منوعات

تونسيون يعملون على تحرير الكنوز من الجان

ما زال البعض في تونس يلجؤون إلى المشعوذين والسحرة المغاربة للبحث عن الكنوز في جبال وصحاري البلاد وتهريبها إلى أوروبا. وهؤلاء لا يتردّدون في قتل من تساهم دماؤهم في العثور عليها، إذ يؤمنون أن الجان يحرسها

في جبال تونس وصحرائها، ربّما تجد كتابات غريبة على الأحجار، ورموزا صعبة الفهم، وإشارات يهتمّ بها الباحثون عن الكنوز في الجبال والمناطق الصحراوية. ويقال إن الجن يحرس تلك الكنوز التي دفنت منذ آلاف السنين، ولا يستطيع إخراجها غير السحرة والمشعوذين.

والمعروف أنّ الحضارات القديمة المتعاقبة على شمال أفريقيا كانت تدفن أموالها وكنوزها في البيوت والمزارع والأراضي، وتضع إشارات تدلّ على مكانها، هي عبارة عن رموز تحفر على الصخور أو الجبال. ويحاول البعض البحث عن تلك الإشارات والرسومات، خصوصاً في المناطق الصحراوية والجبال وقرب الآثار. وشهدت العديد من المناطق الأثرية في محافظة المهدية قرب الجم، أو محافظة القصرين في وسط تونس، محاولات عدة للبحث عن الآثار. وقد ألقي القبض على العديد من العصابات الباحثة عن الكنوز. ولا يكاد يمر أسبوع إلا وتعلن المصالح الأمنية عن إيقاف عناصر كانت تبحث عن كنوز، أو أخرى تمكنت من ذلك وهي في صدد بيع أو تهريب ما وجدته.

وخلال عمليّات البحث، غالباً ما يستعان بالعرافات أو السحرة، خصوصاً المغاربة. “لكلّ طريقته من خلال طقوس وتعويذات وبخور خاص بكل كنز، بحسب ما يطلب الجن حارسه”، كما يقول أحد الشيوخ. ويوضح أن بعض تلك الكنوز لا تحتاج إلى جهد كبير، فيما تتطلّب أخرى استخدام الزئبق الأحمر، للسيطرة على العفاريت. يضيف أن معرفة الأماكن التي تضم الكنوز تكون من خلال بعض الرموز والرسومات، والتي قد تكون لأفعى أو سلحفاة أو سهم وأشكال أخرى لا يفهمها كثيرون، لكن لكل منها دلالتها. وهذه تسهّل البحث عن الأمكنة التي يوجد فيها كنوز.

وبحسب المعهد الوطني للتراث، فإنّ غالبية الكنوز هي تماثيل من الذهب والمرمر، أو قطع نقدية رومانية، أو قناديل أو مدافع صغيرة من الذهب والنحاس. ويعمد غالبية الباحثين عن الكنوز إلى تهريبها نحو أوروبا.

وتتكرّر عمليات التنقيب والبحث عن الكنوز، والتي راح ضحيتها العديد من الأطفال وحتى الشباب. في هذا السياق، يقول الشيخ محمد إن العديد من العرافين يقولون إن وجود نقطة سوداء في بياض العين، أو شامة كبيرة في الجسد، يعني أن دماء ذلك الشخص قادرة على إخراج الدفائن بسهولة، وهو ما يؤدي إلى وفاة العديد من الأطفال، وأحياناً خطفهم. ويؤكد أنه لا يجب قتل الأرواح من أجل المال.

في يونيو/ حزيران في عام 2016، عثر على فتاة مقتولة في منطقة المتبسطة في محافظة القيروان. ويعزو خالها الأمر إلى الرغبة في إخراج كنوز. وأبلغت العائلة الوحدات الأمنية بالأمر، بانتظار ما ستسفر عنه نتائج التحقيقات. وأصدرت المحكمة التونسية حكماً بإعدام مواطن مغربي في عام 2013، بالإضافة إلى أربعة تونسيين بعد ثبوت تورطهم في قتل طفل يبلغ من العمر تسع سنوات في عام 2010، بسبب البحث عن كنوز في محافظة بنزرت. ما حدث في ذلك الوقت أن أحدهم خطف الطفل اليتيم وأخذه إلى منزل مهجور وقتله.

إلّا أن أكثر قصة هزت الرأي العام في تونس هي قصة الطفل ربيع (11 عاماً)، الذي وجد مقتولاً بـ 37 طعنة في عام 2010، وكانت عمّته هي التي استدرجته. ويقول والد الطفل، منير النفاتي، إن العصابة استخدمت جثّة ابنه لإخراج الكنوز.

ورغم اختراع أجهزة كشف المعادن الثمينة والكنوز تحت الأرض، ما زال البعض يعتقد أن الكنوز تحرس من قبل الجان، ولكلّ كنز طريقة لإخراجه.

يقول مكرم (25 عاماً)، الذي انتقل إلى العيش في العاصمة، إنه لا يخرج إلا وهو يرتدي نظارات شمسية لإخفاء النقطة السوداء في عينه اليسرى. في أحد الأيام، كان في طريقه إلى العمل، ولاحظ شخصين يراقبانه حتى وصل إلى مقر عمله. واستمر الوضع على هذا النحو طيلة ثلاثة أيام. في اليوم الرابع، سألهما عن سبب مراقبتهما له، فعرف أنهما من المغرب، وأخبراه بأنهما يريدان مساعدته لإخراج كنز، وأن النقطة في عينه اليسرى ستساعدهما. اضطر إلى الاختباء مدة شهر، إلا أنه بات يشعر بالخوف طوال الوقت.

من جهته، يقول أمين ( اسم مستعار)، إن عائلته تضطر إلى تغيير محل إقامتها من حين إلى آخر، هرباً من عصابة تكتشف في كل مرة مكان تواجدها. ويوضح أن العصابة تريد شقيقه الأكبر لإخراج كنز مدفون في بيت جده في إحدى المدن الساحلية. أمر جعل شقيقه يلازم المنزل. ويلفت إلى أنهم يخشون اللجوء إلى الجهات الأمنية.

ورغم كثرة حالات الخطف بغية إخراج الكنوز، ليس هناك إحصائيات رسمية. إلا أن جمعية النهوض بالأسرة أشارت في إحصائيات صادرة في بداية عام 2016، إلى أن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت 100 حالة اختطاف.

العربي الجديد