خمسة أشهر مضت على إغلاقه السوق المركزي…علامات الاستفهام ترتسم على الوجوه
ثلاثة قرارات أصدرتها محلية الخرطوم والواقع لم يتغير
تاجر: تضررنا كثيراً ولا نعرف أين الحقيقة
قصته تبدو أقرب إلى الخيال، فالسوق المركزي الواقع جنوب الخرطوم والذي شيد خصيصاً في العام 1974 لبيع الخضر والفاكهة، فقد صدرت بحقه ثلاثة قرارات خلال الخمسة أشهر الأخيرة من قبل محلية الخرطوم، القرار الأول قضى بإغلاق السوق لمدة أربع ساعات يومياً بغرض نظافته من الأوساخ، وكان ذلك في النصف الثاني من شهر سبتمبر، وفي التاسع عشر من ديسمبر صدر قرار آخر بإغلاقه لمدة شهر بغرض تطويره وتحسين بيئته، أما القرار الأخير فقد صدر في الحادي والعشرين من شهر يناير من هذا العام، وقضى بإغلاق محال الأطعمة والمشروبات لمدة عشرة أيام تحوطًا لانتشار بعض الأوبئة، غير أن زيارتنا للسوق المركزي كشفت عن أنه ورغم مضي خمسة أشهر على قرار إغلاق السوق لمدة شهر إلا أن أعمال تطوير وتحسين بيئته لم تنته حتى الآن، وشكا التجار من خسائر تعرضوا لها بسبب التأخير الذي شاب العمل رغم إشادة بعضهم بالجهود التي بذلت لتحسين وجه السوق.
تأهيل شامل
قبل إيراد تفاصيل زيارتنا لابد من الإشارة إلى أن محلية الخرطوم أصدرت في التاسع عشر من شهر سبتمبر قراراً بإغلاق السوق المركزي للخضر والفاكهة لمدة شهر كامل بشكل كلي لحين تصحيح الأوضاع البيئية وإزالة المخالفات والتعديات الهندسية بالموقع، ووقتها أكد معتمد المحلية الفريق ركن أحمد علي عثمان أبوشنب على أن تجار السوق باركوا الخطوات التصحيحية التي اتخذتها المحلية من أجل إعادة تصحيح الأوضاع بالأسواق حفاظاً على صحة المواطنين لأجل قيام أسواق تزاول عملها وفقاً للاشتراطات الصحية التي تضمن سلامة الأغذية والصحة العامة، وأشار إلى إن الوالي شدد على ضرورة الفراغ من العمل في وقت وجيز لضمان مزاولة التجار عملهم وإجراء المعالجات اللازمة، وتعهد باتخاذ معالجات مؤقتة للعاملين بالسوق المركزي في الشارع الجنوبي لممارسة عملهم لحين اكتمال تنظيم السوق، وكشف عن أن حزمة القرارات التنظمية الهادفة لإعادة تصحيح وضع السوق المركزي تشمل إزالة (الجوالات والحمامات) المخالفة للشروط الصحية واعتماد شركة نظافة خاصة بالسوق لتجويد العمل وتخصيص موقع خارج السوق للخضروات الورقية وبقية الأنشطة ذات الإفراز العالي للنفايات ومنع جميع الأعمال العشوائية وافتراش الخضروات والفاكهة على الأرض.
صمت مطبق
المعتمد في قراره الصادر في سبتمبر من العام الماضي حدد شهراً لإكمال أعمال تأهيل وتنظيم السوق ..الآن مضت خمسة أشهر، ذهبنا إلى السوق المركزي لتفقد الواقع بعد أن تأخر العمل، ووجدناها في حالة أشبه بالصمت المطبق الذي يعم المكان، وجدنا التجار واجمين خاصة بعد أن شعروا بحيرة من أمرهم، فالمآلات غير واضحة والحال يغني عن السؤال، فحركة البيع نستطيع القول إنها شبه منعدمة، وقد اتسعت فوهة الخوف بعد أن تلفت بعض البضائع، مما زاد من رهبة أنفسهم الوجلة، وكيف سيجدون لغير السوق المركزي بديلاً، فبعض صور السوق القديمة ما زالت تحتفظ بألوانها رغم الشحوب الذي بدا عليها، فالفريشة يتوزعون على المكان هنا وهناك، وقل المارة الذين كانوا يتزاحمون في الماضي، حتى أنك تبحث عن وسيلة تنجيك من شر الزحام الغريب قبل القرار الأخير الذي أدخل السوق أزقة لا تنتهي من وضع لا يبشر أبداً، والكل في السوق لا يعرف كيف يبيع بضاعته، خاصة الخضروات والفاكهة، فضلاً عن آخرين احتسبوا عند الله تعالى ثمنها بعد أن تلفت ولم يجدوا بُداً من أن يجازفوا بأموالهم التي شاهدوها كيف تبعثرت، وكيف بأيديهم يلقونها مرغمين في القمامة.
بناء ونفايات
صورة أخرى تشد انتباهك وهي توزيع غير متكافئ لمواد بناء بأرتال بعضها كبير، وبعضها دون ذلك، تقبع على أطراف السوق، لاسيما في مداخله من كل اتجاهاته الجغرافية، والمشهد الأكثر تقززاً، صور النفايات التي قاسمت التجار الفريشة المكان، ولم تنس أصحاب المحلات أن تصلهم عبر روائحها التي ترسلها إليهم في دكتاتورية فرضتها على الجميع هناك، فالسوق المركزي المعروف عنه أنه أكبر مصدر للخضر والفاكهة بولاية الخرطوم، وهو الأكبر شهرة أيضاً من حيث توازن الأسعار قبل هذا القرار الأخير ضمن قائمة أسواق عديدة هو أولها، فالأمر ينذر بالخطر بعد قرار الإغلاق، لكل من تسوقه قدماه إلى هناك.
واضطرب المكان فوضى
السوق في أيامه التي سبقت القرار كان يعمه الازدحام المرتب، ولكن الحال الآن يشمله الفراغ الفوضوي، والعشوائية، فالنفايات تُقاسم البشر المكان تماماً فالواقع دعا الجميع إليه ليذعن مستسلماً فالروائح النتنة متكافئة في توزيعها على مساحة السوق، فالبيئة رحبة للبعوض والذباب، أحد الفريشة حدثني بأسى لوضع السوق الراهن وهو يعتبر أنه كتاجر من الفريشة أحسن حالاً من المحلات التجارية التي تنقصها المواصفات التي من المفترض أن تتطابق مع ما تقدمه من خدمة للمواطن، فلا ينقصها البعد الصحي بأي حال من الأحوال، فمياه الصرف الصحي تعيث فساداً، علاوة عن أوجه كثيرة تبعث بالكريه من الروائح الغريبة.
لأجل البيئة كان القرار
سليمان علي شرف الدين، تاجر ابتدر حديثه بأن القرار تم الإعلان عنه لغرض إصحاح البيئة بعد أن تم إخطارهم بحملة نظافة ستعم السوق بعد الساعة العاشرة مساء، لتمتد حتى ما بعد منتص الليل، وأشار إلى أنهم عندما جاءوا صباحاً، وجدوا الحال غير الذي أُمروا به، فقد تحول إلى أعمال إزالة، فبعض زملائه التجار تمت إزالة محلاتهم التجارية، بالإضافة إلى توزيع إنذارات وجدوها مكتوبة على بعض أبواب المحلات التجارية، وأضاف أن كل الذي يحدث بالسوق الآن هو مسؤولية اللجان المختصة بشأن السوق المركزي ،فهو يرى أن من حق اللجان على السوق أن ترعاه حق رعاية، مشيراً إلى أن اللجنة المختصة بهذا الغرض بالسوق كانت قد كونت إبان المعتمد الأسبق نمر، ولكنها لا تهتم بأمر السوق، ولا تنظر إلى حال تجار نظرة الرقيب المرشد، أما عبد الله محمد توم فهو صاحب بقالة، كان حديثه بأن السوق كان لابد من هكذا قرار لأجل الحد من المشكلة الصحية الشائعة الآن، وهي الإسهالات المائية التي تهدد البلاد، فأماكن الأكل كانت غير لائقة إطلاقاً لكي تأكل منها، فتم إغلاق المطاعم والكافتيريات، ومنع ستات الشاي من مزاولة أعمالهن، بعد أن أصبحت الأوضاع البيئية متردية جداً، وأكد أن ما قامت به لجنة السوق من إنشاء مساطب، أدت إلى خنق السوق في شوارعه وتضييقه فالتجار هم المتأثرون الوحيدون، ولكن جاء حديث التاجر محمد سليمان تاجر عطور، فقال إن القرار قد فاجأ الجميع ، وكان القول الذي صحب القرار أنه جاء بغرض ضبط النظافة بالسوق، وإجراء بعض الترميم عليه، ولكن سرعان ما تحول القرار إلى إغلاق السوق في غضون ساعات قليلة جداً، وقد صحب كل ذلك تكسير لبعض المحلات التجارية.
خسائر فادحة
تفاجأ التاجر مصطفى أحمد بقرار إغلاق السوق بدعوى النظافة لمدة ساعات أعلن عنها 24 ساعة فقط، ولكن في صباح اليوم التالي كانت المفاجأة داوية بعد أن وجد الحال غير ما توقع، فالسوق محاط بالشرطة، وذكر بأن هنالك مشاكل بين التجار نتيجة الربكة التي حدثت بعد أن تم تكسير بعض المحلات التجارية، فأصبح هناك تعدٍّ على محلات بعضهم البعض، وشكا عن الضيق الذي يسببه الفريشة وأشار إلى أنه أصبح هناك تأرجح في أسعار السلع التي ترتبط بعمر قصير، كبعض الفاكهة والخضروات سريعة التلف، وقال إنه في السابق تم إخراجهم من السوق لمدة 6 أشهر كاملة، ولا نعرف الآن كيف المصير، وأكد أنه تم تكسير دكانه، وأنه قد تضرر ضررا بالغاً خاصة بعد أن تراجع دخله اليومي، كما أنه يؤكد أنه يرفع يديه إلى الله تعالى لأنه مظلوم، إلا أن فضل توم تاجر، تحدث بغضب شديد وهو يشير إلى أنه خسر خسارة فادحة منذ أن تم إغلاق السوق المركزي خلال اليومين الماضيين، وأضاف أن السوق كان قوامه حركة الزبائن بمحلات الأكل كالكافتيريات والمطاعم، وأضاف أن الأمر الآن أصبح غاية في العسر على أصحاب المحلات، كما طالب بتحديد مساحات لكل التجار الذين يفرشون على الأرض، فيما استنكر هذا القرار الذي اعتبره في إشارته أنه تغفيل للمواطن والتجار بأنه بدأ بداعي النظافة، وهو يمتد الآن إلى اتجاه غير واضح، وأكد أن هذا القرار يضعف الإنتاج ويفترض أن تهتم الدولة بمعاش الناس لا أن تضيق عليهم سبل رزقهم، وهو يناشد الجهات بالإستعجال في اجراءات التأهيل وفتح السوق في الزمن المحدد.
استياء عام
العم الطيب الخير، بدا في غاية الاستياء، وقال أنا تاجر بصل قديم، أمضيت 39 عاماً أعمل بهذه التجارة وليس لدي محل تجاري ثابت، وأشار إلى أن قرار الإغلاق ما المغزى الحقيقي منه خاصة بعد ظهور الكذب على التجار بسبب النظافة العامة للسوق، وقال إنهم كيف يستطيعون تغطية المنصرفات التي تقع على كاهلهم الآن؟ فلديه منصرفات منزلية، علاوة على أبنائه بالجامعات وهم يحتاجون لمنصرف يومي، وقد وجه اتهامات لبعض الجهات التي تعمل على تحصيل بعض الرسوم غير القانونية وبدون إيصالات ومصادرة بعض السلع بعد آخر الليل.
شكل قديم
حدثنا من خلال جولتنا بالسوق أحد التجار الذي رفض ذكر اسمه، وحكى لنا أنه تاجر قديم هنا بالسوق ، ومهنة التجارة متوارثة في أسرتهم وقال إن السوق تقدم كثيراً مما كان عليه في السابق بحسب الحقبة الزمنية الفائتة والتي تعود إلى ما قبل الاستقلال، بحكم أن السوق قديم جداً، فكانت صورته حينها تقوم على الزنك المقسم بشكل كان محدوداً ، وكان يسمى قديماً بسوق الزنك، نقبل أن يكون السوق بموقعه الحالي، فما كان بالسوق إلا الخضر والفاكهة فقط، فبعد أن قام المعتمد عمر نمر بترحيل السوق من مكانه بعد أن وعد بإرجاع السوق كما صرح بوعده الذي ضمّن فيه إعادة الهيكلة للسوق، ولكنه لم يراع للتجار الذين ظلوا ينتظرون إنجاز الوعد، ولا تنفيذ لاح في الأفق وقد شمل هذا حتى أصحاب الجزارات.
تجار الخردوات يشتكون
في حديث آدم محمدين تاجر الخردوات، ذكر أنه تاجر بالسوق منذ 15 عاماً، وأضاف أنهم تفاءلوا خيراً عندما سمعوا بأمر تنظيم وترتيب السوق، ولكن سرعان ما امتلكتهم الحيرة بعدما اتضح لهم ما يحدث الآن غير ذلك تماماً، فالخردوات بالرغم من هزال نوع البضائع إلا انها مهمة، وطالب بضرورة توضيح أمر السوق إلى أين يتجه، مضيفاً في حديثه لنا أنهم عانوا كثيراً هنا بالسوق في سبيل أن يجدوا مكاناً مخصصاً لهم كتجار خردوات، فالقرار شملهم بالرغم من أنهم قالوا أنه يشمل محلات الأكل من مطاعم ونحوها، وأشار إلى انه وبعد أن تم وعدهم بتسليم محلات توافق ونوع البضاعة التي يتاجرون فيها، فقد وقعوا عقوداً مع المحلية لمدة عشر سنوات يمكن تجديدها إذا رأت الجهة المختصة تقنين وضع السوق شريطة أن يتم التعويض لهم كتجار وقع عليهم الضرر، ففي عام 2006 تعرضوا للإزالة ولم يجدوا تعويضاً مقابل ذلك، وباءت كل مساعيهم للحل بالفشل الذريع، وأكد أنهم يفرشون بضاعتهم الآن على الأرض، ولم ينظر إليهم نمر حتى انتهت مدته بعين الاهتمام يوماً، ليجدوا الآن نفس المصير السابق بكل ظلماته، وأكد أن عدد التجار كبير والذين طالهتم الإزالة، بعضهم ترك التجارة، وتجه إلى مهن أخرى لأن عليهم مستلزمات معيشية، وأضاف أنهم ارتضوا بيع الخردوات مهنة أساسية ولن يتنازلوا عنها، وهو يناشد الجهات المختصة أن تعدل وتكون منصفة وتقنن لهم أماكن مزاولتهم لتجارتهم بالخردوات، فقد أجمع كل التجار المتحدثين لنا أنهم تفاجأوا بقرار الإغلاق، وقد بلغهم الضرر الشديد جراء ذلك بعض بضائعهم تعرضت للتلف الكامل، فهل ستنقشع سحابة العتمة التي تظلل حالهم الآن بأقرب وقت ممكن؟
تجوّلت فيه: تيسير الريح
صحيفة الصيحة
البيعة لسة ماتمت الظاهر