“الدمازين” و”الروصيرص” (عطش) على مرمى حجر من النهر !!
عقب انقطاع استمر لسنوات!!
السكان يجأرون بالشكوى وهيئة المياه تحمل اللجان الشعبية المسؤولية
مدير إدارة مياه المدن: النزوح ساهم في تدني مستوى خدمة المياه ولدينا عجز يتراوح ما بين (7) و(8) آلاف متر مكعب يومياً
اللجان الشعبية للولاية: لم نجد غير الوعود وفقدنا الأمل في حل الإشكالية
مواطنون: الموية (عزيزة) علينا وشراؤها بـ(الكاروهات) ميزانية وساهم في حدوث إسهالات مائية
لأكثر من ثلاثة أعوام بحسب بعض سكان مدينتي “الدمازين” و”الروصيرص” الذين تحدثوا لـ(المجهر)، فقد ظلت المياه تشكل غياباً شبه تام عن معظم أحياء المنطقتين اللتين اضطر قاطنوها اللجوء لشرائها عبر (الكاروهات) المخصصة لبيعها، مشكلة بذلك عبئاً معنوياً واقتصادياً على عاتقهم، بجانب أمراض صحية تمثلت في حدوث إسهالات مائية بحد تعبيرهم.
ظل انقطاع المياه يشكل وضعاً مأزوماً لسكان تلك الأحياء حتى بات هاجساً، طرقوا على إثره عبر لجانهم الشعبية أبواب المسؤولين وإدارة هيئة المياه بالولاية، إلا أنهم لم يحصدوا سوى السراب في ظل وعود ذهبت أدراج الرياح ليبقى حال سكان تلك الأحياء على ما هو عليه وعلى المستطيعين منهم الاشتراك، لجلب (خراطيم مياه) وإدخال خطوط جديدة وفقاً لما أخبرتهم به إدارة المياه، التي أرجعت عجزها وتدني مستوى خدمتها إلى النزوح والضغط السكاني على الولاية في ظل الحروب الأخيرة لجنوب الولاية وكذا دولة جنوب السودان، ليبقى السؤال عن دور سلطات الولاية في ظل إقرار هيئة المياه بعجزها حيال الإيفاء بمتطلبات المواطنين في نصيبهم من (شريان الحياة).
داخل حي البتابة بمحلية (الروصيرص عروس النيل الأزرق) ظلت “ليلى عبده” (ربة منزل) تقضي جل ساعات ليلها انتظاراً لمجيء المياه منسابة عبر (مواسيرها) كما هي العادة، إلا أن الانتظار الطويل أصبح لا يجدي نفعاً بعد أن آلت المياه على نفسها الحضور عبر (الكاروهات) التي أصبحت تستشري بصورة لافتة بحيها بحد تعبيرها.
“ليلى” أكدت لـ(المجهر) كبر حجم المعاناة التي وصفتها بالمأساوية سيما أن المياه تعد شريان الحياة الرئيسي الذي يصعب الاستغناء عنه، لافتة إلى أن مشكلتهم بدأت جراء إلغاء محطة المياه القديمة واستبدالها بأخرى جديدة ساهمت الأخيرة في انقطاع الماء عن بعض الأحياء. وقالت: كان من المفترض أن تقوم المحطة الجديدة بتغذية جميع الأحياء إلا أن ما حدث هو العكس، وليتنا ظللنا ننعم بتيار الماء القوي الذي كنا ننعم به في السابق بدلاً من رحلة البحث عنها في المنازل الأخرى أو شراؤها بالبراميل، و(مواسيرنا) تغط في سبات عميق بعد أن مللنا الوعود التي حفظناها عن ظهر قلب. وتضيف: من المناقضات أن الطرقات مليئة بالمياه جراء كسورات في بعض الخطوط بينما تفتقدها منازلنا تماماً.
ويصف “السر القاضي” موظف (الموية) بالروصيرص لـ(المجهر) بالكائن الليلي الذي بات عزيزاً يغادر قبل بزوغ الضوء ويجيء عقب سكون الناس إلى أسرتهم، فيحظى بمقابلته قائمو الليل على أمره الطامعون في ملء أكبر عدد من المواعين، تكفيهم في قضاء يومهم دون اللجوء للشراء أو تسولها بطرق الأبواب بحثاً عنها.
لم يكن “عمر سليمان” (تاجر) بالدمازين بأحسن حالاً من المواطنين الذين تشملهم معاناة انتظار المياه ليلاً أو البحث عنها نهاراً، فهو يقاسمهم المعاناة إن لم يكن أشدهم فيها، سيما أنه أكد لـ(المجهر) عدم رؤيته للمياه وهي منسابة عبر (المواسير) بمنزله منذ سنوات بنائه (13 عاماً) رغم اكتمال توصيلاته، لافتاً إلى أن شراءها يمثل عبئاً اقتصادياً على عدد من الأسر التي لا تستطيع توفير ثمنها في مدينة تقع على مرمى حجر من النيل الأزرق، مستنكراً في السياق نفسه مطالبة المواطنين من قبل هيئة المياه بدفع قيمة الاشتراك الشهري وتلك الأصوات التي تنادي بربط فاتورة الموية بالكهرباء. وقال: بأي حق يطالبون المواطنين بدفع الفاتورة في الوقت الذي تشكو منازلهم الجفاف. وزاد: (والله نحن في بلد الواحد لو مات كان أفضل)!
ويناصفه القول “كامل يعقوب” (تاجر) مؤكداً على أن عملية شراء الموية بات أمراً مرهقاً ومزعجاً للكثيرين في ظل الظروف الاقتصادية التي يقاسيها الناس، مشيراً إلى أن عملية الشراء تتعدد في اليوم الواحد. وقال: رغم انقطاع الماء ورضاؤنا بشرائها إلا أن الحصول عليها عبر (الكاروهات) يعد أمراً قاسياً، فأحياناً نضطر للانتظار بالساعات لمجيء إحدى هذه الكاروهات ورغم ذلك لا تأتي، مما يدفع بالكثيرين لطرق منازل الأحياء التي تنعم بها فمنهم من يجود بها ومنهم من يغلق بابه في وجهك.
عدد من الشكاوى بثها عبرنا رئيس اللجنة الشعبية للروصيرص السيد “عثمان عمر” الذي قطع بطرقهم أبواب المسؤولين بالولاية دون جدوى تذكر في ظل وعود تستمر معها معاناتهم قائلاً: أنا كرئيس لجنة ما شارب موية، لنا سنوات لم نجد غير الوعود حتى فقدنا الأمل في حل هذه الإشكالية، سيما أننا كلما ذهبنا مستفسرين عن انتهاء معاناتنا، تأتينا الإجابات بأن الهيئة أرسلت في طلب (خراطيم) مياه جديدة ،لم تصل بعد ،وأ، على المستطيعين من المواطنين الاشتراك فيما بينهم لشراء هذه الخراطيم، وإدخال خط جديد، إن أرادوا ذلك. وأضاف: أنا أتعجب، وأتساءل عن الكيفية التي تجعل بالروصيرص محطتين كبيرتين للمياه ،ولا توجد خطوط للمياه؟ وزاد: ليس في أيدينا ما نقوم بفعله، وعبر الإعلام نتمنى أن تجد قضيتنا اهتماماً.
رئيس لجنة الخدمات للحي الشرقي (الروصيرص)، “آدم محمد حامد”، قطع في حديثه لـ(المجهر) تقديمهم عدداً من الشكاوى دون أن يجدوا استجابة، بجانب مقابلتهم مدير مياه الدمازين ، الذي أبدى عجزه عن تقديم مساعدة لهم بحد تعبيره، قائلاً: مدير الموية بالدمازين عندما تحدثنا إليه ، قال لنا ما عندي حاجة أعملها ليكم. وأذهبوا لشراء خرطوش كبير ؟حتى نقوم بتوصيل المياه لكم، في الوقت الذي تم فيه تخديرنا سابقاً من قبل مكتب الهيئة ،الذي وعدنا بوصول طلمبات مياه جديدة ، ستعمل على حل مشكلة العطش ، التي نعانيها. وأضاف: قبل تركيب المحطة الجديدة ،لم نكن نعاني من أية مشاكل، فسابقاً، كنا نرتوي من المحطة القديمة ، التي ترتب على تحويلها ، تبديل خطوط مياه حالت دون وصولها إلى أحياء ومربعات بعينها، وأصبحنا نعتمد اعتماداً كلياً على (الكاروهات) في عملية الشرب. واستطرد، قائلاً: (الموية أصبحت مافي، والناس النازلين للبحر ،أكتر من أعداد الناس فوق الضفة، انقطاع الموية عطل حياتنا كلها).
تساؤلات عدة أودعتها (المجهر) منضدة مدير إدارة مياه المدن بالدمازين، الذي يعد المسؤول المباشر عن مياه ولاية النيل الأزرق بمختلف محلياتها، مهندس “عباس محمد أحمد” الذي أرجع مشكلة المياه التي تعانيها بعض أحياء الولاية في محلياتها المختلفة، إلى ثالوث (الضغط السكاني على الولاية ـ فصل الصيف ـ الحالة الاقتصادية)، مؤكداً أن الضغط السكاني الذي تشهده ولاية النيل الأزرق ،في ظل النزوح عليها من جنوب السودان ،والمناطق الجنوبية للولاية ساهم بشكل كبير في تدني مستوى خدمة المياه، لافتاً إلى أن التجمع السكاني في أعقاب الحروب الأخيرة قدر بحوالي (55) ألف أسرة نازحة، وقال: لدي عجز يومي يتراوح ما بين (7) و(8) آلاف متر مكعب من المياه في حال استقرار التيار الكهربائي ،بسبب الضغط السكاني الكبير، والمواطنون يفتقرون لثقافة تخزين المياه، بجانب ازدياد نسبة التشغيل بنسبة (253%) بسبب رفع الدعم. وأضاف: قمنا بعكس الصورة كاملة للأجهزة المعنية بالولاية ، والآن يعملون على حلها لكن بصورة بطيئة بسبب الهجرة اليومية، وزاد: عدد المسجلين لديَّ في الهيئة حوالي (21) ألف أسرة بجانب (23) ألف أسرة غير مشتركة، يرتوون مع المواطنين و(9200) أسرة خارج الشبكة، هذا فيما يتعلق بمحلية “الدمازين”، أما “الروصيرص” فتعتبر من وجهة نظري أحسن حالاً، وليس الأمر كما صوره بعض المواطنين، فهم لا يشربون من الكارو إطلاقاً، ومشكلتهم تكمن في إزالة الصهريج الكبير ،الذي كانوا يشربون منه وهو صهريج في منطقة عالية يقوم بتوصيل المياه بشكل منساب لجميع المنازل، ولبعض الأسباب تمت إزالته وإنشاء مركز تأمين صحي، ومضى قائلاً: وهذا أكبر خطأ ، وبخت عليه اللجان الشعبية في سماحهم بإزالة الصهريج، والآن نحن نقوم بعمل إحلال وإبدال للطلمبات والخطوط.
المجهر السياسي