لماذا سقط مقترح الزواج بالتراضي؟!
* اسقطت اللجنة الطارئة للتعديلات الدستورية ــ وهو ما كان متوقعاً، وسأقول لكم لماذا ــ مقترح (زواج التراضي أو إسقاط ولاية ولي الأمر) الذي تقدم به حزب المؤتمر الشعبي وأجازته لجنة الحوار الوطني، وأودعه رئيس الجمهورية منصة المجلس الوطني ضمن تعديلات أخرى، وأبقت على المادة (15) في الدستور الانتقالي عن (الأسرة والزواج والمرأة) كما هي بدون تعديل!!
* تنص المادة (15 – 1) من الدستور على: ” الأسرة هي الوحدة الطبيعية والأساسية للمجتمع ولها الحق في حماية القانون، ويجب الاعتراف بحق الرجل والمرأة في الزواج وتأسيس الأسرة وفقا لقوانين الأحوال الشخصية الخاصة بهما، ولا يتم أي زواج إلا بقبول طوعي وكامل من طرفيه”
* وجاء في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعام 1991، أن من شروط صحة عقد الزواج وجود الولي بشروطه (المادة 25 – ج)، وهنالك شرطان آخران هما إشهاد شاهدين وعدم إسقاط المهر، (المادتان 25 – أ، و25 – ب) !!
* عرّف القانون الولي (أو الوالي) في الزواج بأنه “هو العاصب بنفسه، على ترتيب الإرث” (المادة 32 – 1 ) والعاصب هو صاحب العصبة أو الرابطة بالزوجة، وجاء فيه أنه ” إذا استوى وليان في القرب، فيصبح الزواج بولاية أيهما” (المادة 32 – 2 )، أي أن الزواج صحيح بأيهما (مثل الأعمام .. إلخ)، أما ” إذا تولى العقد الولي الأبعد، مع وجود الولي الأقرب، فينعقد موقوفاً على إجازة الأقرب” (المادة 32 – 3 )، أي أنه لا بد من موافقة الولي الأقرب حتى يصبح العقد صحيحًا إذا قام به الولي الأبعد!!
* وتنص المادة (32 – 4 ) على أنه “يصح العقد بإجازة الولي الخاص إذا تزوجت امرأة بالولاية العامة مع وجوده في مكان العقد، أو في مكان قريب يمكن أخذ رأيه فيه، فإن لم يجز، فيكون له الحق في طلب الفسخ ما لم تمضِ سنة من تاريخ الدخول” ، ويشترط القانون أن يكون الولي ذكراً عاقلاً، بالغاً، مسلماً، إذا كانت الولاية على مسلم (المادة 33 )، وتسقط الولاية “إذا ترك الولي الإنفاق على موليته سنة كاملة بدون عذر، مع وجوبه شرعاً عليه” (المادة 36 )، أما “إذا غاب وكان في انتظار رأيه فوات مصلحة في الزواج، فتنتقل الولاية لمن يليه (المادة 35 )!!
* و”إذا امتنع الولي عن تزويج موليته، فيجوز لها أن تطلب من القاضي تزويجها” (المادة 37 – 1 )، ” ويجوز للقاضي أن يأذن بتزويج من طلبت الزواج، إذا ثبت له أن وليها ممتنع عن التزويج بلا مسوِّغ شرعي” (المادة 37 – 2 )!!
* وتنص المادة 38 أن ” القاضي ولي من لا ولي له”، ولكن “لا يجوز له أن يُزوِّج من له الولاية عليه، من نفسه، ولا من أصله، ولا من فرعه” (المادة 39 )، أي أنه لا يجوز للقاضي تزويج من امتنع وليها عن تزويجها بدون مسوِّغ شرعي، إذا كانت له صلة قرابة بها!!
* تلك هي المواد التي وردت في القانون عن الولي الذي اراد المقترح الدستوري للمؤتمر الشعبي (الترابي) أن يسقط ولايته، ويجعل الزواج بالتراضي (كما في المذهب الإمام أبو حنيفة النعمان)، والغريب في الأمر أن (الترابي) الذي اقترح هذا التعديل، هو نفس الشخص الذي وضع قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعام 1991 بكل ما يتضمنه من سلطات واسعة للولي!!
* الآن أسقطت لجنة التعديلات الدستورية المقترح، ولم نسمع اعتراضاً أو احتجاجاً أو حتى استنكاراً من المؤتمر الشعبي، بل هنالك من يزعم أن إسقاط المقترح تم بموافقته، وأرجح صحة هذا الحديث باعتبار أن المقترح كان يبدو شاذاً وغريباً جداً بجانب المقترحات الأخرى التي تتعلق بالحريات أو تقليص سلطات جهاز الأمن، ولا بد أنه أقحم بواسطة المؤتمر الشعبي (الترابي) كورقة ضغط تفاوضية لتمرير بقية المقترحات في مقابل التضحية به، وفي رأيي الشخصي أن ورقة الحريات ستُجاز بأكملها، بينما تخضع سلطات جهاز الأمن لتعديل تتراضى عليه كل الأطراف، يبيِّض وجه المؤتمر ويتيح له المشاركة في السلطة، وذلك بتتبيع جهاز الأمن أو جزء منه لوزارة الداخلية (حتى يحتفظ بسلطاته التنفيذية)، بدون أن يكون للوزارة سلطة فعلية عليه (مثل الصيغة المصرية)، أو كما حدث بالنسبة لقوات الدعم السريع وتتبيعها لوزراة الدفاع بصورة شكلية لإعطائها الشرعية، مع احتفاظها بكامل استقلاليتها وسلطاتها الواسعة!!
مناظير- زهير السراج
صحيفة الجريدة