تحقيقات وتقارير

صراع الوجهة والوجوه.. “الشعبي”.. الإبحار من دون (بوصلة)

ما من مقولة يحق ترحيلها إلى “المنشية” حيث يربض المركز العام لحزب المؤتمر الشعبي، بقدر مقولة (الأشياء الثمينة لا تُعرَف قيمتها إلا بالفقد). وبعد مرور عام فقط على الرحيل، يفتقد الحواريون، د. حسن عبد الله الترابي، الذي كان لوحده قادراً على لم شعثهم، ومنع تفرقهم، هذا وإن كانوا على طرفي نقيض.

وتمر اليوم الذكرى السنوية الأولى لرحيل زعيم ومؤسس حزب المؤتمر الشعبي، د. حسن الترابي، رغم تأكيد أنصار الحزب بأنه لم يتأثر برحيل العرّاب، وظل متماسكاً بعد نجاحه في تخطي صدمة الرحيل المفاجئ عند اللحظة الأولى، بحزمة ترتيبات سريعة كان أبرزها تكليف الشيخ إبراهيم السنوسي بمنصب الأمين العام لحين انعقاد مؤتمره العام، وذلك حتى قبل أن يواري جثمان الزعيم الثرى، تحسباً لأي خلاف داخل الحزب.

لكن رغم هذه التحوطات نهضت متغيرات جعلت الناس تذهب إلى أن الحزب يعيش قبيل إحياء الذكرى الأولى لرحيل زعيمه صراعات داخلية بين عدة تيارات، وذلك على الرغم من إصرار قياداته على التظاهر بالتماسك وإخفاء الخلافات، تتمحور الخلافات حول مسائل سياسية حاسمة، ووجود طرف مرحب بخيار التطبيع مع السلطة قبل المؤتمر العام تمهيداً لتولي حقائب وزارية، وتيار آخر رافض لهذه السياسة حتى إن دعا الأمر للعودة لمقاعد المعارضة، وهذا ما وضع وزعيمه الجديد إبراهيم السنوسي بين سندان ومطرقة الحراك الشعبي الذي تقوده القيادات الرافضة.

مواصفات
ومن أبرز التحديات بجانب المشاركة هناك قضية اختيار خلفية الترابي التي سيتم حسمها في المؤتمر العام الذي بدأ العد التنازلي لانعقاده في الـ(24) من مارس الحالي وحسب النظام الأساسي للحزب تقوم هيئة الشورى باختيار ثلاث شخصيات للمؤتمر العام ليتم اختيار واحد منهم، ومن أبرز المواصفات المطروحة لشخصية الأمين العام الجديد أن يكون لديه إحساس بالندية تجاه زعماء الأحزاب الأخرى كعامل مهم، وزاهد في السلطة وليس ساعياً لها، وأن يكون على مسافة بعيدة في المؤتمر الوطني، وغير مجامل أو مسامح في قضايا الحريات أو الفساد، وأن يكون مقنع بالنسبة للعضوية بأنه قيادي محنك وقدوة.

خلفاء
وفي جانب اختيار الخليفة برزت رؤية من بعض القيادات المؤثرة في الحزب بأن يكون هذا المنصب متداولاً بين الأقاليم في كل دورة، ويبدو أن د. علي الحاج الأن من أقوى المرشحين، سواء كان بالانتخاب المباشر، أو بمنهاج الأقاليم إذ يتوقع أن يذهب منصب الأمين العام لدارفور في هذه الدورة.

ويتمتع الحاج بمرونة في التعامل وهو سياسي من الطراز فريد، ويعتبر اختياره فرصة لدارفور لتولي منصب الأمين العام، وفي حال تغيبه عن حضور المؤتمر العام سيتم طرح إبراهيم عبد الحفيظ باعتبار منح المنصب للنيل الأبيض بجانب معطيات أخرى تتوفر في شخص إبراهيم بداية من رؤية كثيرين إلى أنه ظل على مسافة بعيدة من المؤتمر الوطني بحانب أنه يتمتع بحنكة وخبرة إدارية كبيرة في الشأن السياسي ويمكنه أن يحول الشعبي لشعلة من النشاط مما له من قبول وسط الحزب بحانب أن له مقدرة كبيرة في استقطاب العضوية للعمل معه واستقطاب الدعم المالي للحزب الذي يعاني من ضائقة مالية طاحنة منذ تأسيسه دون اللجوء للمؤتمر الوطني.

أما السنوسي بهذا المعيار فقد تراجع حظه في الفوز بالمنصب باعتبار أن شمال كردفان أخذت فرصتها بفترة العام الذي تولى فيه السنوسي منصب الأمين العام، وهناك مأخذ عليه من عدد بعض القيادات التي ترى أنه جر الحزب في اتجاه المؤتمر الوطني وله علاقة قوية بالرئيس يمكن أن تؤثر في اتخاذه للقرارات لا سيما وأنه – السنوسي- حريص على السلطة والمشاركة ومتهم بأنه هو الذي جذب الحزب باتجاهها وبطرحها في هيئة القيادة لفرضها قبل المؤتمر العام الذي يتوقع أن يرفضها. بجانب أنه شديد التمسك برأيه في كثير من المواقف السياسية التي تلامس خط الحزب، ولهم مأخذ في تقديمه للرئيس في الساحة الخضراء ومدحه خلال احتفال تسليم مخرجات الحوار، وقد سبق أن اعترف بأنه تربطه مصالح مع المؤتمر الوطني ولديه بناية من عدة طوابق مستأجرة مقراً لشباب الوطني.

تيارات
أما تيار المشاركة الذي يشكل المحك الرئيس فيدافع المؤيدون له بأنه أصبح خط الحزب بعد فوزه بأعلى الأصوات في اجتماع هيئة القيادة الذي انعقد بمنزل الترابي واستمر أكثر من (17) ساعة وقبلها طرحت المشاركة في القطاع السياسي وأجيزت ـ (75) صوتاً مقابل (25) صوتاً، ثم طرح في الأمانة العامة كواحدة من أعلى الأجسام في الحزب ونال (78) صوتاً مؤيداً مقابل (22) صوتاً ضدها. ثم في هيئة القيادة وهي الجهة العليا المنوط بها اتخاذ القرار نالت المشاركة (88) صوتاً كقابل (12) صوتاً ضدها، ويتضح أن نسبة المؤيدين للمشاركة في زيادة كلما مضت إلى أعلى.

في مقابل هذه الحجة لدى مناصري المشاركة فهناك رواية أخرى من الرافضين الذين يؤكدون أنها لم تحظ بهذا التأييد، إذ كانت نسبة الأصوات التي نالتها المشاركة (30) صوتاً من جملة (80) في اجتماع هيئة القيادة بخصوص المشاركة الذي انعقد في منزل الترابي، وكان الغياب (24) عضواً بينما صوّت (32) ضدها، بوقت صوت (19) لخيار المشاركة شريطة بعد إجازة التعديلات الدستورية فيما يلي ملف الحريات، بينما وقف (9) ضدها بالكلية، و(4) امتنعوا عن التصويت.

ويرى الممانعون أن الأغلبية ضد المشاركة وهناك اتجاه لفرض المشاركة عليهم قبيل انعقاد المؤتمر العام، وأنها مرت بهذه الأغلبية القليلة وفق النظام الأساسي الذي يقر تمرير قرارات القيادة بالأغلبية البسيطة، وترى المجموعة الرافضة أنه قرار مصيري يتعلق بموقف الحزب ويجب أن تتم مناقشته في هيئة الشورى وليس هيئة القيادة.

وجوه
من أبرز القيادات المساندة لخط المشاركة تاج الدين بانقا، الأمين عبد الرازق، كمال عمر، ويوسف لبس، وبشير آدم رحمة، د. سهير صلاح .. الخ.

وتلك الفئة ترى أن المشاركة لها فوائد للحزب ويترتب عليها استقرار للتفرغ للعمل الحزبي والبناء التنظيمي وتنفيذ برامجه دون أن يتعرض لمضايقات، ولديهم قناعة بذلك، لكن في ثناياهم هنالك أشخاص اصحاب طموح شخصي في المناصب وآخرون على مقربة من الوطني.

ومن أسباب التحول الكبير باتجاه المشاركة التي كانت مرفوضة في البداية، تقول المعلومات التي شرحت على حياة د. الترابي أنه طرح في حال أن تكون الحكومة الانتقالية لفترة عام أن يكون الحزب خارجها حتى إن شاركت الأحزاب جميعها حتى تفرغ للتحضير للانتخابات وأن تكون الحكومة من التكنوقراط، لكن بعد التحول الذي تم وأصبحت الحكومة الانتقالية لثلاث سنوات أصبح التحول نحو المشاركة ضرورة بداية من ضمان نزاهة الانتخابات التي تحتم أن يكون الحزب داخل الأجهزة الحكومية لتراقب الانتخابات من التزوير لابد أن تكون داخل السلطة لأغراض المتابعة، ويمكن للحزب أن يمارس نشاطه الحزبي والتنظيمي دون أي اعتراض أو مشكلات، وشكل المشاركة الذي استقر عليه الرأي داخل الشعبي ستكون في كل مستويات السلطة.

مشاركة بنصاب
من أبرز المعايير التي تحكم اختيار الشخص لتولي المنصب التنفيذي هي ألا يتعدى عمره الستين، ويحجب كل شخص مؤثر جماهيرياً لجهة ضمان تفرغه للتعبئة للانتخابات والتبشير بالمنظومة الخالفة، رغم هذا يرى الرافضون إمكانية رفض المشاركة لا يزال قائماً في حال رفض إجازة التعديلات وتحديدًا الحريات وقانون جهاز الأمن قبل قيام المؤتمر يمكن أن ترفض المشاركة.

لمن الغلبة
شكل حزب المؤتمر الشعبي منذ تأسيسه عقب مفاصلة الإسلاميين العام 1999 ظاهرة شغلت الناس، بسبب المشروع الفكري والسياسي الذي طرحه زعيمه د. الترابي وحوى قدراً من المبادأة، والمصادمة، والمناورة، وتوزع بين الحكم والمعارضة. ولكنه في كل تلك الحالات لم يكن حزب الترابي ليقبل الانحناء لعواصف الخارج، فهل تراه يصمد أمام هبة الداخل؟!!

الخرطوم: الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة