المؤتمر العام الأول لـ (الشعبي).. حزب الترابي يتجاوز العتبة الأولى (موحداً)
(السنوسي) يحفظ (الأمانة).. و(الحاج) ينتصر لما يطلبه الشباب
إبراهيم محمود بعد مقاطعته بهتاف (حرية): سنعمل للحريات والاقتصاد والتنمية
غازي صلاح الدين يمتدح نهج (السنوسي) في المحافظة على تماسك (الشعبي)
ساطع الحاج يهتف: (في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء)
مع وصول أشعة شمس الجمعة إلى أرض المعارض بضاحية بري (شرق الخرطوم)، بدأ عرض خاص للعمائم والجلاليب ناصعة البياض التي تخص رجالات حزب المؤتمر الشعبي، الذين توافدوا من كل حدب وصوب، بمعية حماس بائن، لحضور اعمال المؤتمر العام الأول، فغياب د. حسن الترابي، يحتاج لاجتماع الألف عضو ليقولوا من يسد محله.
وبالرغم من أن الجمعة عطلة رسمية كانت الشوارع المؤدي إلى أرض المعارض ببري مكتظة بحركة المارة، فالحدث يستحق الزخم والزحام، لأنه ارتبط بخلافة رجل شغل الساحة لعقود.
ترتيب كبير
لجنة الإعداد والترتيبات للمؤتمر العام أحكمت قبضتها على كل تفاصيل المؤتمر وجهزت القاعة الكبرى مبكراً. وشغلت صورة ضخمة للترابي عرصات المعرض، في ظل عبارات تنادي بالحرية تارة والتمسك بقيم المجتمع والإسلام تارة أخرى.
الحضور كل أنيقاً من قبل القوى السياسية المعارضة بالداخل تقدمهم الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي، وغازي صلاح الدين زعيم حركة الإصلاح الآن، ومصطفى محمود عن حزب البعث، وساطع الحاج عن الحزب الناصري، وصديق يوسف عن الحزب الشيوعي، وميادة سوار الدهب عن الحزب الاتحادي الليبرالي .
مشاركة الحكومة
دفع حزب المؤتمر الوطني، الغريم التقليدي للشعبي، بعدد من وجوهه ووجهائه للمشاركة في المؤتمر العام للشعبي، حيث حضر د. نافع علي نافع وبروفيسور إبراهيم أحمد عمر ومولانا أحمد عبد الرحمن وحامد ممتاز وإبراهيم محمود حامد الذي شارك بكلمة إنابة عن حزبه ورصدت (الصيحة) مشاركة فاعلة من شباب “الوطني” في مؤزارتهم لإخوان الأمس .
حضور عالمي
الأثر الباقي للترابي في أنحاء العالم كان بادياً في المؤتمر العام الذي انعقدت جلسته الافتتاحية (أمس) حيث شاركت قيادات إسلامية من الأردن والسنغال ونيجيريا وماليزيا وهولندا وروسيا ومورتانيا وكينيا ويوغندا وباكستان وإرتيريا مع غياب ملحوظ لقيادات الجماعات الإسلامية بمصر وتونس والمغرب .
دخول الضيوف
بدأ ضيوف الجلسة الإفتتاحية في الحضور مبكراً، فحضر غازي صلاح الدين، ثم حضر الإمام الصادق المهدي برفقة ابنه البشرى، وحضر أحمد عبد الرحمن وإبراهيم أحمد عمر في وقت واحد، من بعدهم جاء مصطفى محمود، وقبل لحظات من انطلاق الجلسة دلف عبد الله دينق نيال القيادي الجنوبي للقاعة ليجد استقبالاً منقطع النظير من قبل الحضور وظلت الهتافات تلاحقه حتى لحظة جلوسه على مقعده، وكان المؤتمر الشعبي قد دفع بعبد الله دينق نيال مرشحاً لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2010م قبل انفصال جنوب السودان.
ضربة البداية
في افتتاحية الجلسة جلس على المنصة القيادي بالشعبي عثمان عبد الوهاب، متولياً تقديم فقرات الجلسة.
البداية كانت بعرض فيلم وثائقي عن حياة الترابي ومسيرته في الحياة السياسية فكانت أبرز المحطات نشأة الحركة الإسلامية الأولى من جامعة الخرطوم، ومشاركة الترابي في صناعتها مروراً بالانتفاضة ضد عبود فالنميري، مع توثيق كل فترات اعتقاله ثم مشاركته في حكومة الإنقاذ ثم المفاصلة ثم الحوار الوطني.
كلمة السنوسي
قبل أن يصعد السنوسي لمنصة الخطاب قدمت إحداهن خطاباً مفعماً بالمدح في حق السنوسي الذي لم يتمالك نفسه ليذرف الدمع، ثم يصعد للمنصة وسط تكبيرات وتهليلات تصل إلى عنان السماء، وابتدر كلمته بجزء يسير من سيرة الترابي، ثم عرَّج بالحديث عن بعض العهود والعقود الإسلامية أو بما يعرف بالثوابت، حيث أكد تمسك الشعبي التام بدعم القضية الفلسطينية ووصف منع الأذان في المسجد الأقصى بالفعل المخزي، مضيفاً بأنه لا تهادن ولا تطبيع مع إسرائيل وقال: نحن حزب ذو مرجعية إسلامية لا نتخلى عنها مطلقاً، مطالباً بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني وإنفاذ كافة التوصيات المتعقلة بالحريات، مشيراً، إلى أن حزبهم يمر بتحديات داخلية أبرزها الإنقسام حول المشاركة في الحكومة القادمة، وقال إن السودان يمر بمرحلة تاريخية تتطلب من كل السودانيين توحيد صفوفهم .
قالوا عن المؤتمر
أعطت المنصة فرصاً متفاوتة لقادة الأحزاب السياسية بالداخل وزعماء الحركات الإسلامية العالمية، وتحدث الإمام الصادق المهدي وتناول في كلمته الحوار الوطني مطالباً بحوار آخر عبر خارطة الطريق ليكون الحوار الحالي أكثر شمولية. ثم تحدث غازي صلاح الدين عن أن التجديد الذي كان ينادي به الترابي وكان عبارة عن نهجه هو ما يحدث اليوم من تداعٍ. في ذات الوقت أشاد غازي بالمواقف التي اتخذتها قيادات الشعبي في إشارة لتنازل السنوسي عن قيادة الحزب، بينما تحدث عمار ميرغني ممثل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل عن التوافق السياسي بالبلاد مشيراً إلى أن قيام مؤتمر الحوار الوطني يعبر عن روح هذا التوافق.
ساطع المجاهد
على طريقة المجاهدين في الحماس ألهب ساطع الحاج الأمين السياسي بالحزب الناصري حماس الحضور حينما ردد بصوت عالٍ: (في سبيل الله قمنا/ نبتغي رفع اللواء/ لا دنيا قد عملنا/ نحن للدين فداء/ فليعد للدين مجده) ثم ردد (الله أكبر) أكثر من مرة لتضج القاعة بالهتافات، واندفع القيادي الشاب بالشعبي، الناجي عبد الله، ساعتذاك إلى المنصة فتعالى الهتاف المصحوب بدموع الحاضرين خاصة النساء وساطع يمضي في سرد تضحيات الترابي ومجاهداته من أجل الدين والحياة والحرية ووجدت كلمته استحسان وحماسة الحاضرين.
حرية وحوار
كلمة نائب رئيس المؤتمر الوطني أثارت هي الأخرى صدى واسعاً، ففي مستهل حديثه ترحم إبراهيم محمود على روح الترابي، سائلاً المولى عز وجل أن يحفظ جهاده وأن يكون ما تركه مضيئاً للطريق. وأضاف: يأتي المؤتمر العام للشعبي والبشريات تلوح لأهل السودان. ليقاطع شباب المؤتمر الشعبي بالهتاف (حرية، حرية)، ليضيف محمود قائلا: سوف نمضي للسلام الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى وسنعمل من أجل الحريات والاقتصاد والتنمية .
رفع الجلسة
بعد انتهاء الجلسة الإفتتاحية توجَّه الحضور للمسجد لأداء صلاة الجمعة ثم إستراحة قصيرة دخل بعضها أعضاء المؤتمر لجلسة تنويرية من قبل هيئة الشورى وعرض الأسماء التي رشّحت من قبل هيئة الشورى وهم علي الحاج وثريا يوسف وإبراهيم عبد الحفيظ، على أن يتم اختيار الأمين العام من قبل هذه الأسماء في جلسة يوم السبت.
يذكر أنه يحق للمؤتمر العام ترشيح أسماء جديدة بخلاف التي دفعت بها الشورى.
تحديات تنتظر الأمين العام
ثمة عدة تحديات تنتظر الأمين العام الجديد للشعبي بعد انتخابه اليوم (السبت) خاصة أن الأمين الجديد سيكون ثاني أمين يتم انتخابه بعد الترابي، وتتداخل التحديات المنتظرة ما بين المضي في الحوار قدما والنظر في قرار المشاركة بالإضافة للتحديات التي تواجه البلاد بصورة عامة.
فصّل الأمين السياسي بالمؤتمر الشعبي كمال عمر أربعة تحديات قال إنها ستكون في انتظار القادم الجديد أولها إنفاذ مخرجات الحوار الوطني دون حذف ولو شولة، خاصة المتعلقة بالحريات، مشيراً لأن إنفاذ مخرجات الحوار يمهد لإصلاح المؤسسات العدلية وكبح جماح الأمن وفق القانون، أما التحدي الثاني الذي يواجه قائد الشعبي المنتظر فهو المساهمة في وقف الحرب، وقال كمال عمر إن الشعبي يمتلك إمكانيات سياسية وعلاقة واسعة مع الحركات المسلحة ويجب التواصل معهم لوقف الحرب والوصول لصيغة تجمع كل الفرقاء السودانيين مبينا أن وحدة أهل السودان أهم من وحدة الإسلاميين، وقال عمر لـ (الصيحة) إن التحدي الثالث الذي ينتظرهم هو الاقتصاد والمساهمة في إنعاشه والاهتمام بأحوال الناس ومعيشتهم، أما التحدي الرابع الذي ينتظر الأمين العام فهو إنشاء المنظومة الخالفة التي ستتم إجازتها من قبل المؤتمر العام في جلسة اليوم. وشدّد عمر على أهمية إنزال المنظومة الخالفة على أرض الواقع، مضيفا أن الجلسة الحالية تعتبر مهداً يشجع على بناء منظومة خالفة تضم كل القوى السياسية .
لماذا انسحب السنوسي؟
حالة من الخوف كانت تعتري صفوف قواعد المؤتمر الشعبي إزاء التسريبات التي كانت تشير لانقسام حاد بين قيادات الحزب حول من يقود كابينة الحزب في المرحلة القادم ما بين مجموعة السنوسي ومجموعة علي الحاج. وتوقّع كثيرون أن تخرج تلك الصراعات للعلن وتقذف بمصير الشعبي إلى رحم المجهول.
هيئة شورى الحزب تعقد جلستها منتصف ليلة أمس الأول (الخميس) لاختيار ثلاثة أسماء للدفع بهم في سباق الترشح، الأمين العام المنتهية ولايته إبراهيم السنوسي الذي تحدث بفخر عن الترابي وصبره ومصابرته قبل أن يعلن انسحابه من قائمة المترشحين بل يذهب إلى أبعد من ذلك ويرشح علي الحاج لمقعد الأمين العام، ثم يرتمي السنوسي في حضن علي الحاج وهو يذرف الدمع السخين وسط صمت كبير ضرب الجلسة بعد إقدام السنوسي على تنازله من موقعه في الحزب، ثم بدأ الترشيح لاختيار ثلاثة أسماء فنال الحاج 158 صوتا وإبراهيم عبد الحفيظ 86 صوتا وثريا يوسف 67 صوتا ليتم رفع الأسماء للمؤتمر العام.
بيد أن ثمة أحاديث تشير لقيام بعض الجهات والشخصيات بإقناع السنوسي بإفساح المجال لعلي الحاج وتولي عثمان عبد الوهاب إدارة ملف التفاوض مع السنوسي وإقناعه بالتنحي.
يقول أمين الاتصال التنظيمي بالشعبي الأمين عبد الرازق (للصيحة) إن السنوسي تراجع عن الترشح من أجل المحافظة على تماسك الحزب ووحدة كيانه الداخلي بالتالي أعلن السنوسي إنسحابه دون ضغوط ومضى بالقول: قضيتنا الأساسية هي تماسك الحزب.
وحظي تنازل السنوسي عن منصب الأمين العام باستحسان وترحيب عدد من قيادات الحزب خاصة الشباب الذين تحمسوا لترشيح علي الحاج وقال د. محمد المجذوب إن تنازل السنوسي يعتبر خطوة جيدة وهو خطوة من أجل التجديد من أجل التحول وأضاف في حديثه مع (الصيحة) أن ما قام به السنوسي يعتبر سنة حسنة وسيذكر له التاريخ ذلك وأجرى المجذوب مقارنة بين موقف السنوسي الحالي وموقف المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي تنازل عن السلطة بعد مرور عام على اختياره لقيادة السودان بعد انتفاضة أبريل .
ما وراء منع أبو الفتوح
يعتبر عبد المنعم أبو الفتوح واحداً من أبرز قيادات “الإخوان المسلمون” بمصر برغم انشقاقه عنهم في العام 2011م وترشحه لمنصب رئيس الجمهورية بمصر في إطار الدعوة التي عممت لكل قادة الحركات الإسلامية في العالم، أرسل الشعبي بطاقة دعوة لعبد المنعم أبو الفتوح للمشاركة في المؤتمر العام بالفعل حضر الرجل لمطار الخرطوم ليفاجأ بمنعه من دخول الخرطوم بأمر السلطات السودانية وإجباره على العودة للقاهرة.
قيادي بارز بالشعبي- فضل حجب اسمه- أبدى في حديثه مع (الصيحة) دهشته الكبرى من التصرف الذي حدث مع “أبو الفتوح” بيد أنه عاد مسترجعاً وقال: النظام يريد علاقات من غير توتر مع القاهرة لذلك عمد على عدم السماح بدخول أبو الفتوح للخرطوم .
الخرطوم : عبد الرؤوف طه
صحيفة الصيحة