهما صغرت الأحجام او كبرت ، الكل له إسهاماته ودوره ، لا يمكن إلغاء أدوار الآخرين او الاستغناء عنهم ، وأثبتت المشاورات السياسية والترشيحات المرفوعة من قوى سياسية شاركت في الحوار ، أن لديها كوادر مؤهلة وقادرة على تحمل عبء التكليف ، فأحزاب مثل حركة التحرير والعدالة بقيادة د.التجاني سيسي وحركة الإصلاح الآن والحزب الاتحادي وأحزاب أخرى ، قدمت مرشحين أكْفاء يحملون أرفع الدرجات العلمية ومسلحين بالتجارب العملية. كذلك الأحزاب الأخرى والحركات والمجموعات التي أسهمت بسهم وافر في تحريك الحياة السياسية ودعم عملية الحوار الوطني ..
> القضية ليست توزيع حقائب وزارية والاستحواذ على غنيمة باردة من السلطة ، فنحن على أعتاب مرحلة جديدة يجب إشاعة روح التسامح والترفع عن المغنم والمكسب ، وتقديم القدوة الصالحة وعدم اختزال الحوار الوطني وما تم فيه من توافق في بضع وزارات لا تسمن ولا تغني من جوع ..!!
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة