تصريحات مجانيَّة ..!
« أسرارك الحقيقية تخفى عليك أكثر مما تخفى على الآخرين» .. بول فاليري ..!
عندما يتحدث الناس عن إحدى الظواهر الاجتماعية يقولون للتدليل على انتشارها بأنها متفشية بين الجميع من الوزير إلى الخفير، ونحن في هذا البلد عندنا مشكلة حقيقية هي أزمة التصريحات المجانية .. وهذه ظاهرة منتشرة بين الجميع من الوزراء إلى الخفراء فعلاً ..!
والحقيقة أن تصريحات الشغالات والسائقين وحراس المنازل هي الأكثر خطراً وتأثيراً على الرغم من كونها الأكثر مجانية .. فهم – بادئ ذي بدء – يتبرعون بها دون أن يطلب منهم ذلك، وكثير من الأسر تدخل في مشاكل حقيقية بسبب تصريحات الشغالة أو حارس المنزل الذي يبادر بإعلان أسرارها إلى الجيران بشكل مباشر، أو غير مباشر عن طريق الحديث إلى زملائه الذين يتولون بدورهم مهمة نشرها والتبرع بإيصالها إلى أفراد الأسر التي يعملون لديها ..!
ربما بسبب الوقوع في فخ الاعتياد يتحدث أفراد الأسرة إلى بعضهم البعض في شؤون خاصة وحميمة دون حذر أو تحفظ أمام الشغالة أو يناقشون تفاصيل حياتية بالغة الخصوصية بمعية السائق، يشجعهم على ذلك صمت هؤلاء، لكن عدم مشاركتهم في تلك الأحاديث لا يعني بالضرورة أنهم لا ينصتون إليها بكل تركيز واهتمام تمهيداً لإذاعتها في جلساتهم الخاصة التي يزيلون فيها أقنعة المهنة الجامدة قبل أن يعود كل منهم إلى طبيعته كأي ابن آدم خطاء يمتزج ويتفاوت في نفسه الخير والشر ..!
ربما كانت بعض الأسر تفعل ذلك تأثراً بالشعوب الأخرى إنما يختلف الواقع باختلاف الظروف، ففي الخليج مثلاً يكون عمال الخدمة المنزلية من بلدان وجنسيات أخرى وهم يتحدثون لغات مختلفة وهم لا يجيدون اللغة العربية في الغالب .. وإن أجادوها فهم في النهاية لا يذوبون في المجتمع ويختلطون بالجيران أو زملاء مهنتهم اختلاطاً حقيقياً لذا قد لا يترتب على الحديث في خصوصيات الأسرة أضراراً كبيرة..!
بينما في السودان لا تزال معظم الأسر تستعين بالعمالة المحلية في مثل هذا النوع من الأعمال .. وطبيعة التعامل بين الأسر والعمالة المحلية عندنا تفتقر إلى الرسمية، ولأننا شعب يعشق (الونسة) ـ من الوزير إلى الخفير ـ يتجاذب الخفير أطراف الحديث مع جيران الأسرة وأصدقائها ويتحدث السائق إلى الموظفين في مكتب مديره عن أدق خصوصيات ذلك المدير وعاداته الأسرية وأبناءه وبناته دونما تحفظ .. وكذا يكون الحال مع عاملات المنازل .. والنتيجة كم هائل من الإشاعات والقصص (المنجورة) بعد ضياع النصوص الأصلية بفعل الحذف والإضافات ..!
في مقدور الجميع أن يعيشوا بسلام بعيداً عن أخطار التصريحات المجانية إذا حافظوا على وجود مساحة مقدرة من التحفُّظ والرسميَّة – التي لا تفسد للود قضية -حتى لا تختلط الأوراق وتتشابك الحكايات وتتسرب الشائعات فتضيع الخصوصية التي يحفظها باب مغلق وتبددها ثرثرة – غير مسئولة – على أعتاب ذلك الباب ..!
هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة
>> اذا اردت نشر خبر (شمار) بسرعة، فحدّث به امرأة و أخبرها بأن هذا سر كبير لا يعلمه أحد غيرها، طالبا منها الكتمان، عشان ما تحصل مشكلة !! >> … مشلهت !