أين تمضي؟ استهلكنا آلاف الأمتار من القماش وصنعنا منها رمزاً لعزتنا
احتفلنا بذكرى الاستقلال الحادي والستين، وبلا شك رفعنا علم استقلانا عالياً خفاقاً، بعض الأعلام باتت تصنع من الورق والبلاستيك، ولكن العلم المصنوع من القماش لا يزال يرفرف فوق أسطح المنازل، ويتدلى من أمام واجهات المؤسسات الحكومية والمحال التجارية، وليته يبقى طوال العام، فسرعان ما تطوى هذه الأعلام خصوصاً تلك المصنوعة من القماش التي استهلكت آلاف الأمتار لصناعتها، نتساءل: أين تذهب كل هذه الأعلام المصنوعة من القماش؟
فالمشهد يتكرر كل عام، مع دخول شهر ديسمبر تنشط في أسواق العاصمة والولايات وطرقاتها تجارة الأعلام، حيث يحرص الجميع على اقتناء علم السودان، وعقب نهاية العام ونهاية الاحتفالات بالاستقلال تختفي تلك الأعلام من المكاتب والبيوت والعمارات الشاهقة، ليبرز التساؤل: أين تختفي؟ وهل سيُلقى بها في مكبات النفايات؟ أم أن الجميع يحتفظ بها لقدسيتها؟.
تاريخ وحضارة
كما هو معروف، فإن العلم ليس مجرد قطعة قماش وألوان وأشكال، ولا خرقة تهب عليها الرياح، إنما هو تجسيد لسيادة الوطن، ورمز يختزن داخله تاريخ وحضارة، من أجله تُخاض الحروب، فضلاً عن أنه لغة يتكلم عبر ألوانه.
وفي السياق، تقول الحاجة فاطمة الطيب، من سكان الثورة في أم درمان، إن أغلبية سكان الحارات يقومون برفع علم السودان عالياً على أسطح المنازل وعلى الأبواب والمداخل. وتضيف: “بعد الاحتفالات نقوم بإنزاله وغسله وكيه وحفظه بعيداً، حتى تأتي مناسبة أخرى”، وأردفت: “في السنوات الماضية كان السودانيون يمنحون احتفالات الاستقلال اهتماماً متعاظماً، لكن مؤخراً أصبح البعض يتقاعس عن رفع العلم”، واستطردت: “في اجتماعيات نساء الحي، ظللنا ننادي بضرورة الاحتفاظ بأعلام الاستقلال في مكان آمن حتى لا تبهت ألوانها”، وزادت: “طالبنا النسوة بضرورة تعليم الأبناء قيم الوطن، والتعريف بماهية العلم، لأن البعض منهم يلقي بالأعلام في الحدائق عقب الاحتفالات، لجهة عدم معرفتهم الكافية برمزيتها.
دلالة وهوية
من جهته، يؤكد علي محمد إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع في جامعة كردفان، على أهمية الاحتفاظ بالعلم لدلالته العظيمة والهامة بالنسبة للمواطنين، وتمنى أن يقوم الجيل الجديد بتقليد ذلك، حتى يعرف معاني الوطن وقيمه. وطالب الأسر بضرورة التنشئة السليمة للأبناء وتعريفهم بهويتهم. وأضاف: “يدرك الجميع أن السودانيين تحصلوا على أعلام ليس لها حصر، علاوة على أنهم استخدموا آلاف الأطنان من الأقمشة لأجل احتفالات الاستقلال، وبالتالي يجب أن تحفظ هذه الأعلام ولا تلقى في الشوارع والحدائق، كما نرى في الأعوام الثلاثة الأخيرة”، وأردف: “العلم يعني الهوية، حيث لاحظنا أن المغتربين في كثير من الدول يرتدون أعلام الوطن على (التي شيرتات، الشالات، الرسم على الحقائب)”، وزاد: “يستطيع كل أجنبي يلتقي بهؤلاء أن يعرف جنسياتهم، وحتى لو لم يعرفهم من الوهلة الأولى سيقوده الفضول إلى السؤال لكي يتعرف عليهم”.
غرس حب الوطن
سلمى عمر، أستاذة في مدرسة الأبيض الأساسية، تقول لـ(اليوم التالي): “يجب على الجميع غرس حب العلم وربطه بحب الوطن عند الأطفال”، وتضيف: “نقوم في المدارس بتعليم الصغار التعرّف على السودان وهويته، بجانب تعليمهم رسم الأعلام في جدران الفصول، لأجل تذكير هذا الجيل بما كان يقوم به الآباء والأجداد من تمجيد لهذا العلم”، وأردفت: “معلوم أن لكل علم قانون يحكمه، ويتضمن القانون مواصفات العلم ومقاساته والأغراض التي يستعمل فيها، وأماكن رفعه والأوقات التي يرفع فيها، وطريقة رفعه وعرضه في المواكب أو المسيرات والمناسبات، والعقوبات التي تفرض على من يقوم بإتلافه”.
الخرطوم – منهاج حمدي
صحيفة اليوم التالي