تحقيقات وتقارير

السباق نحو الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي فترته في الأمانة العامة لم تخلُ من عثرات ومطبات السنوسي.. شبيه الترابي هل يحتفظ بخاتم الأمانة العامة؟

في العام 1937 أبصر إبراهيم السنوسي النور بمدينة الأبيض (عروس الرمال)، ودرس مراحله الأولية بذات المدنية ثم نال الدبلوم من معهد بخت الرضا لتدريب المعلمين مطلع العام 1962، ليلتحق بعدها بجامعة القاهرة الفرع ويحوز بكلاريوس القانون.

انضم السنوسي باكراً لحركة “الإخوان المسلمون” وعمل في مكاتبها الخاصة منذ أمد طويل، ما يجعله من الرعيل الأول لتأسيس الحركة الإسلامية السودانية، لا سيما وقد نجح في فترة دراسته في جامعة القاهرة في تأسيس مكاتب الحركة بالجامعة فكانت النواة الأولى لتنظيم الإخوان من جيلهم.

مسيرة ذاخرة
محطات السنوسي مع جماعة “الإخوان المسلمون” مليئة بالمواقف والمشاهد المحزنة والمفرحة على حدٍّ سواء، فمنذ بدايته بالحركة الإسلامية تخير السنوسي طريق العمل الخاص خاصة أن شخصيته كانت تتسم بالصمت والدقة وهي نفس مواصفات رجل العمل الخاص فكان السنوسي مسؤولاً أول عن التنظيم الأمني والعسكري داخل الحركة الإسلامية بل أفلح الرجل في استقطاب عشرات العسكريين لصالح الحركة الإسلامية.

يعد السنوسي من أبرز المدنيين السبعة الذين اختارهم الترابي للمشاركة في تنفيذ انقلاب 30 يوليو 1989م بمعية علي عثمان محمد طه وعلي الحاج وعوض الجاز وعبد الله حسن أحمد بالإضافة للترابي نفسه، وعقابيل مفاصلة الإسلاميين الشهيرة انحاز السنوسي لشيخه الترابي، وأسس في معيته حزب المؤتمر الشعبي المعارض.

بالعودة لتجربة السنوسي مع العمل الأمني العسكري لا يمكن أن يغفل أي شخص متتبع تجربة السنوسي مجاهداته في الجبهة الوطنية العريضة التي كانت تضم احزاب الأمة والحركة الإسلامية فكان أن دخل السنوسي غازياً يحمل سلاحه للخرطوم بمعية مئات المقاتلين من أجل اقتلاع نظام حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري، وكان السنوسي مسوؤلاً عن الاستيلاء على منطقة شرق أمدرمان وبعد فشل الغزو هرب السنوسي خارج السودان ليتم الحكم عليه بالإعدام غيابياً كان ذلك 1976م ولم يعد للبلاد إلا بعد المصالحة الوطنية وبعد المصالحة عمل السنوسي في أحد وكالات السفر ثم تم اعتقاله من قبل النميري في العام 1985، وأفرج عنه عقب انتفاضة أبريل من ذات العام.

قبل ذلك تعرض الرجل لاعتقال في العام 1970م ثم أُفرج عنه في العام 1971 بعدها شارك في ثورة شعبان الطلابية التي قادها أحمد عثمان المكي وبعد تمكن النميري من اخماد تلك الثورة غادر السنوسي إلى ليبيا هاربا ولم يعُد إلى الخرطوم إلا غازياً في العام 1976م .

خليفة الترابي
في مارس 2016 خطف الموت الأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي وفي نفس يوم الرحيل عقدت الأمانة العامة بالشعبي اجتماعاً مفصلياً للنظر في اختيار أمين عام مكلف وبحسب منفستو الحزب كان صاحب الحظ الأوفر هو الراحل عبد الله حسن أحمد لأنه يشغل منصب نائب الأمين العام وتقول أحد فقرات دستور الحزب إن نائب الأمين العام يشغل موقع الأمين العام في حالة غيابه المؤقت أو الأبدي ولكن العلة المرضية التي كان يمر بها عبد الله حسن احمد حالت دون أن يخلف الترابي وبعد أيام قليلة فارق عبد الله الحياة الفانية.

المهم بعد تعذُّر عبد الله حسن في ملء فراغ غياب الترابي اتجهت الأنظار صوب الأستاذ ثريا عبد الحي باعتباره نائباً ثانياً للأمين العام ولكن اعتذرت ايضا لبعض الظروف فلم يكُن هنالك خيار أمام الأمانة العام بخلاف التوجه صوب مساعدي الأمين العام إبراهيم السنوسي وعلي الحاج فوقع الاختيار علي السنوسي بسبب غياب علي الحاج عن الاجتماع وتواجده بألمانيا فأعلنت الأمانة العام في الساعات الأولى من صباح 6 مارس 2016م مكلف على أن يعقد المؤتمر العام للحزب في أقرب وقت ممكن لاختيار أمين عام منتخب .

مصابيح مضيئة
بعد عام من جلوس السنوسي على موقع الأمين العام للشعبي رست سفنية الحزب على عقد المؤتمر العام في 24 من مارس الجاري وباتت أسهم السنوسي في الاستمرار في موقعه كامين عام وافرة خاصة أن الرجل يحظى بسند كبير من قيادات لها ثقل جماهيري بالمؤتمر الشعبي، منهم محمد الأمين خليفة ويوسف لبس وبشير آدم رحمة وسهير أحمد صلاح، ذلك رغماً عن المعلومات التي تشير لتوافق الشعبي على الدفع بالسنوسي صوب القصر الجمهوري مساعداً لرئيس الجمهورية إلا أن تيارات عريضة تفضل بقاء السنوسي في مقعد الأمين العام لتجربته الطويلة في العمل التنظيمي عطفاً على ملازمته للترابي على مدى نصف قرن من الزمان مقتبساً من الترابي كثيراً من الأفكار.

الشاهد في الأمر أن السنوسي نحج إلى حد كبير وبحكمة كبيرة في العبور بسفينة الحزب إلى بر الأمان والمحافظة عليها من الانشطار خاصة أن فترته في قيادة الحزب تعتبر من أصعب الفترات بعد رحيل الأب الروحي الترابي حيث تعامل الرجل بروح عالية مع الأصوات الشبابية والتيارات المختلفة داخل الشعبي الذي يتسم بتباين وجهات النظر. ثم جاء أخطر اجتماع في تاريخ الأمانة العامة للحزب وهو الاجتماع الذي ظل منعقداً على مدى يوم كامل فخرج منه قرار المشاركة في الحكومة القادمة برغم أن كل المؤشرت التي سبقت ذلكم الاجتماع تشير لإمكانية تعرض الشعبي لهزة عنيفة تتمثل في خروج الشباب من الحزب، بيد أن الشعبي وبحكمة السنوسي تمكن من تجاوز هذا المرحلة.

أيضاً من الإضاءات التي يمكن أن تمهِّد لاستمرار السنوسي في منصب الأمين العام هي القرب الطويل من الترابي حتى صار السنوسي مقلداً للترابي في طريقة الحديث والإيماءات بالإضافة للشبه البائن في السمت بين الشيخين ويعده كثيرون بمثابة خزانة أسرار الترابي بالتالي ومن باب الولاء للترابي هناك دعوات لا يستهان بها لأن يستمر السنوسي في موقعه في قيادة الحزب.

مقارنة معدومة
برغم الشبه الشكلي بين الترابي وخليفته الشيخ إبراهيم السنوسي إلا أن المقارنة بينهما تبدو معدومة تماماً، وبإلقاء نظرة عاجلة على المراحل التعيلمية نجد أن تعليم السنوسي توقف عند مرحلة البكالوريس بينما نال الترابي الماجستير من لندن ونال الدكتوراه من السوربون الفرنسية.

من نواحٍ فكرية أنتج الترابي علماً غزيراً فكانت المحصلة عدة مؤلفات أبرزها (الصلاة عماد الدين والتفسير التوحيدي، الإيمان وأثره في حياة الإنسان، حوار الفن، الحكم والسياسية) بينما لا تحفظ المكتبات السودانية أي إنتاج فكري للسنوسي ويعزو البعض الضعف الفكري للسنوسي لانشغاله بالعمل السري الأمني والعسكري داخل الحركة الإسلامية مع إهمال الجوانب الفكرية وبرغم أن السنوسي حفظ القرآن الكريم مبكراً إلا أنه لم يعرف عنه خوض المسائل الفقهية والدينية، أيضًا كان الترابي يتمتع بكاريزما قوية ترهب الخصوم قبل الأصدقاء وهذا ما يفتقد السنوسي الذي يتعامل بطريقة امتصاص الغضب تارة والكبت تارة أخرى .

مصابيح مظلمة
يشكو كثيرون حول السنوسي من شخصيته الموصومة بالدكتاتورية وكبت الآراء الناقد بالإضافة لكونه يتعامل مع التيارات الشبابية بشئ من التعالي السياسي ودائماً ما يجتر السنوسي ذكريات مجاهداته في الجبهة الوطنية وسنوات الإنقاذ لتقزيم أدوار الشباب وإظهارهم في ثوب يجردهم من كسوبهم أياً كانت.

كذلك يحسب على السنوسي أنه دائماً ما يلجأ للعمل بسرية مع دائرة ضيقة ممن حوله في كثير من القضايا الحيوية التي تمس عصب الحزب وتشير المعلومات لأن السنوسي حرض بعض القيادات على التصويت لصالح قرار المشاركة في اجتماع الهيئة القيادية الذي انعقد في فبراير المنصرم فكانت المحصلة قراراً بالمشاركة في حكومة الوفاق الوطني الأمر الذي بدا غير مهضوم لكثير من القيادات التي كانت ترفض القرار، وتفضل إتاحة الفرصة للأحزاب الأخرى.

عطفاً على ذلك كان السنوسي يتعامل بصورة انفرادية مع الرئيس البشير في كثير من القضايا المتعلقة بالحوار الوطني خاصة القضايا التي تتعرض لعثرات وعقبات مثل قضايا الحريات، في هذه الحالة كان يلتقي السنوسي بمفرده ودون تفويض من الأمانة العامة مع الرئيس البشير لتذليل العقبات التي تعتري مسيرة الحوار آخرها زواج التراضي وتقليص صلاحيات جهاز الأمن الوطني، في ذات الوقت يعرف عن السنوسي أنه سريع الانفعال وكان ذلك لافتاً في ليلة “الأثر الباقي” التي أقيمت تخليداً لذكرى الترابي فقاطعها الرجل بحجة عدم تقديم دعوة خاصة إليه الأمر الذي جعل الابن الأكبر للترابي صديق يرسل رسالة عتاب عاجلة وساخنة في بريد السنوسي بسبب الغياب غير المبرر بالإضافة لذلك أبدى كثيرون استياءهم من العتاب الذي أرسله السنوسي للصادق المهدي وقوله إن المهدي لم يقدم له واجب العزاء في رحيل الترابي وهذا ما اعتبر اهتماماً بصغائر الأمور وربما تلعب هذه النقاط المذكورة آنفاً دوراً كبيراً في تقزيم حظوظ السنوسي في قيادة الحزب في المرحلة المقبلة.

الجوكر
ما يزال السنوسي يحتفظ بعدة كروت رابحة تمكنه من الاستمرار في قيادة الحزب وربما الجمع بين الجهاز التنفيذي والتنظيمي ومن أبرز تلك الكروت الاحترام الكبير الذي يحظى به داخل الحزب من قبل القيادات التاريخية التي قد تلعب دوراً محورياً في استمراره في الحزب مع الدفع به صوب القصر مساعداً للرئيس. فقيادات مثل محمد الأمين خليفة وبشير آدم رحمة والصافي نور الدين وسليمان حامد والأمين عبد الرزاق دائماً ما تضع السنوسي في منزلة الترابي وتستعصم عن مخالفة قراراته في كل الأحوال بل يتوقع كثيرون أن يقوم علي الحاج، المرشح الأقوى لمنافسة السنوسي، بالانسحاب من سباق الترشح في المؤتمر العام احتراماً وتقديراً للسنوسي.

بالتالي يصبح الطريق مرصوفاً أمامه للمضي قدماً في قيادة الشعبي عن طريق التزكية، عطفاً على ذلك يرتبط السنوسي بعلاقات خارجية مميزة مع قادة الحركات الاسلامية بحكم ملازمته للترابي منذ أكثر من 50 عامًا نجح خلالها السنوسي في خلق تقارب مع قادة الحركات الإسلامية الخارجية مثل راشد الغنوشي وخالد مشعل وجماعة الإخوان المسلمين في مصر وتركيا والمغرب.

بعد رحيل يس عمر الإمام وهجرة علي الحاج الطويلة كان المناخ مهيئاً أمام السنوسي ليقترب من الترابي ويرافقه في حله وترحاله وحتى اعتقاله، في ذات الوقت يقول مناوئوا علي الحاج إنه لم يشهد معهم مرحلة تأسيس الحزب الأولى ومعايشة الأيام الكالحات عقب المفاصلة حيث السجون والمعتقلات بحكم مغادرته مبكراً لألمانيا التي لم يعُد منها إلا معزيًا في رحيل الترابي بينما ساهم السنوسي في وضع اللبنات الأولى لتأسيس الشعبي وكان يشد من أزر الترابي في أصعب أوقات الشدة وتذوق مرارة الاعتقال والصبر على التضييق من بعد مفاصلة الرابع من رمضان وربما تلعب هذه التضحيات دوراً في ترجيح كفة السنوسي على حساب منافسيه في انتخابات الأمانة العامة القادمة .

خميرة عكننة
في ذات الوقت ثمة عدة عثرات ربما تُعيق طريق السنوسي في الاستمرار في كراسي الأمانة العامة أبرزها علو أصوات التيارات الشابية في الآونة الأخيرة فكانت محصلة هذه الأصوات الدفع بمذكرتين للأمين العام المكلف، الأولى قبل قرار المشاركة في الحكومة القادمة، ومذكرة أخرى كانت موسومة بعنوان: (شعبيون من أجل الحريات)، أنكر السنوسي استلامها رغم تأكيدات أصحابها بخلاف ذلك.

ولم تجد المذكرات التصحيحية والاحتجاجية طريقها في الشعبي إلا بعد تقلد السنوسي لمنصب الأمين العام وهذا يرجعه مراقبون لعدم رضا الشباب على قيادة السنوسي للحزب.

اللافت في الأمر أن الأصوات الشبابية بالشعبي بدأت تجاهر وبالصوت العالي برحيل السنوسي من كابينة الحزب وتنصيب علي الحاج بدلاً عنه فكان الناجي عبد الله أول المنادين برحيل السنوسي ثم مضى في ذات الطريق عمار السجاد ومجموعة “شعبيون من أجل الحريات” بقيادة يونس عبد الله حمودة الذي يعد من أبرز الداعمين لخيار مغادرة السنوسي لموقعه في كابينة الحزب، أيضاً من النقاط التي ربما تعكنن استمرار السنوسي بالأمانة العام هي الخوف من الاصطفاف المناطقي في المؤتمر القادمة على مستوى القيادات والقواعد بمعنى أن ينقلب أبناء ولايات دارفور على السنوسي وتأييد علي الحاج لقيادة الحزب وأن يمضي الشباب في دفع هذه الخيار.

صحيفة الصيحة