تحقيقات وتقارير

“ماضٍ في السلم” كان المهدي يؤكد أن عودته للخرطوم لن تكون إلا وفي معيته الحركات المسلحة.. لكن هناك الكثير مما يقلل فرص نجاحه

مثل الذي يعجزه أن يخلع ثوبًا ظل متوشحًا به لسنوات عدة، يحافظ زعيم الأنصار، رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي على جلابيته السلمية (المرقوعة)، وذلك بالدعوة إلى السلمية من أجل إنجاز التغيير في البلاد.. ويحذّر المهدي في حواره مع (اليوم التالي) من القاهرة، المعارضة من الوصول بالبلاد إلى خيارات التفجيرات والاغتيالات، مؤكداً على أن أزمة ما ستمسك بزمام الوطن في حال استمرت معادلة الفشل والإصرار على انتقال السلطة من الرئيس عمر البشير دون ترتيبات. ويقول إن مثل هذه الرغبة ستجعل الفوضى هي الخيار الأكثر ترجيحًا، مقارنة بالخيارات الأخرى، لكن المهدي لا يغادر مكانه دون الإشارة إلى أنه ما زال يبذل جهودًا حثيثة بغية تحقيق الانتصار لخيار السلمية في معالجة أزمات البلاد السياسية.
الإمام يحزم حقائب عودته إلى البلاد في السادس والعشرين من يناير الجاري، متزامنة مع ذكرى تحرير الخرطوم عبر قوات المهدي الأول، حين دك أنصاره الاستعمار التركي، وأتبعوا ذلك بقطع رأس البريطاني غردون باشا. تبدو المفارقة في أنه، وبالتزامن مع حديث المهدي عن ضرورة سلمية التغيير، كان السفير البريطاني بالسودان، مايكل أرون، يبشر السودانيين بأخبار جيدة تتعلق بعملية تحقيق السلام. أرون يقول إن لقاءً جمعه بالأمين العام للحركة الشعبية، ياسر عرمان، في لندن، ناقش عملية تطبيق خارطة الطريق، وأن حكومة بلاده متفائلة نسبيًا بتحقيق اختراق نسبي في الأسابيع المقبلة التي ستشهد، أيضًا، عقد اجتماع لقوى المعارضة في باريس، وسيكون الاجتماع هو المحطة الأخيرة للمهدي قبل العودة إلى الخرطوم في التاريخ المحدد سلفًا.
التأكيد على سلمية حراك الإمام في المشهد السياسي السوداني منذ ما يزيد عن ربع القرن، سيتأخر هذه المرة لصالح السؤال المتعلق باستمرارية مشهد تحالفات الإمام مع المكونات المسلحة ومصيرها مستقبلاً! يجيب الإمام في الحوار: “يجب ألا تفهم عودتي إلى الداخل بأنها تخل عن التحالفات القائمة”، ويشير بذلك إلى مكونات نداء السودان، لكن مراقبين يقرأون عودة الإمام بأنها تأتي متوائمة مع قناعاته، بألاّ شيء يمكن تحقيقه في الخارج، بينما يقول هو إن الظروف التي كانت تجعله خارج البلاد قد زالت.
وفي ما يتعلق بمستقبل التحالفات، فإن المهدي يقول إن رحلته إلى باريس هدفها الرئيس هو “توحيد المعارضة عبر توحيد موقفها وتوسيع مظلة نداء السودان، لتشمل كافة مكونات المعارضة، مع الاتفاق على ميثاق بناء وطن المستقبل، والاتفاق على وسائل تحقيق مطالب الشعب بين الحوار الشامل على هدى خارطة الطريق، أو الانتفاضة الشعبية لتحقيق دولة العدالة والديمقراطية، متمثلاً تجربة الكوديسا الجنوب أفريقية”. وضع المهدي آماله على توحيد المعارضة في باريس، يتواءم مع تصريحات الناطق الرسمي للحكومة أحمد بلال عثمان، حين كشف عن مساعٍ أمريكية لتوحيد المعارضة تتم في اجتماع باريس، وقال إن تأجيل تشكيل الحكومة سيرتبط بهذه الخطوة، ولم ينسَ بلال أن يضيف عبارة “إن شاء الله يتفقوا”!
بالنسبة لكثيرين، فإن عملية خلق حالة من التوافق بين مكونات المعارضة تبدو على درجة عالية من الصعوبة، وتحيطها مجموعة من التقاطعات في المواقف، ويشير البعض إلى ما حدث مؤخرًا حين وقع الحزب الشيوعي السوداني، أحد العناصر الرئيسة في تحالف الإجماع، مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية، أحد أكبر مكونات قوى نداء السودان، وفي البال الموقف المعلن للإجماع من خارطة الطريق التي تم توقيعها، ومن قوى (نداء السودان) برمتها، وهو ما جعل البعض يقولون إن الحركة بدأت في سحب يدها من نداء السودان، وإنها تبحث عن تحالفات جديدة لتحقيق أهدافها وغاياتها، يضاف إلى ذلك مواقف حزب البعث المعلنة حول تحالف (نداء السودان)، وهو الأمر الذي يدفع البعض للتساؤل حول قدرة الإمام على جمع هذا الشتات، حتى في ظل الحديث عن دعم دولي للخطوة؟ وفي البال أن المهدي يمثل عند الكثيرين إحدى الأدوات الناجحة في فض التحالفات السياسية القائمة، ولا يعدم هؤلاء ما يستدعونه لتأكيد رؤيتهم من التاريخ القديم، حيث يذكرون عودته من (الجبهة الوطنية) لمقاومة النظام المايوي، ومن (التجمع الوطني الديمقراطي)، التي أطلق عليها (تهتدون)، وليس ختمًا بتحالف (قوى الإجماع الوطني) الذي تحول منه إلى (نداء السودان)، دون أن يستبعد البعض فكرة أن يتركه المهدي في باريس ويحزم حقائبه عائدًا إلى الخرطوم.
كان المهدي يقول في فترات سابقة، إنه لن يعود إلى الخرطوم إلا وفي معيته الحركات المسلحة، كتأكيد على النجاح في إنجاز التحول السلمي في ممارسة السياسة، لكن الآن بدا مؤقناً بأنه سيعود وحده، وكمن يحاول أن يرفع عن نفسه بعض الحرج، يقول إنه سيقدم دعواته إلى البعض للعودة.. لكن هناك الكثير مما يقلل من إمكانية نجاحه في هذه الغاية.

اليوم التالي