وزير المالية الأسبق، د. عبد الرحيم حمدي: قصة مثلث حمدي (فرية) ولن أترك حديث الصراحة ما حييت
نحن الآن في عنق الزجاجة وهناك صعوبات كثيرة جدًا في الاقتصاد
نعم الفساد موجود في السودان.. ولكن..!
لم أحلم بالوزارة والترابي أصر على أن اتولّى التكليف
أتمنى تغيير نظام الامتحانات ليكون شبيهاً بالنظام الروسي القائم على الفهم وليس الحفظ
قصة مثلث حمدي (فرية) ولن أترك حديث الصراحة ما حييت
قال القيادي الاقتصادي البارز في حزب المؤتمر الوطني، وزير المالية الأسبق، د. عبد الرحيم حمدي، إن كل من يخرج عن الحركة الإسلامية السودانية، (ينهزم)، بما في ذلك رؤوساؤها من أمثال (علي طالب الله وبابكر كرار والرشيد الطاهر)، وأرجع ذلك لاعتماد نهجٍ مؤسسي، وتقدير من العضوية لمسألة وحدة الحركة.
ووصف حمدي في حواره مع (الصيحة) قرار المفاصلة الذي أقدم عليه عرّاب الحركة، د. حسن عبد الله الترابي في العام 1999م، بأنه قرار خاطئ، ونوه إلى تدوينه في الخصوص مذكرة من (18) صفحة موجهة إلى الراحل وقال: أعتقد أنه كان مقتنعاً بما ورد فيها.
حوار : الهضيبي يس- الصيحة
§ حدثنا عن نشأة عبد الرحيم حمدي؟
– عشت حياتي بتلقائية شديدة، ولم أخطط لها، والظروف جعلت حياتي تكون بهذه الصورة، مثلاً تلقيت التعليم بحكم أنني ابن موظف كبير (طبيب) ودخلت المدارس الحكومية التي كانت متاحة لي، وحتى وصولي إلى مرحلة الجامعة (ما كان في حاجة مخططة)، وقد تم قبولى في كلية الحقوق، ولم أكن قد تقدمت لها، وأذكر أنني احتججت، وشهادتى كانت علمية، وقلت لهم يفترض أن أدخل كلية الهندسة أو المعمار، بالذات حيث كانت لدي الرغبة فيها، ولكنهم أخبروني عن كلية جديدة اسمها (كلية الاقتصاد)، وحتى هذه كانت صدفة، لم أخطط لها، ولحياتي، ولكن اخترت ألا أغترب على عكس السائد يومذاك.
§ تبدو نادماً على عدم اغترابك؟
– ما كنت أحبذ العمل والاغتراب خارج البلاد، لأننى كنت شخصاً سريع الغضب ويمكن أن تسميني أحمق (على كيفك). ولكن عندما خيرت من قبل صالح كامل حينها بأن أعمل معه في مجموعة رئاسة البركة أو فى لندن فضلت لندن لأنها محل تحدٍّ شديد، وأنا أحب التحديات، كما أنني لم أعتبر بريطانيا غربة تقليدية، وهذه المسألة تمت باختياري.
§ ودخولك للبنوك الإسلامية أكان مخططاً له أم محض صدفة؟
– دخولي البنوك الإسلامية تم أيضاً بالصدفة، فقد دخلت ابتداء مع الأمير محمد الفيصل، وكما قلت لك حياتي في السابق لم أخطط لها، وكان من الممكن أن أستمر فى الوظيفة الحكومية التي لم تكن مغرية، ولم أعد إليها إلا بعد أن خرجنا من المعتقلات، ووجدنا البلد كلها مؤممة حتى أن وزير الداخلية سألني عقب إطلاق سراحي من المعتقل الذي دخلته عقب انقلاب مايو: عايز تشتغل وين؟ فرددت عليه: (انتوا خليتوا حتة يشتغلوا فيها)؟!.
§ (واشتغلت وين)؟
– اتصل وزير الداخلية على وزير التجارة وقتذاك بخصوص توظيفي، واتفقنا على أن أعمل بمؤسسة القطن.
§ يقال عنك (شاطر) في الرياضيات؟
– في امتحان المرحلة الثانوية أحرزت نسبة عالية جدًا في الرياضيات وكنت أول دفعتي طيلة المرحلة الثانوية.
§ كيف انضممت للحركة الإسلامية؟
– تم تجنيدي بعد دخولى الكلية بفترة بسيطة، لأن شقيقي عبد الحميد، سبقني وانضم للإخوان، الذين التحقت بهم في العام 1954م، من بعد مجهود بسيط بذلوه.
§ ما الذي استفدته من التحاقك بالحركة الإسلامية؟
– حقيقة أن خلاصة تجربتي أن يكون الشخص على طبيعته، وأن لا يتقمص شخصية معينة شكلاً أو موضوعاً، كذلك بعد تجربتي الطويلة لست منحازاً بالمرة لفصيل الإسلامي، أو متشنجاً له، على العكس أعمل على مساعدتهم، وأنا مؤمن بأن أي دور يقوم به أي مسلم يعتبر مفيداً، حيث لا توجد احتكارية في العمل الإسلامي، هناك جماعة فقط تدعو للأخلاق الحميدة ولا تريد ان تشتغل في العمل السياسي، وهنالك من يريدون أن ينشطوا سياسياً باختيارات مختلفة، فليكن، وأنا منفتح جداً على كل الأطياف ما عدا الطيف المتطرف.
§ ولكن هناك فوارق كبيرة في الحركة الإسلامية ما بين اليوم والأمس؟
– الفارق خلقته الظروف الموجودة في أذهان الناس. في الفترة التي دخلنا فيها الحركة الإسلامية في الخمسينات كانت الفرص أمام التنظيم ضيقة جدًا، وأفق النشاط ضيق، وكان الناس مهتمين جداً بالتربية والإخاء فيما بينهم والروابط الإنسانية كانت موجودة، والآن اتسع العمل بصورة كبيرة جداً: عمل تنظيمي وحكومي وداخلي وخارجي. وقد عاصرت كل التطور في الحركة من حركة صفوية صغيرة إلى حركة الإخوان، ثم جبهة الميثاق الإسلامي، فانفتاح على الجماهير وعمل تحالفات الجبهة مع الإسلاميين الآخرين، وقد تحالفنا مع أطياف من الحركات الإسلامية (أنصار السنة والصوفية)، الذين انضموا إلى جبهة الميثاق، ثم إلى الجبهة القومية الإسلامية، والتطور الذي عملته حركة النهضة في تونس (عملناه بدري جداً)، وقد وصلنا منتهاه، وهو استلام الدولة.
§ كثيرون مع الرأي الذاهب بفشل الحركة بسبب سياسات حكمها؟
– طبعاً، هذه فرية كبرى. ولكن قبلها رجاء دعني أعود إلى موضوع الهندسة الاجتماعية، فحتى في مجتمع الصحابة كان بعض الناس يتعاطون الخمر، وعندما تسور عليهم سيدنا عمر قالوا له أنت ارتكبت خطأ وتجسست علينا، ما يعني وجود خمر وزنا بدليل تطبيق حد الزنا. والمطلوب منك منع مظاهر المعصية الزنا والخمور وكل المعاصى والمنكر، وطبعاً هذا الأمر (أي منع مظاهر المعصية) الآن يحدث، وهناك تفلتات وحتى الخلاف السياسي العنيف كان موجوداً والصحابة رفعوا السيوف ضد بعضهم، ونحن مجتمعنا الآن أفضل كثيراً جداً.
§ لكن حرب الجنوب كانت دينية؟
– مسألة الجهاد تطور جديد، وهذا المفهوم كان مختفياً تماماً، وهي جزء من صحوة إسلامية ما كانت مقتصرة فقط على السودان، ولكنه كان جزءاً من هذه الصحوة. وكون الشباب يذهب ويقاتل في أفغانستان كانت حكاية مذهلة جداً، لا سيما وأن بعضهم شباب ثري من السعودية.
§ تتهم الحركة الإسلامية بأنها قعدت بالاقتصاد السوداني؟
– حدث اختلاف كبير جداً في الاقتصاد بعد وصول الحركة الإسلامية إلى الحكم، ولك أن تقارن بين الاقتصاد قبل وبعد وصول الحركة للحكم، فالاقتصاد الآن متحرك ونامٍ ومتوسع، وأكبر اقتصاد في العالم حالياً في الصين، ومع ذلك لديهم مشاكل ناتجة عن توسع الاقتصاد.
§ هذا النمو يتزامن مع الحديث عن محسوبية وفساد؟
– الفساد والمحسوبية موجود بقدر في السودان وغير السودان، وحين ما كنت أدير جريدة الإخوان في الستينيات كان هنالك حديث يومي للفساد والمحسوبية.
§ أما زلت ضد قرار مفاصلة الإسلاميين؟
– نعم، وما زلت أعتقد ان قرار المفاصلة قرار خاطئ غير صحيح من د. حسن الترابي، وأرسلت له مذكرة من (18) صفحة، وكل مرة كان يقول سيناقش معي هذه المذكرة العشرة، ولكن إلى أن مات لم يناقش المذكرة، والسبب بسيط جداً، وكان يعرفه أكثر من شخص. عموماً فإن كل من يخرج عن الحركة الإسلامية ينهزم حتى ولو كان رئيسها، وهذا حدث لعلي طالب الله وبابكر كرار والرشيد الطاهر عليهم الرحمة، وكلهم كانوا رؤساء الحركة في وقت ما، والحركة لديها مؤسسية خاصة بها، والناس تعمل على تقدير وحدة الحركة أكثر من أي شيء آخر.
§ وهل تفهّم الترابي حديثك؟
– هذا رأيي وأعتقد أنه كان مقتنعاً به.
§ هل كنت تطمح في منصب وزير المالية؟
– أبداً، ورفضت هذا العرض ثلاث مرات، حتى أرسل لي الترابي شخصاً مهماً من الحركة وقال لي: (إذا ما جيتنا موضوعنا ما حيمشي لقدام، انت بتعرف طريقنا ونحن بنعرف طريقك، فالحركة تعثرت في إيجاد برنامج اقتصادي للجبهة القومية الإسلامية)، وهذا ما قاله لي الترابى كذلك في العام 1987م.
§ وماذا حدث بعدها؟
– عندما قام مؤتمر الجبهة الإسلامية القومية الثاني، لم يكن لها برنامج اقتصادي، وفعلاً عندما أتيت وضعت البرنامج الاقتصادي للثورة، وهو البرنامج الثلاثي، وقلت به علانية بمؤتمر انعقد في أكتوبر 1989م وهذه المحاضرة تحولت إلى البرنامج الثلاثي لإنقاذ الاقتصاد، وبعد شورى واسعة جدًا، أجمعنا عليه، ولاقى دعماً شديداً على المستوى التنفيذي، ولولا دعم الترابي سياسياً لما تم إنفاذ البرنامج الذي أحدث قولبة كاملة وجديدة في الاقتصاد، فنحن ورثنا تضخماً قدره 80% بشهادة آخر ميزانية.
§ كم وجدتم في خزينة الدولة حين وصلتم الحكم؟
– حسب الروايات التي سمعتها قالوا كان بها مئة ألف دولار فقط، ولكن لم أسأل عن ذلك.
§ وبم كنت مهتماً؟
– كنت أسأل عن أشياء أخرى، لم أسأل عن الخزينة. (ونحن نعرف كيف نصنع القروش)، وابتدرنا بالتنمية بـ (التمويل بالعجز) وفي ثلاث سنوات عبرنا وغيرنا أشياء أساسية، وقد حصلت تعثرات وارتدادات وتراجعات، ولكن المسار هو نفس المسار حتى الآن فقد تحرر الاقتصاد، وملايين الناس أخذوا فرصة عمل ما كانت متوفرة لهم، والدولة سابقاً كانت مهتمة بقطاع بسيط جداً وهو قطاع الموظفين، وحين وصلنا كان عدد الموظفين حوالي نصف مليون من مدنيين وعسكريين، والنخبة كانت هي من يرسم السياسات والمصروفات وفقاً لمصالحهم، والآن القوى العاملة في السودان عشرة ملايين منهم تسعة ملايين هم أحرار يملكون قرارهم، فيما مليون منهم يعملون بالمرتبات، والآن الاقتصاد هو اقتصاد العشرة ملايين، وليس النصف مليون، ولهذا تأتي مثل هذه التغييرات الفظيعة جدًا والتي تغير هيكل الأسعار والمصروفات، وتمشي الحكاية لأن الناس نسوا بأن هنالك تسعة ملايين يغيرون دوخولهم لوحدهم من (ست الشاي) إلى أكبر استشاري في الطب النووي، مروراً بالمهندسين والمقاولين والسائقين في البصات السفرية وأصحاب الحافلات والشاحنات الذين غيروا مصاريفهم هيكلياً، وهذا هو التحول الجوهري بالحرية الاقتصادية، في الزراعة تم التحول وارتفعت الرقعة المزروعة من مليون فدان إلى 50 مليون فدان.
§ ولكن هنالك فوضى في السوق؟
– (انتو ما عارفين) زمان مثلاً إذا كنت تريد شراء (جزمة) تذهب إلى (مخازن الأفندي) تجدها بسعر، ومخازن (مليون صنف) تجدها بسعر آخر، وهذا هو العمل الصحيح، هذا هو الخيار، هذا مورد (جزم) من الصين، وهذا من تركيا، وهذه صناعة محلية، فلماذا تسميها فوضى، سمها وجود خيارات. (انتم عايشين في أوهام وبتروجوا ليها للناس بكلمة فوضى الأسعار).
ويصرح وزير مالية الولاية ويقول فوضى الأسعار، والعلاج بوضع الديباجة، فما الذي يعنيه وضع الديباجة، السوق الحر يسمح أن تفاصل وتجد سعراً أفضل، وذلك خير من وضع تسعيرة محددة بالديباجة، وتناسي حقيقة تاريخية في أن هذا هو النمو الاقتصادي وإذا لم يحدث ذلك لانهار الاقتصاد. عندما قامت ثورة الإنقاذ وصل التضخم نسبة 80% دون أي موارد، وفي ظل وجود حرب، وتصحر وجفاف ضرب كل أفريقيا من أثيوبيا إلى الساحل ومن المحيط الأطلنطي إلى الأطلسي، وكنا جزءاً منه، وهذا ما أدى إلى ضرب محاصيل الفول والصمغ العربي.
§ حمدي هو من قام بوضع موازنة الإنقاذ الأولى؟
– الميزانية التي قمت بإعدادها في عهد الإنقاذ قامت على فاتورة استيراد بـ 800 مليون دولار والآن وصلت إلى 8 مليارات دولار وأكثر، وفي وقت سابق كان المزارع الذي يزرع الفول في مشروع الجزيرة بدون حرية، ويستلم منه المحصول (القمح مثلاً) بسعر موحد تضعه وزارة التجارة، بينما الوضع انعكس حالياً والمزارع لديه الحق في رفع سعر محصوله من السمسم والفول والقطن. وعندما جاءت الإنقاذ كانت فاتورة الصادر 300 مليون دولار والآن عشره أضعاف هذا المبلغ، صحيح حدثت لنا مشاكل، وكان في حصار وفي مشكلات في التمويل.
§ هل تستشيرك الحكومة في قضايا الاقتصاد؟
– أحياناً يستدعوننا في القطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني، وأقول رأيي، يؤخذ به أو لا، وهذا معنى الرأي الاستشاري.
§ مواقف ما تزال خالدة في ذاكرتك؟
– ليست لدي مواقف أسترشد أو أباهي بها، فقط ملابسات تجعلك تقوم بمقارنات، وأذكر جاءت مناسبة عن الشعور بالوحدة، أذكر أنني عشت في برمنغهام بانجلترا في الستينات ومع كل الصخب كانت تمر عليَّ أيام خاصة لا سيما يوم الأحد وأشعر بوحشة خيالية، مع أننا نلتقي يوم السبت في أحد بيوت السودانيين المتزوجين لنتناول العشاء و(نتونس)، ولكن في زنزانة كوبر لم أشعر بهذه الوحدة، في زنزانة (حوش المشنقة) وبقيت فيها (3) أسابيع.
مرت علينا أزمات، وكان معنا الترابى، وكانت السجون بحالة جيدة ومحترمة، وهناك معاملة أخوية فيها ندية واحترام، وفي حلقة عامرة مع الترابي وبعض الشباب، كنا نتبادل أطراف الحديث معه، وما أجده عنده من أفكار لا أجده عند شخص سواه، ومستوى مختلف عن الآخرين في الثقافة والفكر، وكنا قريبين جداً لبعضنا فكرياً وسياسياً، وقد سافرنا مع بعضنا وحضرنا مؤتمرات في الدول العربية.
§ متى التقيت بالترابي لأول مرة؟
– ذاكرتي ليست فوتوغرافية، لكن بدأنا سوياً في الحركة الإسلامية الحديثة، وفي مؤتمر العيلفون الشهير في العام 1962م دخلنا المكتب التنفيذي مع بعضنا، وظللنا حتى قيام انقلاب نميري، وبعدها اختلفنا سياسياً. هو رجل يحترم الاختلاف السياسي بصورة لم أرها في شخص غيره.
§ فيمَ الاختلاف؟
– كان رأيي بأن نصالح حركة نميري (من بدري) وتحديداً منذ ضربة الجزيرة أبا، وقلت هذا الرأي، وكتبت به مذكرة ناقشها الإخوان، ووجدت رواجاً شديداً، ولكن لم يؤيدوا هذا الرأي إلَّا لاحقاً بعد ضربة المرتزقة. والصلة الفكرية لم تنقطع بيننا رغم انقطاع الصلة التنظميمية التي عادت لاحقاً في المؤتمر الوطني، ولكن بعد أيام المفاصلة الشديدة اختلفت معه واحتججت بشدة حتى قال: (إذا كنت مختلفاً معنا قاعد معانا ليه).
§ هل من وصفة لحل الأزمة الإقصادية؟
– هناك صعوبات كثيرة جدًا في الاقتصاد السوداني الآن، وفكرتي العامة في أن نستثمر في نهج ما حدث في دبي مثلاً أو سنغافورة أو الصين بخلق منصات مستقلة للثروة الحيوانية وللصمغ العربي … الخ، منصات تخلق شرايين بينها، وتنمو كلها مستقلة ومتضامنة، وهذا لا يعني بالطبع أن نهمل الأشياء الأساسية الصحة والتعليم والبيئة.
§ حديثك هذا يوحي بشيء من التناقض؟
– لا تناقض، أنا أتحدث عن الاقتصاد، والآن لدينا مشكلة. كنا نقول حتى الخروج من عنق الزجاجة، ونحن الآن في عنق الزجاجة، وهذه المشكلة يمكن حلها، وعندي لها آراء مختلفة، وتجدني لست من أنصار مجلس أعلى للتخطيط، فالبرنامج الثلاثي ما كان خطة، بل كان برنامجاً والتصور الأول الذي يمكن التحدث عنه هو أن السودان واسع جداً، مثلاً دارفور يمكن أن تكون فيها ثلاث أربع منصات، وفي بورتسودان وطوكر عشرات المنصات، وتقول للناس اعملوا وتعطيهم الحرية السياسية والاقتصادية لدرجة يمكن لوالي الشمالية أن يوقع اتفاقية اقتصادية مع جهة أو دولة خارجية، وأن تفهم الدولة تلك أو الشركة المعنية أنها غير محتاجة إلى موافقة وزارة المالية الاتحادية أو ضمانها أو ضمانة البنك المركزي أو يأتي بشركة صينية تقوم ببناء خزان في الشريك أو مصنع حديد في البجراوية، نحن نريد مزيدا من الحرية الاقتصادية والسياسية، ونتمنى في الدستور القادم توفير الحرية السياسية، وهذه المناطق تنتخب المسؤولين عنها، لعدم تخطيهم ولضمان نصيبهم في الولاية. تحويلات الولايات في الميزانيات الأخيرة 28 ملياراً يذهب أغلبها مرتبات، ولهذا لن تحدث تنمية في باقي السودان.
§ ما حقيقة مثلث حمدي؟
– أوضح لك، ما هي فكرة مثلث حمدي، وهل أنا مؤمن بها أم لا. وهي فكرة أقحمها الآخرون علي، وأنا ما اعتمدت على المثلث في تحديد مناطق تنمية إطلاقاً، فقد طلب مني أن أقدم استراتيجية للحملة الانتخابية لحزب المؤتمر الوطنى فى العام 1995 وقتذاك بدأت إرهاصات التفاوض في أبوجا مع حركة قرنق، وقدم لي سؤال واضح جداً كيف نستفيد من أموال نجمعها من أصدقائنا في العالم العربي حزبياً في إدارة حملة انتخابية، وقدمت استراتيجية لحملة إنتخابية في محور دنقلا، سنار، كردفان، بل وذكرت استثناء بأن يزرعوا في دارفور وفي الجنوب، وبعد ذلك كتب أحدهم وقال هذه استراتيجية أو بالونة اختبار لفصل دارفور والاحتفاء بما أسماه مثلث حمدي، والناس مغرمة بهذا النوع من الأفكار، أفكار المؤامرة، وأن منسوبي الجبهة بعد أن كانوا يدعون إلى فصل الجنوب، ويخططون لفصل دارفور. هذه هي خزعبلة مثلث حمدي.
§ تبدو عليك الصراحة؟
– نعم، ولن أتركها ما حييت .
§ أمنية تود تحقيقها؟
– أتمنى تغيير نظام الامتحانات في السودان، ليكون شبيهاً بالنظام الروسي open book والذي كان له الفضل في تخريج كوادر كفؤة، وخلال لقاءات ضمتني بالشهيد الزبير محمد صالح طرحت عليه الفكرة ووعدني بدراستها وقتذاك، ولكن لم يتم تنفيذ الأمر لعوامل منها رحيل الزبير. إذا كانت ثورة التعليم التي أشرف عليها الزبير قد أنتجت توسعاً كمياً هائلاً، جعل نظامنا الثاني في أفريقيا والعالم العربي – كما قال السيد النائب الأول- فلنكمل الثورة الكمية بثورة نوعية هي تغيير نظام الامتحانات إلى نظام يقوم على الفهم لا على الحفظ ويخلق لنا جيلاً مبدعاً يقود الثورة الحقيقية.