تشابه الأسماء يؤدي إلى السجن أو الموت في العراق
لم تكن لدى الشاب مهدي، مشكلة في تشابه اسمه واسم والده وجده مع أكثر من شخص في الحي الذي يقطنه. فمسألة تشابه الأسماء في العراق قديمة، إلا أنها اليوم باتت رعبا حقيقيا داخل حواجز التفتيش والمنافذ الحدودية والمطارات، فوجود نحو 10 آلاف مطلوب بتهم مختلفة يجعل من تشابه الأسماء أزمة أمنية واجتماعية.
مهدي صالح مهدي، أو محمد جاسم محمد، أو حسين علي حسين، وغيرها من الأسماء التي يتبارك العراقيون بها منذ عقود طويلة لم تعد كذلك، وفق خبراء أمن وضباط قالوا إن الشخص سيحتاج إلى أسابيع أو أشهر كي يثبت أنه ليس الشخص المعني بالجريمة، وأن الموضوع مجرد تشابه في الأسماء.
وزادت المشكلة تعقيداً مطلع هذا العام، فاعتماد الحكومة على نظام إلكتروني لتعميم أسماء المطلوبين على محافظات البلاد الثمانية عشرة، جعل من المسألة رعبا يلازم كثيرا من العراقيين.
وكشف مصدر رفيع في وزارة الداخلية، لـ”العربي الجديد”، عن أن “قوائم المطلوبين تتجدد بشكل دوري، وتضم آلاف الأسماء لمطلوبين بتهم جنائية وإرهابية توزع على كافة حواسيب المنافذ والدوائر وأجهزة الأمن، ويتم اعتقال حامل الاسم فورا، ولا يمكن التحقق من هويته أو أنه الشخص المعني حتى يحال إلى القضاء بعد أسبوعين أو ثلاثة في أفضل الحالات، وبعضهم يقضي عدة أشهر”.
وأضاف المصدر: “بسبب تشابه أسماء أغلب العراقيين، تم اعتقال مئات الأشخاص طيلة الأشهر الماضية، وخاصة عندما يكون التشابه في الاسم الثلاثي دون وجود معلومات كافية عن الشخص، لذلك يقبع كثيرون في السجن بسبب تشابه أسمائهم مع أسماء آخرين مطلوبين أمنياً”.
ويقيد تشابه الأسماء حركة الكثيرين في مدن العراق، فضلاً عن منعهم من السفر إلى الخارج، فالسلطات العراقية لا تصدر جوازات سفر لمن تتشابه أسماؤهم مع مطلوبين حتى يعتقل المطلوب ذاته أو تثبت براءة المشتبه فيه.
القضاء العراقي أعلن في يناير 2016 إلغاء 456 مذكرة قبض قضائية في بغداد بعد التأكد من براءة أصحابها، الذين اعتقلوا بناء على تشابه أسمائهم مع مطلوبين
وقد اعتقل حمزة البدري (35 سنة) ثلاث مرات خلال العامين الأخيرين بسبب تشابه اسمه الثلاثي مع شخص مطلوب بتهم إرهابية، وقال لـ”العربي الجديد”: “حركتي مقيدة ولا أستطيع التجول بين المدن، أو حتى العمل بحرية، فكلما مررت عبر نقطة تفتيش شعرت بالخوف، وحينما يدققون اسمي في الحاسوب يتم اعتقالي. تعرضت للاعتقال ثلاث مرات خلال العامين الأخيرين، وخرجت بعد عدة شهور في كل مرة يتم اعتقالي فيها”.
وتابع: “المعاناة تبدأ لحظة دخول السجن بسبب تشابه الاسم، وبعد تأكد السلطات من أن المشتبه فيه ليس هو المطلوب الحقيقي، تبدأ المساومات على مبالغ كبيرة من المال لإخلاء سبيل المشتبه فيه، كما حصل لي ولمئات آخرين في السجون العراقية”.
الأمر نفسه تكرر مع محمد الجنابي (41 سنة)، الذي اعتقل نحو 7 مرات خلال الأعوام الماضية، ويروي قصته قائلا: “كلما حصل تدقيق أمني في إحدى نقاط التفتيش، أو في المنطقة خلال حملات تفتيش يتم اعتقالي وإيداعي السجن. تعرضت للتعذيب والاعتقال سبع مرات خلال السنوات الماضية”.
ويبين الجنابي لـ”العربي الجديد” أن المشكلة تكمن في تشابه أغلب أسماء العراقيين. “تبدأ المشاكل لحظة دخول السجن بالبحث عن طريقة لإثبات أني لست المطلوب، وهنا تبدأ رحلة التعذيب والمعاناة والرشى، وتكمن المشكلة في أن المشتبه في أسمائهم لا يستطيعون إصدار جواز سفر مطلقاً، وبالتالي فهم مقيدو الحركة”، على حد وصفه.
ويقوم بعض العراقيين بحمل هويات أمهاتهم احتياطا. يقول محمد علي (43 سنة)، لـ”العربي الجديد”: “اسمي محمد علي محمد، وهناك كثير من المطلوبين يحملون هذا الاسم، لذا اسم والدتي هو المنقذ حاليا، وكذلك وثيقة من المحكمة تؤكد أنني غير مطلوب بأي جريمة، ورغم ذلك فالخوف سيد الموقف داخل حواجز التفتيش”.
وصدرت في الأعوام الماضية مئات من مذكرات الاعتقال بناء على تشابه الأسماء، وكان القضاء العراقي قد أعلن في يناير/كانون الثاني 2016 إلغاء 456 مذكرة قبض قضائية في بغداد فقط بعد التأكد من براءة أصحابها الذين اعتقلوا بناء على تشابه أسمائهم مع مطلوبين.
وكشف حقوقيون عن تعرض عشرات المعتقلين للتعذيب، ووفاة بعضهم في السجون بعد اعتقالهم بناء على تشابه أسمائهم مع مطلوبين، حتى إن كثيرا من المشتبه في أسمائهم يهربون إلى خارج البلاد أو يلجؤون إلى مناطق سيطرة تنظيم الدولة هرباً من ملاحقة أجهزة الأمن الحكومية.
العربي الجديد