رسالة من ترامب الى الأسد… ماذا تضمنت؟
لفتت صحيفة “الاخبار” الى ان عضو في الكونغرس عن ولاية هاواي ومن فريق الحزب الديموقراطي تولسي غابارد سبق لها أن أدلت بآراء بدت سجالية حول ما يجري في بلادنا.
واضافت الصحيفة في مقال للكاتب الصحافي ابراهيم الامين ان المرأة التي يبرز صوتها في المؤسسات وفي الاعلام، مثّلت أحد الاصوات غير المرغوبة من قوى النفوذ في الادارة. قررت التعرّف عن قرب على حقيقة ما يجري عندنا، وتحديداً في سوريا.
وفي منتصف الصيف الماضي، نضجت عند غابارد فكرة زيارة سوريا في رحلة تقصّي حقائق. الترتيبات كان تشير الى إمكانية حصول الزيارة في تشرين الاول الماضي. احتاج الامر إلى بعض الإجراءات، من توفير تمويل الرحلة، الى ترتيب جدول الاعمال، الى الحصول على موافقة لجنة الاخلاقيات في الكونغرس على الزيارة.
وقد انجزت الامور أواخر الصيف. لكن الذي حصل أن غابارد التي يعرفها فريق المرشح القوي دونالد ترامب، كانت منخرطة في الانتخابات. لم تكن معجبة أبداً بهيلاري كلينتون، وأيّدت صراحة المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز، وهو أمر لفت انتباه فريق ترامب الانتخابي. وبعد فوز الاخير في الانتخابات، بحث مع فريقه إمكانية إقناع غابارد بتولي منصب حكومي بارز في إدارته الجديدة. وأثناء التواصل والبحث، علم ترامب بنيتها زيارة سوريا، فطلب إليها تأخير الزيارة ريثما يتسلم مهماته، لأن لديه ما يقوله لها.
الى ذلك وافقت غابارد على التأجيل، وفي 21 تشرين الثاني عام 2016، استقبلها الرئيس المنتخب دونالد ترامب لأكثر من ساعتين ونصف ساعة. أبلغته أنها لا تقدر على تأجيل الزيارة أكثر، وأن برنامجها محدد منتصف كانون الثاني بين سوريا ولبنان، وأنها ستكون هناك يوم تولّيه الحكم رسمياً. فقدمت له التهاني مسبقاً، واعتذرت عن عدم قدرتها على حضور حفل التنصيب.
وخلال اللقاء سألها أن تشرح له وجهة نظرها حول الوضع في سوريا والعراق. وبعد سماعها، أبلغها أنه موافق على تحليلها. وقالت له إنها تعمل على إعداد معطيات لأجل سنّ قانون يمنع الاميركيين من أي تعاون مع أي شخص يكون له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمجموعات الارهابية في العالم، وخصوصاً تنظيم داعش.
قال لها ترامب: “حسناً، اسأليه إن كان مستعداً للتواصل معنا، وأنا مستعد للاتصال به هاتفياً. ولكن، ليكن معلوماً منذ الآن أن التعاون سيكون عنوانه قتال «داعش». سيجد أن مطلب إطاحته من منصبه ليس في دائرة اهتماماتي. وهو عنوان سيختفي من التداول تدريجياً. أما التواصل المباشر وإلغاء العقوبات، فهما أمران يحتاجان الى وقت، والمهم أن نعرف كيفية تصرفه، ومدى استعداده للتعاون معنا بمعزل عن الروس والإيرانيين. نحن يجب أن نغيّر سياستنا تجاه الأسد. الاحتواء المباشر قد يكون مفيداً. الرجل صمد في موقعه. الواقع يقول لنا إنه يجب أن نتعامل معه إذا كنا نريد مواجهة داعش فعلياً.”
وبعد انتهاء اجتماعها مع ترامب، طلبت غابارد تكثيف الاستعدادت للسفر. لكن الذي حصل هو انطلاقة حملة لتعطيلها، داخل الولايات المتحدة، من خلال رجال الاستخبارات «سي. آي. إيه.» و«أف. بي. آي.». وحصلت اتصالات مع كل المعنيين بالزيارة لأجل إقناعهم بالعدول عنها. ومن ثم بوشرت المساعي من وزارة الخارجية أيضاً لمواجهة رحلة غابارد.
وفي الرابع عشر من كانون الثاني غادرت غابارد العاصمة الاميركية متوجهة الى مطار بيروت. وصلت غابارد برفقة زوجها المخرج السينمائي، الرجل الثري من أصول هندية ابراهام وليامز، والوفد المرافق، يوم الاحد. كان مساعدون لها في انتظارها، برفقة قوة من جهاز أمن السفارات في قوى الامن الداخلي، كانت قد توافرت بعد اتصال مع وزير الداخلية نهاد المشنوق. ومن المطار توجه الموكب مباشرة صوب منطقة اليرزة، للحصول على تأشيرة دخول الى سوريا من السفارة السورية هناك. وكان السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم الذي استضافهم ريثما تنجز أوراق التأشيرات.
ما حصل هو أن موكب الضيفة الاميركية اختار طريقاً قصيرة للوصول الى منطقة اليرزة. وهذا يعني أنها عبرت منطقة الضاحية الجنوبية، المصنّفة ضمن المنطقة الحمراء. وأثناء مرورها هناك، سألت: أين نحن؟
الجواب: نحن في منطقة حزب الله.
سألت: لكن أين هي القواعد العسكرية والمسلحون؟
الجواب: لا وجود لهذه الأشياء أصلاً.
سألت: هل أنتم متأكدون من أننا نمرّ في منطقة يسيطر عليها حزب الله بصورة كاملة؟
الجواب: نعم! وخلال دقائق نكون في منطقة تخضع تماماً لسيطرة الجيش اللبناني، وهناك يقع مكتب السفير السوري ومنزله.
وبحسب رواية “الاخبار” فإنه عند الثامنة من صباح الاثنين ينطلق الموكب من الفندق مباشرة باتجاه الحدود السورية. وعند نقطة المصنع، يتوجه الموكب صوب نقطة يوجد فيها فريق أمني يسهّل الوصول الى صالة كبار الزوار، حيث كان أفراد من تشريفات القصر الجمهوري، برئاسة موفد رئاسي سوري، في الانتظار مع سيارات الموكب. وبينما بقي الأمن اللبناني عند الحدود، توجهت غابارد والوفد مباشرة الى لقاء الرئيس بشار الأسد.
واشار الكاتب الى ان الاسد استقبل غابارد بابتسامته المعهودة. صافح أعضاء الوفد، وسألها عن الرحلة، ثم دخلت هي مباشرة في الحديث:
“أنا هنا في زيارة تقصّي حقائق. أريد أن أزور أكثر من منطقة في سوريا إن استطعت، وأن أجتمع بأشخاص على الارض. وأريد مساعدتي في تقديم معطيات موثقة ومؤكدة حول من يدعم المنظمات الإرهابية، وخصوصاً داعش والقاعدة. أنا هنا بموافقة من الكونغرس، وكنت أنوي الحضور قبل أشهر، لكن التأجيل حصل بطلب من الرئيس ترامب نفسه”.
ثم عرضت غابارد للأسد تصوّرها للموقف في سوريا والمنطقة. وقالت له: “أنا التقيت الرئيس ترامب قبل مجيئي الى هنا. وأنا أحمل لك رسالة منه. لقد طلب مني أن أنقل لك تصوّره وأفكاره بشأن المنطقة، وطلب أمراً آخر بصورة مباشرة”.
وقد واصل الاسد الاستماع، وأفاضت غابارد في عرض وجهة نظرها وما سمعته من الرئيس الاميركي المنتخب. وكررت أمامه ملاحظات الادارة الاميركية على سياسات حلفائها في سوريا، من السعودية الى تركيا الى بقية دول الخليج. وقالت له إن الاولوية المطلقة عند ترامب هي محاربة داعش. وهو سيأخذ بعين الاعتبار في مقاربته ملف ايران. إنها دولة جدية جداً في محاربة داعش. الرئيس ترامب يريد تغييراً جذرياً في سياسة أميركا حيال سوريا والمنطقة.
سألها الاسد: هل هذا هو انطباعك بعد الاجتماع مع ترامب؟
ردّت غابارد: لا، هذه هي أفكاره، وهو طلب مني أن أنقلها إليك. نحن باختصار، نريد التعاون معك في محاربة داعش. ترامب معجب بذكاء روسيا في إدارة الملف السوري، وهو يريد بناء تفاهم مع الروس في سوريا.
ثم فجأة سألت غابارد الأسد: إذا اتصل بك الرئيس ترامب، هل تردّ على المكالمة؟
ابتسم الأسد وسألها: هذا سؤال افتراضي، أم هو اقتراح؟
قالت له: ليس افتراضياً.
الأسد: هذا اقتراح منك؟
ردّت: لا، هذا سؤال لك من الرئيس ترامب، وهو طلب مني أن أنقله إليك، وسأعيد طرح السؤال: إذا اتصل بك هل ستردّ على المكالمة؟
فوجئت غابارد بردّ سريع من الأسد: بالطبع، وسوف أعطيك رقم هاتف يمكن الوصول إليّ عبره سريعاً.
في هذه النقطة، بدت غابارد متفاجئة بعض الشيء، وكأنها كانت تحت تأثير تشويش، بأن الأسد لن يجيب مباشرة، وأنه سيطلب وقتاً للتفكير. لاحقاً، تبيّن أن إدارة ترامب كانت تعتقد أن الأسد سيطلب الوقت قبل الإجابة، لأجل التشاور مع حلفائه الروس والايرانيين. الاميركيون فكّروا بصراحة أن الأسد “لن يجرؤ على التواصل معهم من دون إذن موسكو”.
قبل نهاية الاجتماع، عادت غابارد وشرحت للأسد حاجتها الى جولة في سوريا من أجل إعداد تقريرها حول ما يجري. وسألت إن كان بمقدورها زيارة حلب، بعدما كان الجيش السوري قد استعاد مع حلفائه السيطرة عليها كاملة.
في غضون نحو ساعتين، سمع الاسد عرض غابارد بحسب “الاخبار” ثم قدم وجهة نظره ومعطيات حول ما يجري ودور الولايات المتحدة الاميركية المباشر أو غير المباشر في دعم المجموعات الإرهابية. بعد ذلك، انتقلت غابارد الى مكتب آخر، حيث اجتمعت لساعتين أيضاً مع زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد، ودار الحديث حول الجوانب الاجتماعية والآثار السلبية للحرب القائمة على الناس في سوريا. بعدها انتقلت للقاء مفتي سوريا بدر الدين حسون، وزيارة الجامع الكبير في دمشق، ثم التقت البطريرك أغناطيوس افرام، وبعده حصل اجتماع مع رجال أعمال وأكاديميين عرضوا لآثار الحرب على سوريا.
بات الوفد ليلته في مقر رسمي للضيافة، وفي ذلك المساء، لبّت غابارد دعوة مستشارة الاسد الدكتورة بثينة شعبان الى العشاء، بحضور مندوب سوريا في الامم المتحدة بشار الجعفري، ثم جرت ترتيبات لاجتماع مع وزير الخارجية وليد المعلم.
صباح اليوم التالي، واكب فريق رسمي سياسي وأمني من القصر الجمهوري الضيفة الاميركية، وغادر الجميع على متن طائرة رئاسية الى حلب. وهناك، كان فريق آخر في الانتظار، وقامت بجولة استمرت لساعات طويلة، التقت خلالها المحافظ وأعضاءً في البرلمان ورجال دين وناشطين ومواطنين، وتفقدت مخيّماً للنازحين.عَبَرت الموفدة الأميركية الضاحية الجنوبية وسألت: أين القواعد العسكرية التابعة لحزب الله؟
وتابعت الصحيفة انه وقبل مغاردتها حلب، تلقّى مساعدوها اتصالاً يفيد بأن الرئيس الأسد قرر استضافتها الأربعاء، طوال اليوم، وأنه أجرى الترتيبات لعقد لقاءات مفصّلة، يتخللها غداء عملأ وأنه سيزوّدها بوثائق دامغة تؤكد التورط المباشر لأمنيين أميركيين، بطلب من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، في دعم الإرهابيين في سوريا. وهذا ما حصل، فكان قرار تأجيل مغادرتها دمشق من الأربعاء إلى الخميس. وخلال نهار الاربعاء، التقت غابارد الأسد مرتين بحضور مسؤولين في الدولة السورية من الذين أحضروا معهم الوثائق والملفات. وعرض عليها ما مثّل بالنسبة إليها الصدمة وليس المفاجأة فقط. وأعطيت من الأدلة ما يتيح لها التثبّت من صحتها عند عودتها الى الولايات المتحدة الاميركية.
صحيفة الجديد