بين الور وباقان ودولة الجنوب(2-2)
في مقالي بالأمس استعرضت بعض اعترافات وزير خارجية الجنوب دينق ألور حول البؤس الذي يخيم على دولته والذي أدى إلى نزوح الملايين من أبنائها فراراً من الموت والجوع الذي لا يزال يضربها، وأوردت بعض حسرات عدو السودان اللدود باقان أموم وهو يعبر عن خيبة الأمل التي غمرته جراء الفشل الذي فتك بجنته الموعودة (جنوب السودان) التي لطالما منى بها نفسه قبل أن يشد الرحال إليها وهو يغادر السودان الذي قال فيه أضعاف ما قال مالك في الخمر، وختمت بإبداء تعجبي أن الرجلين ، رغم ما أصاب الجنوب من موت ودمار وخراب وحروب أهلية وإبادة جماعية لم يبديا أسفاً على الانفصال فلماذا يا ترى لم يندما بل أصرا على موقفهما من الانفصال؟ .
سؤالي هذا أوجهه أولاً إلى الذين لا يزالون يذرفون الدموع حزناً على انفصال الجنوب وأسفاً على شعب (كجنهم) وأبغضهم لدرجة أن كل ما أصابه من اقتتال بين قبائله ومكوناته الاجتماعية ، مما لم يشهد الصراع الجنوبي الشمالي على مدى عقود من الزمان معشار معشاره من موت وخراب ودمار ، لم يغيّر قناعاتهم ويجعلهم يعيدون النظر في قرارهم بالانفصال و(فرز عيشتهم) من (الشيطان الشمالي) الذي ابغضوه.
باقان أموم الذي قبل أن يغادر السودان إلى جنته الموعودة حرص على أن يخلد كراهيته وحقده الدفين على الشمال والشماليين بعبارة : (ارتحنا من وسخ الخرطوم) وبكلمات من نار : (باي باي للعبودية) (باي باي عرب) لم يتردد في أن يقول لمحاوره عبد الرؤوف إنه ليس نادما على قول تلك العبارات المسيئة للسودان، ناسياً أو متناسياً أن الشعب السوداني الذي لا يزال يصر على الإساءة إليه هو الذي يستقبل الآن الملايين من شعبه الجائع والمشرد بفعل قياداته السياسية المتحاربة، فأي حقد ذلك الذي يأكل قلوب أولئك القوم، وبالله عليكم هل يحق للباكين والمتباكين على الوحدة أن يذرفوا الدموع على مفارقة شعب يكن لهم كل هذا الحقد، وهل كانوا يطمعون في أن تتغير تلك المشاعر إلى مودة وتعاطف لو استمرت الوحدة؟.
أقول ذلك حتى نستدبر تلك الفترة البائسة من تاريخنا الملىء بالدماء والدموع مذكراً من نسوا كل محطات ذلك التاريخ المحزن بما في ذلك أحداث توريت في أغسطس 1955 قبل استقلال السودان مروراً بأحداث الأحد الدامي 1964 ثم بأحداث الإثنين الأسود 2005 وقبل ذلك كله مؤتمر جوبا عام 1947 والذي اعترف السكرتير الإداري الاستعماري جيمس روبرتسون بأنه زوره ليقرر أن أبناء الجنوب يرغبون في التوحد مع الشمال رغم أنهم كانوا لا يرغبون في غير الانفصال.
لقد بنينا نحن في منبر السلام العادل رؤيتنا حول مشكلة الجنوب التي أهلكت الحرث والنسل على خلفية أن أبناء الجنوب لن يتعايشوا حتى مع بعضهم بعضاً دعك من أن يفعلوا ذلك مع الشمال، وها هي الأيام تثبت صحة ما ظللنا نصدع به في تكرار عجيب لما حدث في أعقاب اتفاقية أديس أبابا عام 1972 فبعد أن وقع جوزيف لاقو تلك الاتفاقية التي وحدت مديريات الجنوب الثلاث هيمنت قبيلة الدينكا على الجنوب ونكلت بالجنوبيين المنتمين للقبائل الأخرى بنفس الصورة التي تحكم بها الجنوب اليوم فما كان من جوزيف لاقو إلا أن أوعز إلى الرئيس نميري بأن يقسم الجنوب كما كان قبل الاتفاقية حتى ينهي هيمنة الدينكا وها هو التاريخ يعيد نفسه فمتى تفيق قبيلة النعام من غفلتها التي لم تخرج من حبائلها حتى اليوم؟.
أهم ما ورد في حديث دينق ألور مما أريد أن ألفت نظر الرئيس البشير والمؤتمر الوطني إليه أنه تحدث عن وجود كبير لحزب المؤتمر الوطني في دولة الجنوب، فماذا يفيد المؤتمر الوطني من وجود فرع له في دولة الجنوب تتخذه الحركة الشعبية مسوغاً لإقامة ودعم قطاع الشمال التابع لها في السودان؟.
أرجو أن يبادر الوطني بالإعلان عن فك الارتباط بالمؤتمر الوطني في دولة جنوب السودان ولا حرج في قيام حزب بذلك الاسم في أي مكان في العالم بعيداً عن أي ارتباط بالوطني في السودان، أما قطاع الشمال فإنه لا يخفي تبعيته الكاملة للحزب الحاكم في الجنوب وليت وزير الخارجية بروف غندور يصعد هذا الأمر طالما أن قضية فك الارتباط ووقف الدعم من القضايا التي يتم التباحث حولها الآن بين الدولتين.
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة