منى ابوزيد

هل نستحق الديمقراطية ..؟!

«المحررون لا وجود لهم، الشعوب وحدها هي التي تحرر نفسها» .. تشي جيفارا ..!
تتناقل وسائل الإعلام أخبار استقالات وزراء العالم الأول من مناصبهم بعد صدور الحد الأدنى من النقد الموضوعي لأي تجاوزات غير مقبولة تصدر عنهم في إطار التكليف الرسمي .. الكثيرون يعتذرون لشعوبهم ويقرون بالخطأ ثم يتركهم المجتمع بسلام لأنه لا يريد منهم أكثر من ذلك ..!
فالمصلحة الوطنية يجب أن تعلو على المصلحة الشخصية، وعلى المسؤول أن يتعامل مع أخطاء المسؤول بذات المعيار الذي يتعامل به مع أخطاء المواطن، لذلك يرحل فلان ويجيء علان الذي سيفكر ألف مرة قبل أن يخلط شراباً – لكي لا يحيق به مصير سلفه – ناهيك عن خلط المعايير وشخصنة المصالح ..!
كلا، لن أبدأ في عقد المقارنات إياها! .. أعلم أن معظم قراء العالم الثالث قد سئموا من عادة الكتاب الذميمة في ضرب الأمثلة بحكام العالم الأول بلا طائل، سوى تفاقم الأحوال التي تستحق ضرب المزيد والمزيد من الأمثلة .. لذلك دعنا نتجاوز اليوم أفعال الحكام إلى أحوال المحكومين ..!
في كتاب «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» – ذلك الاستشراف التاريخي المدهش الذي صدر قبل عشرات السنين – يقول مؤلفه عبد الرحمن الكواكبي إن «الاستبداد والعلم ضدان متغالبان»، مختزلاً مفهوم العلاقة الطردية بين وعي الشعوب وجدارتها بالديمقراطية في قوله «ما انتشر نور العلم في أمة قط إلا وتكسرت فيها قيود الأسر، وساء مصير المستبدين، من رؤساء سياسة أو رؤساء دين» .. وبهذا المعنى فإن الشعوب – وليس الحكومات – هي التي تبني الديمقراطية بلبنات وعيها السياسي ..!

مونتسكيو الفيلسوف والفقيه القانوني الأشهر، صاحب نظرية فصل السلطات، ناقش في كتابه «روح القوانين» جدلية العلاقة بين الأعراف والأخلاق والقوانين، وطغيان المناخ والتضاريس وأحكام الجغرافيا الاجتماعية على طبائع الشعوب ودرجات وعيها السياسي ..!
وهو يقول إن المناخ له تأثير مباشر على أخلاق الشعوب وسلوكياتها العامة، وقابليتها للتمرد أو الخضوع في لعبة الحاكم والمحكوم، فالعلاقة بين سكان المناطق الحارة والرياء السياسي – بحسبه – وطيدة جداً، حيث تميل الشعوب للاستعباد والخضوع، وتسكنها عقدة الخوف من كل جديد، حتى وإن كان ذلك الجديد جزراً ديكتاتورياً أو مداً ديمقراطياً ..أما في المناطق الباردة فيقل غرور الحاكم وتملق المحكوم ..!

وفي مقدمة ابن خلدون الشهيرة نفسها، سوف تجد تأصيلاً عربياً لأفكار مونتسكيو، أو اتفاقاً ضمنياً مع معظم آرائه حول اختلاف طبائع الأمم بحسب مواقعها على خارطة الكرة الأرضية، وتأثير طبيعتها وأخلاقها وسلوكياتها العامة على طبيعة النظام السياسي الذي يحكمها..!
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: هل نحن شعب يستحق الديمقراطية بحالنا الذي نعلم ؟! .. إن كانت الإجابة بـ لا فما الذي نحتاجه حقاً لكي نستحقها ؟! .. بصيغة أخرى: هل يمكن لزعاماتنا الفكرية والثقافية والاجتماعية – وبلاش السياسية! – أن تنجح في تطوير أخلاقياتنا وقناعاتنا القومية الجامعة؟! .. هل يمكن أن يتحكم الوعي في صناعة سلوك الجماهير ..؟!

بلى، يمكن، والدليل على ذلك نجاح مشاريع زراعة الأخلاق في اليابان، والتي كان حصادها – المتمثل في سلوك الشعب الراقي والنبيل – محل انبهار العالم كله في كارثة الزلزال الأخير .. أرأيت ؟! .. ها نحن أولاء نعود إلى عقد المقارنات ..!

هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة