جرائم الأجانب ..!
«الجريمة ينتجها الفائض الاجتماعي» .. فلاديمير لينين ..!
حالنا معظمنا كوافدين إلى بلاد الناس وحال معظم الوافدين إلى بلادنا لها شجون وشئون، دللت عليها صحف الخرطوم الصادرة ليوم أمس الأول بحزمة أخبار تتناول أحداثاً شكَّلت – بتزامن نشرها في ذات اليوم – مفارقة طريفة، مفادها أن المعادل الموضوعي للطيبة والشهامة – التي اشتهر بها الوافد السوداني في بلاد الناس – هو حسن النية أو «المسكنة» التي تكلل سلوك المواطن السوداني في معاملة الوافدين إلى بلاده .. ومن مظاهر تلك «المسكنة» الاحتفاء المبالغ فيه، والثقة المفرطة والاحترام المبالغ فيه، والإنبهار الذي لا تشد من أزره أية أسباب مقنعة ..!
لنبدأ بأخبار الوافدين السودانيين التي تصدرت الصحف .. مقيم سوداني بالمملكة العربية السعودية اسمه «عبدالله حامد» أصبح بطلاً قومياً بعد أن قام بمطاردة لصوص دخلوا محطة للوقود وبعد تزويد سيارتهم البوكس بالوقود اللازم فروا هاربين قبل سداد الثمن .. قفز عبد الله داخل صندوق البوكس الذي كان يتحرك بسرعة جنونية وتمكن من تعطيل اللصوص .. هكذا بكل شهامة .. ولوجه الله .. ودون انتظار أي مقابل ..!
وفي العاصمة السعودية الرياض كانت إحدى فرق دوريات الأمن تطارد أجنبياً يقيم بصفة غير نظامية ويمتهن ترويج المخدرات، وحين احتدام المطاردة ساعد المقيم السوداني «عبدالله الصادق» طاقم الدورية في متابعة الجاني وحاول الإمساك به، فضربه الجاني على رأسه بمطرقة حديدية كادت تودي بحياته، وبعد القبض على الجاني وإسعاف «عبدالله» وجه أمير المنطقة بتكريمه ومنحه مكافأة مالية وشهادة تقدير، لكن وافدهم – وموفدنا – السوداني المحترم أكد أن ما قام به هو أقل واجب يقدمه للبلد الذي يستضيفه .. وحكايات شهامة السودانيين في المهاجر وبلاد الاغتراب كثيرة ..!
ذات الصحف التي حملت أخبار أبطالنا الوافدين إلى بلاد الناس تضمنت أخباراً متواترة – وتنذر بالخطر – عن جرائم الأجانب .. على سبيل المثال لا الحصر: حكمت محكمة جنايات الخرطوم وسط بالسجن لمدة عشر سنوات على مقيم من جنسية عربية وغرامة قدرها خمسة آلاف جنيه، لإدانته بالاتجار بالمخدرات (البودرة) التي دخلت البلاد مخبأة داخل «بامبرز» للأطفال» توطئة لإعادة تعبئتها ومن ثم الاتجار بها .. أما شركة «آرامكس» للبريد السريع فقد أدلى ممثلها بشهادته أمام المحكمة بشأن أكبر طردي شحنة مخدرات تم إدخالها إلى البلاد عبر طردين للشركة كان بداخل كل منهما شواحن هواتف محمولة تمت تعبئتها بالمخدرات ..!
الشحنة سافرت عبر مدن عربية أخرى كطرابلس ودبي والدوحة قبل أن تحط رحالها في «خرطوم البخاتة» التي تغري طيبة أهلها – محترفي الإجرام وضعاف النفوس باستغلالها كمسرح لجرائم عديدة .. ليس أولها تجارة المخدرات .. وليس آخرها احتراف التسول المنظم باسم اللجوء ..!
لا شك أن السلطات في بلادنا بحاجة إلى مراجعات جادة بشأن ضوابط الوجود الأجنبي في مجالات الاستثمار والتجارة والاستيراد والتصدير .. إلخ .. لكنني أعتقد أن العبء الأكبر يقع على هذا المجتمع الذي يتعامل بثقافة «زول الحارة « .. و»دراج العاطلة» .. و»أخو الأخوان» مع كل الغرباء وهذا خطأ فادح .. ويبالغ في احتفائه ويسبغ احترامه ويولي ثقته لكل الآخرين وهذا خطأ أكثر فداحة ..!
هذه ليست دعوة لتجفيف منابع الطيبة السودانية – لا سمح الله – لكنها دعوة جادة لتقنين تلك العشوائية الرسمية، والفوضوية الشعبية التي تغلب على سلوكنا العام في معاملة الوافدين ..!
هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة
صدقت ما بين الشهامة والعوارة خيط رفيع