في معرض الحاجة إلى بيان ..!
“لأنا نتقن الصمت حَمَّلونا وزر النوايا” .. غادة السمان ..!
(1)
رُبَّما كانت تلك النزعة الغربية في تفضيل تربية الكلاب على صحبة بعض البشر “ملطوشة” تاريخياً من بعض العرب أيام ازدهار الحضارة الإسلامية، فقد جاء قديماً في كتاب “فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب” للعلامة “أبي بكر محمد بن خلف المرزبان” حديث عن قصص مبكية في وفاء الكلاب وغدر البشر وجحودهم، وفي الكتاب كلام رومانسي كثير عن فضل الكلاب يجعلك تشعر بالخزي والعار لأنك بشر – كلام كثير على غرار- (واعلم أعزك الله، أن الكلب لمن يقتنيه أشفق من الوالد على ولده والأخ الشقيق على أخيه، ذلك أنه يحرس ربه ويحمي حريمه شاهداً وغائباً ونائماً ويقظان، لا يُقصِّر عن ذلك وإن جفوه، ولا يخذلهم وإن خذلوه) .. لعلك الآن تبتسم وأنت تفكر ببعض البشر الذين وصلتهم فجفوك، وأخلصت لهم فخذلوك، وأكرمتهم فجحدوا فضلك، وبذلت لأجلهم فبخلوا عليك .. فلا هم اتصفوا بأخلاق البشر، ولا هم بلغوا فضل الكلاب ..!
(2)
كان لهارون الرشيد طبيب نصراني، سأل معاصريه عن مكان الطب من القرآن والسنة فقالوا: لقد جمع القرآن الطب في نصف الآية (كلوا واشربوا ولا تسرفوا).. وجملة من حديث (المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء)، فقال لهم “لم يُبق قرآنُكم ونبيُّكم شيئاً من طب جالينوس” .. معظم أمراض العصر المزمنة مثل داء السكري وضغط الدم وأمراض القلب .. إلخ .. والتي أثبت الطب الحديث أن أسبابها المباشرة تدخل في قبيل “ولا تسرفوا” متفشية بيننا.. وسبعون بالمائة من أصحاب هذه الأمراض المزمنة في السودان يسافرون إلى الخارج لتلقي العلاج .. التفسير الظاهر والمتفائل هو أن ثلاثين بالمائة من مرضى الأمراض المزمنة بالسودان يفضلون العلاج محلياً.. بينما التفسير الواقعي يقول إن الذين يسافرون طلباً للعلاج في الخارج هم الفئة القادرة أو المستطيعة مع المشقة، بينما “يقعد” غير المستطيعين لأنهم مُكرهين لا أبطال ..!
(3)
بحسب أحلام مستغانمي “على المرأة أن تتعلم فنون الإصغاء إلى صمت الرجل، وليس إلى حديثه فحسب .. فهنالك صمت التحدي .. وصمت العشق .. وصمت الألم .. وصمت الهجر .. وصمت التعالي .. عليها أن تجيد التفريق بين صمت الكبار الذي يقاس بوقعه والصمت الكبير الذي يقاس بمدته .. فلئن كانت الدموع هي سلاح النساء فسلاح الرجال هو الصمت” .. فالعاشق الثرثار مفلس على الدوام، هضابه بور وسهوله جدباء، واستراتيجياته القلبية عرضة للهجوم لأنها مبذولة ومسفوحة ومراقة على أبواب القلوب .. ولئن كان هذا هو حال المعارك العاطفية والسياسات العشقية فما بالك بمعارك الدول وسياسات الحكومات .. ؟!
(4)
برأيك هل يلام من كان يعيش خارج هذا السودان إذا هو عاد إلى الوطن وأخذ يثرثر بسعادة عن رائحة الدعاش .. وزخات المطر .. وطعم الفول بزيت السمسم .. و”لمة الأهل والجيران”؟! .. هل يلام إذا داهمته أحياناً نوبات بكاء مفاجئة لا يوجد ما يبررها ؟! .. هل يؤاخذ إذا أمسكت بتلابيبه حالة من الفرح المسكوب في عز الضجر المبذول على وجوه من حوله من “القاعدين” في هذا البلد الحبيب ؟! .. أعلم جيداً أن “حركات المغتربين” هذه ترفع معدلات ضجر الكثيرين من أهلهم القاعدين في هذا البلد .. لكن حاولوا أن تفهموهم .. لأنهم – في الحقيقة – مساكين .. صدقوهم وتعاطفوا مع بؤسهم عوضاً عن السخرية من بعض أوجه اختلافهم .. ولا تنسوا أنهم – في نهاية كل أمر – بعض أهلكم الذين لا يستحقون أن تطول غربتهم، وإن كانوا قد أصبحوا يشبهونها ..!
هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة