استشارات و فتاوي

سكوته بعد تلميحي له بالزواج .. يقلقني

السؤال
أنا فتاةٌ جامعيَّة، أحببتُ ابن خالي حباً صادقاً، وكانت أُمنيتي الوحيدة هي الزواج به، ومُؤخَّراً سمعتُ من أخته أنه يريدُ الزَّواج بي مُستقبلاً، وأنه يحبني، لكن المُشكلة أنه لا يُحسِّسني بحبه، فيتصرَّف معي ببرودة، ولا يُلمِّح لي بأي شيء؛ ولذلك قرَّرتُ أن أُصارحه، فلمحت له فقط، لكني لم أتلقَّ أي جوابٍ منه، ماذا أفعل؟ لا أريدُ أن أتخلَّى عنه؛ لأنه كل حياتي.

الجواب

أُختي الفاضلة، وعليكم السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاته

الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ الله، وبعد: فيُسعدني أن أُرحِّب بكِ -أختَنا العزيزة- في موقع ، وأشكركِ على اختياركِ للموقع لطلب الاستشارة، سائلاً الله أن يُيسِّر لك زوجاً صالحاً يعينك على أمر دينك ودنياك.

أمَّا جوابي عن استشارتك؛ ففي النِّقاطِ التَّالية:

1- لا شكَّ أن ابنَ الخالةِ بالمنزلةِ الرَّفيعةِ والقُرب، والخالةُ أم، ونشكرُ لك كتمانَ المشاعر، وقولك: “لكن لم أتلقَّ أي جوابٍ منه” هذا لا يعني أنه يرفضك، بل في هذا دلالة على أنه رجلٌ مُتَّزنُ التفكير، لا يريد أن يخطو خطوةً إلا بعد التأكد من قُدرتهِ على إنفاذها، وربما يريدُ أن يتدبَّر الأمرَ جيداً، ولا يجري وراء العاطفة، ومن هنا تفاءلي بأنه سيتقدَّم لك رسميَّاً إن شاء الله تعالى.

2- ننصحكِ بالمحافظةِ على توازنك، وعدم التَّمادي مع العواطف؛ لأنها عواصف، حتى تتأكَّدي أنه يُبادلك ويميل إليك، وحتى إذا علمتِ بذلك، فلا سبيلَ إليك إلا بعد إعلانِ الرغبةِ رسميَّاً، والإسلامُ أرادَ للفتاةِ أن تكون مطلوبة، والرجل يلهثُ وراء المرأة التي تتهرَّب منه وتلوذُ بعدَ الله بإيمانها وحيائها، ولكنه يهرب ممن تُقدِّمُ التنازلات.

3- لا مانعَ من أن تُوطِّدي علاقتكِ بالخالة، وبنت الخالة، ولك أن تسألي عنه؛ فهو من رحمك، وهذا كافٍ كما قلنا في وصولِ رسائلَ إيجابيَّة، ولكن التلاقي بالقلوب، فلا تستعجلي حتى يظهر ما يُؤكدُ لك أن الأمرَ حسب توقعاتك، وستبقى الخالةُ خالة في كلِّ الأحوال.

4- أنت لم تذكري لنا شيئاً عن ابن خالتك، ولهذا أقول: انتبهي إلى شيءٍ مهمٍّ جداً، ألا وهو: من المفترض أن يكون زوجك الذي تختارينه حاملاً لأمرين: الدين، والخلق، ونعني بالدِّينِ: ما يقوم به من أداءِ الفرائضِ، والبعدِ عن المحرمات، وليسَ شرطاً أن يكون مُلتزماً بالسُّنن والكمالات، فإن وجدَ هذا فهو خير، وتلك هي وصية حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضونَ دينَهُ وخُلُقَه فزوِّجوه).

5- جاء في رسالتك هذه العبارة: “لا أريدُ أن أتخلَّى عنه لأنه كل حياتي” والعامة يقولون: الزواج قسمةٌ ونصيب، وهذه العبارة صحيحة؛ لأنها ترجمةٌ عمليةٌ للإيمان بالقضاءِ والقدر، والإيمانُ بالقضاءِ والقدرِ هو السَّعادة، وهو ركنُ الإفادة من هذه الدنيا والاستفادة، ومنه تنشرحُ الصُّدور، ويعلوها الفرح والحبور، وتنزاح عنها الأحزان والكدور، فما أحلاها من حياةٍ عندما يسلِّم العبدُ زمامَ أموره لخالقه، فيرضى بما قسم له، ويسلِّم لما قدَّر عليه، فتراه عبداً مُستسلماً لمولاه الذي خلقه وأنشأه وسواه، وبنعمه وفضله ربَّاه وغذَّاه، فيسعد في الدنيا ويؤجر في الأخرى.

ومن فوائد الإيمان بالقدر: إنه على وجه الحقيقة يكشف للإنسان حكمة الله -عزَّ وجل- فيما يُقدِّره من خيرٍ أو شر، ويعرف به أن وراء تفكيره وتخيلاته من هو أعظم وأعلم، ولهذا كثيرًا ما نفعلُ الشيء، أو كثيرًا ما يقع الشيء فنكرهه وهو خيرٌ لنا!‏ فأحيانًا يشاهدُ الإنسانُ رأي العين أن الله يعسر عليه أمرًا يريده، فإذا حصلَ ما حصل وجد أن الخير في عدم حدوث ذلك الشيء‏، وما أكثر ما نسمع أن فلانًا قد حجز في الطائرة الفلانية على أنه سيُسافر، ثم يأتي فيجد أن الطائرة قد أقلعت، وفاته السفر، فإذا بالطائرة يحصل عليها حادث، فهو عندما حضر أولًا ليركب فيها، ووجد أنها أقلعت يحزن، لكن عندما يقع الحادث يعرف أن هذا خيراً له، ولهذا قال الله تعالى: {وعسَى أن تكرهُوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسَى أن تُحِبُّوا شيئاً وهو شرٌّ لكم}‏ ‏[‏البقرة‏:216‏]‏ .

ولهذا: أريدك أن تحذفي فكرة “لا أريد أن أتخلَّى عنه لأنه كل حياتي”؛ لكي لا تكون الصدمةُ قويةً إذا انصرفَ قلبُ ابن خالتك إلى فتاةٍ أخرى، مع أننا نتمنَّاهُ زوجاً لك إن كان رجلاً صالحاً.

ختاماً: عليك أن تعلمي أنَّ الزواج رزق، والرزقُ لا ينالُ إلا بطاعةِ الله تعالى، فأقبلي على الله تعالى بالدعاء، ونوافل الصلوات، والصدقات؛ لعلَّ الله تعالى يُسهِّل لكِ مطلوبك. والله الموفق.

والسلام عليكم.

د.أحمد الحسن
شبكة المشكاة