تحقيقات وتقارير

أضحت تتكرَّر بصورة كبيرة الاعتداءات على رجال الشرطة.. انتهاك السيادة

استشهاد شرطي على يد مواطن بالأزهري سدَّد له عدداً من الطعنات القاتلة

قانون الإجراءات الجنائية: رجل الشرطة في مظهره وسلوكه يمثل عنواناً للبلاد

قانوني: لابد من وجود قانون خاص يحمي الشرطي عند أداء واجبه

حينما ودَّع العريف بشرطة مدينة مروي أسرته صباحا وهو يتأهب للتوجه نحو عمله لم يضع في حسبانه أنه سيكون الوداع الأخير، فالرجل البالغ من العمر 48 عاما ظل يحرص على أداء عمله بانضباط وإجادة، وفي ذلك اليوم تم تكليفه بتسليم متهم إعلان حضور لجلسة محكمة فذهب لإنجاز المهمة العادية إلا أن من ذهب إليه حاملا أمر التكليف فاجأ رجل الشرطي بأن اعتدى عليه وسدد له طعنات بمدية ليرديه قتيلا دون ذنب جناه، وأيوب الذي ودع الدنيا على نحو مفاجئ، ماهو إلا نموزجا لعدد من رجال الشرطة الذين تعرضوا للاعتداء القاتل وهم يؤدون مهامهم الرسمية، وهذا يحتم التساؤل، لماذا يقتل مواطنون رجال الشرطة؟.

الرشيد.. شهيد إزالة
ليس أيوب وحده الذي تعرض للاغتيال بدم بارد أثناء تأدية مهامه الشرطية، وكثيرون لا يعرفون أن مدينة الرشيد التي تقع جنوب الكلاكلة بمحلية جبل أولياء يعود أصل تسميتها إلى رجل شرطة يدعى الرشيد تم اغتياله أثناء مشاركته في حملة إزالة بحي السلمة من قبل مواطنين غاضبين ليدفع حياته ثمنا رأت إدارة الشرطة أنه غالٍ فتم إطلاق اسمه على المدينة السكنية، وعمليات إزالة مساكين المواطنين بالقوة الجبرية لم يفقد بسببها الشهيد الرشيد روحه فقد ذهبت أيضا أرواح أحد عشر شرطي في عملية تنفيذ بسوبا.

ذبح وحرق وعاهات
الأمثلة تطول ولكن لابد من إيراد نمازج توضح تعرض رجال الشرطة لمخاطر متعددة وهم يؤدون مهامهم، ولرجال مكافحة المخدرات نصيب وافر حيث دفع الكثيرون منهم أرواحهم في تبادل إطلاق نار مع مافيا المخدرات التي تتسلح بأحدث الأسلحة وأكثرها فتكا بالأرواح البشرية، وآخر الحوادث التي وقعت فقد استشهد رجل شركة في المكافحة بعد تبادل إطلاق نار، فيما أصيب زميله بطلق ناري في عينه وآخر في الجهاز التنفسي، كما يحاكم شاب بتهمة مقتل شرطي حرقا بإلقاء عبوة حارقة داخل ناقلة جند كانت تتصدى لمظاهرات طلابية لتفريقها، أما الشرطي حسب الرسول عجبنا فقد استشهد على يد مواطن بالأزهري سدد له عددا من الطعنات القاتلة في الطريق العام وكان الفقيد يعمل بقسم الكلاكلة قبل نقله إلى قسم شرطة الأزهري، وكذلك لا يُمكن أن تنسى جبل أولياء حادثة استشهاد الشرطي هجو الذي بكاه الجميع لدماثة أخلاقه.

شهداء صافولا
أما حادثة صافولا التي لا تزال عالقة بالأذهان فقد راح ضحيتها الشرطيان “لؤي ومحمد برنو” وقد خلفت تلك الحادثة جرحا عميقا في نفوس أسرتيهما لا يمكن أن يندمل وقد خرج الفقيدان في ذلك اليوم ضمن فريق شرطي كانت مهمتة القبض على معتادي إجرام نهبوا مبالغ مالية من صاحب مصنع طوب بلك وقدرها “40” ألف جنيه وأثناء مداهمة الموقع تم إطلاق النار عليهما ليسقطا شهيدين للواجب.

رجال المرور والدهس
أكثر من حادثة حامت حولها شبهة التعمُّد تعرّض لها رجال بشرطة المرور الذين فقد بعضهم أرواحهم فيما تعرض آخرون لعاهات مستديمة، وهذه الحوادث وقعت في مدن مختلفة بالبلاد منها حلفا الجيدة والعاصمة الخرطوم.

قتل بدم بارد
في محكمة أمدرمان جنوب تجرى محاكمة شابين بتهمة قتل شرطي أثناء حملة إزالة لسكن عشوائي في الريف الجنوبي لأمدرمان أمام القاضي محمود أفندي بحيث قام المتهم الأول بضرب المجني عليه بساطور فيما سدد له المتهم الثاني طعنة وفر هارباً بعد تهديده لبقية أفراد الفريق.

كما تجرى بمحكمة جنايات بحري محاكمة رجل تسبب في الأذى الجسيم لشرطي مرور حاول إيقافه، وينظر في القضية القاضي البلولة عبد الفراج.

محاذير ومخاطر
كثيرون يؤكدون أن تعمد قتل رجل الشرطة جريمة يجب أن يشدد القانون في عقوبتها وذلك لأنه يؤدي مهاماً ذات أهمية بالغة، ويلفتون إلى أن الشرطي حتى ولو تجاوز القانون أو تعسّف في تطبيقه فيجب أن تقدم شكوى ضده وليس الاعتداء عليه لجهة أنه يمثل الدولة وهيبتها، ويشير رجل شرطة التقيته بالخرطوم إلى أنهم لا يمكن أن يتعمدوا إجهاض حقوق المواطن أو إيقاع الأذى به، وأنهم يحرصون على أداء مهامهم وفقاً للقانون فقط، وتأسف على مقتل عدد من زملائه على يد مواطنين، ولفت إلى أن الشرطي في السودان لا يرتدي زيّاً واقياً من الرصاص وهذا يجعله هدفاً للمتفلتين والمجرمين، مبيناً أن الإجراءات القانونية التي يتم اتباعها ضد الذي يقتل أو يعتدي على شرطي لا تختلف عن الإجراءات العادية بحسب القانون الجنائي، وقال إنه في حالة الاستشهاد أثناء أداء الواجب العملي تتم ترقية الشرطي رتبتين ويخصص لأسرته معاش شهري ثابت، وأكد أن التعليمات التي توجّه إليهم عدم إطلاق النار على مواطن ومجرم إلا وفقاً لضوابط محددة وقال إن من يخطئ ويصيب أحداً أعلى الركبة ويتوفى على إثرها المواطن المستهدف يحاكم الشرطي، وكشف عن أن الكثير من أفراد الشرطة الذين أخطأوا وقتلوا مواطنين بالخطأ تمت محاكمتهم.

تصرُّف خاطئ
فاطمة، امرأة أربعينية، أبدت رفضها التام لاستهداف رجل الشرطة الذي اعتبرته يؤدي مهمة في غاية الأهمية وهي حفظ أمن المجتمع من المجرمين والمتفلتين، وتؤكد أن الشرطة ظلت تقف مع المواطن في كل ظروفه، وضربت مثلاً بنهب لص لحقيبتها وتمكّن رجل شرطة من اللحاق به وتعريض نفسه للخطر ونجاحة في استرداد الشنطة والقبض على الجاني، وتقطع بأهمية احتفاء المجتمع بإنجازات الشرطة وسهرها من أجل توفير الأمن والأمان للمواطن.

تفسير قانوني
يوضِّح قانون الإجراءات الجنائية أن رجل الشرطة في مظهره وسلوكه يمثل عنواناً للبلاد لأنه يحمي أمن ومال وعرض المواطن ويساعد في مكافحة الجريمة قبل وقوعها وهو صديق للشعب وإن على المواطن مساعدته في أداء مهمته، هذا ما أشار إليه المحامي عبود محمد النور الذي أضاف قائلاً: “ظاهرة الاعتداء على رجال الشرطة تنامت وكثرت في الفترة الأخيرة، وهذا السلوك ينعكس سلباً على أمن المواطن”. وأرجع هذه الظاهرة إلى التأثر بالثقافة الوافدة خاصة الأفلام الأجنبية التي يحاول بعض الشباب تقليدها باعتدائهم على رجال الشرطة، وأردف: “غالباً يتم الاعتداء على الشرطي عند تنفيذه لإجراءات قانونية”. وأكد بأن استخدام القوة أحياناً يأتي بنتائج سالبة تصل مرحلة الاشتباك، لذا لابد من التعامل بحكمة في مثل هذه المواقف، وقال إن الكثير من الخارجين عن القانون يتبادلون النار مع الشرطة خاصة تجار المخدرات وهذا يحتم تسليح رجال الشرطة بأسلحة نوعية.

أخطاء
ويلفت المحامي عبود محمد النور إلى وقوع الشرطي في بعض الأخطاء أحيانا خاصة لحظة تنفيذ الإجراءات، وقال: “لابد من وجود قانون خاص يحمي الشرطي عند أداء واجبه ووضع عقوبة رادعة لمن يعتدي عليه، ويرى أن بعض الجرائم المنظمة مثل المخدرات وتجارة الأسلحة يجنح مرتادوها نحو استعمال القوة حتى لا يتم القبض عليهم لعلمهم المسبق بأن محاكمات قاسية في انتظارهم حال القبض عليهم وتقديمهم لمحاكمات لذا فإنهم يستخدمون القوة المفرطة ضد الشرطة، وقال إذا تعرض هؤلاء المجرمون للقتل فيجب ألا يحاسب أفراد الشرطة وقال إن الضوابط تنص على أن يطلق رجل الشرطة النار أسفل الركبة بغرض التعطيل وأضاف: “ولكنه أحياناً يخطئ التقدير خاصة في لحظات المطاردة ويجب هنا أن يحاسب الشرطي على أنه وقع في خطأ غير مقصود”. ولفت إلى أن رجال الشرطة الذين يفقدون أرواحهم لا يتم تعويض أسرهم بشكل مجزٍ وشدد على ضرورة رعايتها وتوفير كافة احتياجاتها لأنها قدمت ابنها شهيداً للواجب.

تنفيذ التوجيهات
سألت الفريق شرطة عثمان فقراي عن أسباب بروز ظاهرة الاعتداء على رجال الشرطة وتفسيرها له بوصفه خبيراً شرطياً وصاحب تجربة كبيرة، فقال إن بعض المواطنين يشعرون بتعرضهم للظلم وإن الشرطي أجحف في معاملتهم لذا تأتي ردة فعلهم قاسية بعض الشئ وانفعالية. ويشير إلى أنهم وفي عقد السبعينيات من القرن الماضي كان الشرطي الذي يتعامل مع المواطنين بصبر وأريحية يتم تحفيزه على سلوكه الرفيع والقويم. معتبراً الأجيال السابقة من رجال الشرطة كانوا يجسدون شعار “الشرطة في خدمة الشعب” قولاً وفعلاً وأنهم تركوا هذا الإرث فمضى عليه الجيل الحالي من الشرطيين، غير أن فقراي يعتبر أن لكل قاعدة استثناء، ويرى أن وقوع رجل الشرطة في الخطأ أمر وارد لأنه بشر، إلا أن فقراي يشدِّد على أهمية التعامل الإنساني بين الشرطي والمواطن، ويرى أن الجيل السابق من رجال الشرطة كان لا يتم قبوله للعمل إذا لم يستوف الشروط الموضوعة، ويعتقد فقراي أن العنف المبتادل بين بعض رجال الشرطة والمواطنين يعود لأسباب نفسية بحتة وذلك بداعي الظروف الحياتية الضاغطة التي جعلت الإنسان السوداني يعاني كثيراً في معاشه وتوفير أبسط متطلبات الحياة، ويلفت إلى أن المواطن أحياناً يعتقد أنه إذا لجأ إلى القانون لا يتم إنصافه لذلك يظهر بوجه عدائي ويسعى لأخذ حقه بيده، ورأى أن حملات إزالة السكن العشوائي دائماً ما تخلف غبناً في نفوس المواطنين وأنه لابد للشرطة أن تجلس أولاً معهم وتطالبهم بضرورة الإخلاء حتى لا تحدث مواجهات، وينوّه فقراي إلى أن انتشار السلاح وسط المواطنين له أثر سالب على عمل رجال الشرطة الذين يدفعون الثمن غالياً في كثير من الحالات، مطالباً بتوفير ظروف عمل جيدة للشرطي ورعاية أسرته حال استشهاده.

الخرطوم: مياده النيل مبارك
صحيفة الصيحة

تعليق واحد

  1. هناك من دخل الشرطة حبا في السلطة كما انه ليس كل رجل شرطة يدري بالقانون وكيفية التحدث والتخاطب مع افراد المجتمع فللاسف سلوك الشرطي لايختلف عن سلوك اولاد الشوارع فالشرطة عمل اجتماعي حضاري وسلوك قويم وماادراك ما الشرطة