تأجيل زيارة الوسيط الإفريقي..
تساؤلات عدة فرضها واقع الفشل في تحديد زيارة رئيس الآلية الافريقية رفيعة المستوى الى الخرطوم عقب تأجيلها للمرة الثانية الى الشهر المقبل، اذ اعلن امبيكي عزمه في بداية فبراير الماضي زيارة الخرطوم خلال ايام، ليتم تأجيلها الى مارس الجاري قبل ان تؤجل مرة ثانية، الأمر الذي زاد من حدة التساؤلات حول أسباب تأجيل الزيارة.
وكان الوفد الحكومي قد اشار الشهر الماضي الى ان تأجيل زيارة امبيكي تمت لاسباب تخص الآلية نفسها، الا ان قراءة واقع الملف وما رشح من معلومات يشيران الى ان التباعد الكبير في مواقف الخرطوم والفاعلين الدوليين من جهة ومطلوبات قطاع الشمال، التي وصفها محللون بالمرتبكة، من جهة اخرى، هو السبب وراء تأجيل زيارة الوسيط. إذ رهن قطاع الشمال التصور الامريكي حول الغوث الانساني بشروط غير واضحة تمسك بها ووضعها عقبة امام اية تسوية للملف، ثم رهن حدوث أي تغيير في موقفه بقيام المؤتمر التحضيري مرة وتهيئة مناخ الحريات ومطلوبات اخرى مرات، جميعها لم تبد واضحة لحسم ما هو عالق، الا ان ما أثار حفيظة دول غربية من بينها مجموعة الترويكا هو توالي خروقات قطاع الشمال خلال الاشهر الاخيرة، واستهدافه الاطفال والمدنيين العزل دون اكتراث للملف الانساني.
كسر جمود الملف
ودفع الحراك الدولي الملف بتحريك جمود الوساطة التي توقفت قرابة ستة اشهر قبل ان يلوح امبيكي بزيارة مرتقبة الى البلاد لم تحدد او تحسم بعد، الا ان الملف لم يبرح مكانه.
وظلت الأوضاع ساكنة دون احراز اي تقدم يذكر، بيد ان ململة واضحة بدت تنتاب الشركاء الدوليين جراء تعليق قطاع الشمال حسم الملف الانساني، في الوقت الذي تشهد فيه أوضاع المدنيين بالمناطق المتأثرة في كل من جنوب كردفان وجبال والنيل الازرق تدهوراً كبيراً.
ارتباك وتناقض
فشل رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى في تحديد زيارة رسمية للبلاد بهدف حسم القضايا محل الخلاف والدفع بالعملية السلمية عقب الاعتراض الذي ابداه قطاع الشمال حيال مسألة ايصال المعونات الانسانية، ورفضه المقترح الامريكي القاضي بإيصالها تحت اشراف الخرطوم، يرسم صورة مرتبكة للوضع السياسي والمؤسسي داخل الحركة الشعبية قطاع الشمال، الأمر الذي دفعها الى ارتكاب خروقات عديدة خلال الايام الماضية من بينها مجزرة اطفال الحجيرات التي لم تراع فيها اتفاقيات حماية الاطفال التي وقعت عليها الحركة العام الماضي، وهاجمت أخيراً نقطة ارتكاز القوات المسلحة بمنطقة (المشايش) المتاخمة لمنطقة ميري بريفي غرب كادقلي على بعد نحو مائة كيلومتر من المدينة، وتصدت لها القوات المسلحة بينما فر المهاجمون تجاه (جبال كونقو)، وأدانت حكومة جنوب كردفان الهجوم ووصفته بالمحاولة اليائسة، وجددت التزام الحكومة بقرار (وقف إطلاق النار) من طرف واحد، الأمر الذي ثمنه المجتمع الدولي، وطالبت (قطاع الشمال) بالالتزام به.
مشاهد دموية وخروقات
مشهد دموي آخر اثار الرأى العام في الايام الفائتة عندما هاجمت قوة من قطاع الشمال (7) من الرعاة وهم نيام بينهم (4) اطفال تتراوح اعمارهم بين (12ــ 14) عاماً شمال غرب (الحجيرات) بعدما تم ذبحهم وتهشيمهم بالسلاح. وقدرت القوة المهاجمة بنحو (50) مسلحاً تسللت الى المنطقة ليلاً عبر منطقة (جوجو) التي تقع بين (ميري) و(الحجيرات) ، ونفذت هجومها ثم عادت بذات الطريق، وعادوا الى جبال (كرنقو عبد الله) عبر جبال (لوبا) معاقل الحركة الشعبية. ونفذت قوات قطاع الشمال هجوماً آخر استهدف احد الرعاة بمحلية العباسية تقلي وهرب الجناة تجاه جبل (طاسي) الذي يعتبر معقلاً آخر لقوات قطاع الشمال في المنطقة الشرقية، كما نهبت قوة ثالثة اغناماً بمنطقة (دميك)، وتواصل استهداف المدنيين ورصدت اعتداءات عديدة للمجموعات في طريقها الى (جلد) في كل من (كالوقي) و (أبو جبيهة).
واستناداً الى دكتور حسين كرشوم عضو الوفد الحكومي المفاوض فإن زيارة رئيس الآلية الافريقي رفيعة المستوى مرتبطة بموافقة الحركة الشعبية شمال على المقترح الامريكي الخاص بايصال المساعدات الانسانية ووقف العدائيات، واشار في حديثه لـ (الإنتباهة) الى انه حين النظر الى بيان الترويكا والمقترح الامريكي ندرك مدى تعنت قطاع الشمال في قبول المقترح وتحفظه حوله، لذلك فإن قدوم أمبيكي يرتبط بموافقة قطاع الشمال على المقترح. وقطع كرشوم بوجود تناقض كبير وتباين في الرأي بين قيادات قطاع الشمال انفسهم، اذ اكد مبارك اردول ان الحركة رفضت المقترح الاميريكي عقب اجتماع باريس، بينما قال عرمان إن حديث ادول ليس صحيحاً وان لديهم بعض التحفظات حول المقترح وبصدد دراسته. وأبان كرشوم ان قطاع الشمال ارتكب خروقات عديدة وصلت حد خرق ثلاث وثائق، الاولى وثيقة اتفاق الحركات ما دون الدولة التي وقع عليها عقار العام الماضي القاضية باحترام حقوق الاطفال وخرقته الحركة في حادثة اطفال (الحجيرات)، ثم وقعت على وثيقة وقف اطلاق النار وخرقته، اما الوثيقة الثالثة التي وقعت عليها في باريس وخرقتها هي وثيقة إبداء حسن النية ووقف العدائيات باعتدائها على منطقة (المشايش) غرب كادقلي، ثم أصدرت بياناً لا يطابق الواقع اشارت فيه الى ان الاعتداء على المنطقة جاء بسبب تمدد القوات الحكومية داخل مناطقهم، واصفا اتهام الحركة بغير الصحيح.
تفاعل دولي حول الملف
الى ذلك فإن خطوات عملية وواضحة حول رؤية دول الترويكا للملف لخصها بيانها المشترك الذي صدر في الشهر الماضي من قبل حكومات كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والنرويج، مبدياً دعم تلك الدول المتواصل لعملية السلام في السودان تحت رعاية الآلية الافريقية رفيعة المستوى التي يقودها ثابو أمبيكي، في خطوة اعتبرها مراقبون دفعة حقيقية واسناداً فاعلاً للملف من قبل الفاعلين الدوليين، الأمر الذي ربما يسفر عن تقدم ملحوظ بشأن الملف. ودعم البيان الذي صدر في وقت ابدت فية الحركة قطاع الشمال تعنتاً كبيراً حول القضايا محل خلاف، اتفاق خريطة الطريق التي تمت تحت وساطة الاتحاد الافريقي، والتي وقع عليها كل من حكومة السودان والمعارضة، وحثت دول الترويكا الاطراف الموقعة على احترام هذه الاتفاقية واحترام القرارات الخاصة بالوقف الشامل للأعمال العدائية والانخراط في حوار سياسي شامل.
وعلى الجانب الآخر طالبت حكومة السودان بخلق بيئة مواتية لحرية التعبير والمشاركة السياسية من قبل كل من المعارضة المسلحة وغير المسلحة في السودان. وذكر البيان أن مجموعة الترويكا شجعت أيضاً قرار حكومة السودان بقبول اقتراح الولايات المتحدة الخاص بدعم المساعدات الإنسانية إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق ودعم العملية السلمية في البلاد.
واشار البيان الى ان الاقتراح الامريكي هدف الى تيسير تقديم المساعدة الإنسانية إلى السكان المتضررين في المنطقتين، وذلك تمشياً مع جهود الآلية في فتح الباب امام وصول المساعدات الإنسانية والتفاوض حول الملف بشكل أوسع. وحث بيان الترويكا قطاع الشمال على قبول هذا الاقتراح بشكل فوري وتسهيل إيصال المساعدات المنقذة للحياة للمحتاجين في المنطقتين.
ووصف البيان وقف إطلاق النار من جانب واحد الجاري الآن من قبل الخرطوم بالخطوة المهمة نحو السلام في جميع أنحاء السودان من أجل تحقيق سلام مستدام، ومع ذلك يجب على جميع الأطراف المشاركة في العملية السياسية. وشجع أيضاً استمرار المشاركة من جانب الحركات المسلحة في دارفور في عملية السلام تحت رعاية الوساطة رفيعة المستوى. وطالب البيان حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد نور بوقف القتال والدخول فوراً في عملية السلام. وشجع أيضاً حكومة السودان على إحراز تقدم في معالجة الأسباب الجذرية للصراع.
الانتباهة