عباس دلاقين.. مليونير حافٍ!!؟؟
* كان قادماً بسيارته الصغيرة.. من نوع (أمجاد).. شارع المعرض شرق الخرطوم.. الازدحام شديد والسيارات تمر ببطء.. ورجال المرور يتصببون عرقاً.. وهم ينظمون حركة السير.. بجهد واضح وعرق (ناضج)…؟! لأول مرة يشاهدهم كذلك.. كان يشعر (بقرصة) جوع.. بعد أن صلى الجمعة بأحد مساجد المنطقة.. كاد ينام (لرتابة) خطبة الإمام.. ولكنه قاوم النعاس.. بسبب (الجوع).. والسكري.. ألقى نظرة جانبية على سور (المعرض) الجنوبي.. الفناء الواسع.. مزدحم بجميع أنواع السيارات معظمها من النوع الفاخر.. ومن أحدث الموديلات.. تذكر أن اليوم هو المؤتمر العام لأحد الأحزاب (التقليدية) التي انشقت عن الحزب الحاكم.. وتسير اليه بخطى حثيثة مرة أخرى.. تحت (ذرائع) شتى.. ابتسم وهو يشق طريقه جاهداً بسيارته الصغيرة حتى تجاوز المكان.. وانطلق مدفوعاً بالجوع والسكري.. حتى مدجخل جسر المنشية الى منزله بشرق النيل..!!
* لم يلتفت هذه المرة الى أرتال الأوساخ والقمامة على الجانبين.. شرق وغرب النيل الأزرق.. رغم المعمار الحديث الذي يعم المكان.. والذي قضى على أخصب أراضي المنطقة.. والعالم.. بدون مبالغة.. هكذا همس..!! أمام باب المنزل وجد أحد الأبناء أمره بإدخال السيارة.. لأنه لن يخرج في المساء.. الزوجة المسكينة.. سمعت صوت السيارة.. سارعت بالدخول الى المطبخ.. لإعداد الغداء.. خوفاً من (النقة) وسلاطة اللسان التي اشتهر بها.. تحلقوا حوله تتوسطهم المائدة.. التهم طعامه صامتاً وهو ينظر اليهم شذراً حتى لا يزعجه أحد.. جوعاً وسكري.. وبأخلاقه المعتادة.. صاح الشاي بعد أقوم من النوم.. (!؟!)..!!
* دخل غرفته.. وألقى بالجلابية بعيداً وتمددج على السرير بالعراقي والسروال.. وسرعان ما هدأ البيت كله.. وكأنه خالٍ من السكان.. وتسلل الأولاد الى رفاقهم في الشارع.. بينما سارعت الزوجة الى الجيران.. خوفاً من (صحيان) المارد الساخر فجأة..!؟!
* ومن عادجات عباس دلاقين الكثيرة غير سف الصعوط بطريقته المميزة.. انه كان يحب أن يتجول في المنزل حافياً.. وأحياناً عند الجيران.. أو عندما يخرج (للشلة) في المساء عند دكان هارون.. لأن للسكري حرارة في باطن القدم كما يقول..!؟!
*في عقله الباطن.. كانت تدور صور شتى منها منظر السيارات الفاخرة التي شاهدها في شارع المعرض.. قبل أن يعتلي بسيارته الصغيرة جسر المنشية..!!
* رأى نفسه يقود تلك (اللكزس) البيضاء والتي خطف بياضها الأبصار.. وبعض الألباب.. وهي سيارة أحدج المسؤولين الكبار.. ابتسم وهو (حالم).. كان يعرف الرجل قبل أكثر من ربع قرن بسيارته (الهكرة) من موديلات القرن الماضي.. رأى نفسه يقود نفس السيارة.. وهو يلبس بدلة فاخرة.. وربطة عنق حريرية.. لم ينتبه الى أنه يقودها (حافي القدمين) من حرارة باطن القدمين.. وهو في طريقه الى منزل (الزوجة الثالثة) في أحد أحياء شرق المدينة.. نزل أمام السيوبر ماركت الجميل.. المكتظ بما لذ وطاب (ضرب البوري).. جاء أحد العمال ركضاً.. طلب منه إحضار مستلزمات (البيت التالت).. أحضرها العامل.. حتى امتلأ بها مقعد السيارة الخلفي.. مع (كم) صندوق من العصائر الممتازة.. من النوع الذي يسري في الدم مباشرة..؟!
* بالقرب من السيوبر ماركت توجد صيدلية اسمها (صيدلية الحنان).. همس للعامل بأن يذهب الى دكتور (….) ويحضر العلبة الصغيرة.. ابتسم العامل بخبث.. وأحضر المطلوب.. لم ينزل من (اللكزس).. دس العلبة في جيب البدلة.. ثم انطلق الى (الهدف)..!!
* تذكر أمراً مهماً.. ومصاريف المنزل رقم (٣) أخرج جواله الفاخر.. واتصل على شركته الخاصة طلب من المدير أن ينتظره أمام مقر الشركة في تلك العماآآآرة الكبيرة.. عرج على الشارع الرئيس وجد المدير ينتظره وهو يحمل (ظرفاً) أبيض اللون.. كبيراً.. سأله.. كم المبلغ؟.. قال (٥٠) ألف وعشرة ألف دولار لسفر المدام مع والدتها للعلاج.. ابتسم وقذف بالظرف الى المقعد المجاور.. في حركة (لامبالاة) مثل الكبار..!!
* أمام باب أحد عماراته نزل وطلب من (الخفير).. أن يحضر الأشياء من السيارة وحمل (الظرف) بنفسه كان (حافياً) رغم الملابس الثمينة.. ابتسم الخفير بتعجب.. بينما كان أولاده يلعبون تركوا لعبهم وصاروا يؤشرون عليه ويضحكون.. فجأة استيقظ من النوم.. صائحاً:
* يا ولية.. يا ولية.. إنتي وين.. جيبي (كوز) موية..!!؟
مفارقات – صلاح أحمد عبدالله
صحيفة الجريدة