خلافات كبيرة في مواقفِ قادِته حول حكومة الوفاق الوطني المؤتمر الوطني.. هل ينجح في اختبار التنازل عن السلطة؟
دخلت حكومة الوفاق الوطني حيز التنفيذ بإجازة البرلمان للتعديلات الدستورية الخاصة بتشكيلها كبداية لمرحلة انتقال سياسي جديدة في السودان وسط تساؤلات ومخاوف برزت مبكراً لدى القوى السياسية المشاركة في الحوار والمقاطعة له من تكرار تجربة حكومة الوحدة الوطنية والتي تشكلت تبعاً لاتفاق نيفاشا، واللافت أن المؤتمر الوطني يحاول منذ إعلان التوافق على تشكيل هذه الحكومة داخل لجان الحوار الوطني إرسال التطمينات للقوى السياسية المشاركة في الحوار والمعارضة أيضاً لتبديد هذه المخاوف باعتزامه التنازل عن السلطة داخل حكومة الوفاق التي بدأها رئيس الجمهورية بمطالبة قيادات ومنسوبي حزبه، بالاستعداد للمرحلة المقبلة بالتخلي عن الوظائف الدستورية في كل المستويات لأجل منح الآخرين فرص المشاركة بالمستويين التشريعي والتنفيذي، وفي ذات السياق نبّه نائب رئيس الجمهورية السابق علي عثمان محمد طه عقب إجازة التعديلات الدستورية الخاصة بحكومة الوفاق أنها وضعت المؤتمر الوطني أمام امتحان التنازل عن السلطة وفتحها لمشاركة الجميع .
ويرى مراقبون أنه على الرغم من أن هذه التطمينات تأتي من أرفع القيادات في حزب المؤتمر الوطني إلا أن المخاوف المتعلقة بحدوث انتقال سياسي حقيقي عبر حكومة الوفاق الوطني المزمع تشكيلها تظل حاضرة ولا تزال قائمة لدى القوى السياسية خاصة المشاركة في الحوار، وخاصة حول ضمانات تنفيذ ما جاء في وثيقة الحقوق والحريات في الحوار، والتي تسند حجتها بعدم اشتمال التعديلات على القوانين الخاصة بالحريات لوضع أساس جديد لحكم البلاد عبر عملية الانتقال السياسي وإنجاز تحوّل ديمقراطي
ما يزيد مخاوف هذه القوى أن مسار تنفيذ مخرجات الحوار اهتم بالشكل لا الجوهر ما يجعلها تتحسب من تكرار تجربة نيفاشا.
ويرى مراقبون أن نيفاشا تجاهلت إلغاء القوانين المقيدة للحريات في تنفيذها كأهم الركائز الأساسية التي قامت عليها للوصول لتحول ديمقراطي، وذات السناريو يعود بعد دخول التعديلات الدستورية للبرلمان خالياً من المواد المتعلقة بالحريات، مضافاً إلى ذلك التصريحات الصادرة من قيادات رفيعة في المؤتمر الوطني التي تصب في اتجاه تمسك المؤتمر الوطني بالأغلبية التي حازها من انتخابات (2015) على شاكلة حديث نائب رئيس المؤتمر الوطني إبراهيم محمود بأن منصب رئيس الوزراء سيكون من نصيب حزب الأغلبية الذي يُفهم منه الإشارة إلى أن حزبه الحائز على الأغلبية في الانتخابات .
وهناك حديث الأمين السياسي للمؤتمر الوطني حامد ممتاز لأجهزة الإعلام عقب الجمعية العمومية للحوار الذي أكد فيه أن شرعية ا نتخابات 2015 لا تلغيها أية شرعية أخرى باعتبارها تفويضاً دستورياً من كل الشعب السوداني، مشيراً إلى أن مقترحات الحوار تحدثت عن مشاركة في الجهازين التشريعي والتنفيذي المركزي والولائي رغم أنها جاءت بمقتضى الانتخابات لكن قوى الحوار الوطني قبلت أن يحدث تعديل في البرلمان والمجالس التشريعية ليكون هناك مزيد من المشاركة لاهل السودان.
وهنا يأتي السؤال: ما هي ضمانات استمرار تنفيذ مخرجات الحوار، وهل ثمة وجه شبه بما يحدث الآن قياساً بالمعطيات التي أدت لفشل نيفاشا دون الوصول لتحول ديمقراطي؟
حول جاهزية المؤتمر الوطني لتقديم تنازل حقيقي عن السلطة، وهو يتحدث عن الأغلبية؟ هنا يُجيب أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين بروفيسير حسن الساعوري قائلاً إن مخرجات الحوار الوطني تحدثت عن حكومة وفاق وطني، وهذا يعني عدم احتكار المناصب وعدم الكيد السياسي والمؤامرات، وهي عملية توافق أو تعايش، ويضيف الساعوري شارحاً في حديثه للصيحة إن كان المؤتمر الوطني يريد التوافق مع الآخرين، يجب ألا يكون له نصيب الأسد ويحوز على رئاسة الجمهورية والوزراء والوزارات السيادية، وإن أراد المؤتمر الالتزام بالوفاق عليه القيام بتسوية في المناصب الدستورية وألا يحتكرها كلها باعتباره الحزب الكبير، وفي نفس الوقت لا يُظلم، وعن توقعاته بإحداث تغيير على مستوى السلطة والحريات خلافاً لما حدث في نيفاشا اكتفى بالقول إن مخرجات الحوار أكدت على وجود الحريات، وزاد: إن كانت الحريات لم تُضمن في التعديلات الدستورية يمكن للأحزاب الأخرى أن تبادر بتقديمها، منبهاً المؤتمر الوطني لعدم الحديث عن الأغلبية في هذه المرحلة باعتبار أن المنهج السائد في المرحلة القادمة هو منهج وفاقي، وليست هناك جاحة للتصويت، وإنما كل شيء يتم بالتوافق ويتفق الجميع على الخطوط المسيّرة للدولة، وهنا تصبح الأعلبية ليست ذات قيمة إن التزم الجميع بالمنهج الوفاقي .
وعما إذا كانت الأجواء مهيأة لتحاشي تكرار تجربة نيفاشا، قال إن الأجواء في الداخل مهيأة تما لعدم تكرار التجربة، لكن في الخارج هناك مجموعات لا تزال تحمل السلاح، وهناك أحزاب رافضة، كل هذا مؤشر لأن تكون المعالجة غير شاملة، ولا معنى للوفاق لأن المؤتمر الوطني قد يصر على مواقفه في الحريات، لأن هناك قوى تحمل السلاح وأخرى رافضة، وفي هذه الحالة فإن تعديل الحريات لن يكون مفيدًا إلا إذا وضع الجميع السلاح .
من جانبه، يرى عميد كلية الدرسات الإستراتيجية بجامعة الزعيم الأزهري د. آدم محمد أحمد في حديثه للصيحة أن حكومة الوفاق الوطني هي عملية تغيير لجلد سلطة المؤتمر الوطني مع الاحتفاظ بعظم ولحم السلطة الموجودة أصلاً، ويرى آدم أن المؤتمر الوطني لن يتنازل عن قبضته في السلطة، وسيحدث تغييراً شكلياً وليس كالتغيير الذي حدث في نيفاشا الذي ضم معارضين حقيقيين بوجود فاعل داخل السلطة التنفيذية، ووجود فاعل في البرلمان، وكل هذا مسنود بحماية دولية، أما الحكومة التي ستتشكل من مخرجات الحوار فلا يمكن أن يكون لها وجه شبه مع نيفاشا، لجهة أن حكومة الوفاق مشكّلة من مجموعات ضعيفة حليفة للمؤتمر الوطني بينما الأحزاب المعارضة القوية خارج الحوار، ويرى آدم أن حكومة الوفاق هي مزيد من توسيع قاعدة الحكومة والصرف عليها، وأضاف أن التعديلات التي دفع بها المؤتمر الشعبي لن يتم القبول بها، مستدلاً على أن التعديلات الدستورية التي أجيزت لا تمثل(30%) من مخرجات الحوار .
ويذهب المحلل السياسي د.عبد اللطيف البوني في حديثه للصيحة إلى أن التناقض في التصريحات الصادر من قيادات الوطني حول حكومة الوفاق الوطني تظهر أن هناك انقساماً واضحاً داخل المؤتمر الوطني، وتؤكد أنهم ليسوا على قلب رجل واحد في قبول مشاركة الآخرين له في السلطة، ويشير البوني إلى أن الانقسام هو انقسام أجيال، وأوضح أن مجموعة الشباب الذين نشأوا في الإنقاذ رافضة لمشاركة الآخرين في السلطة، وتصر على الانفراد بالسلطة، بينما الشيوخ أكثر حماساً للمشاركة في قسط من السلطة مع الآخرين، ويضيف البوني قائلاً: للأسف الشديد واضح أن رفض الشباب للمشاركة مسنود من جهات متقدمة في السن داخل المؤتمر الوطني، وهذا يعني أن الاتجاه الغالب فيه ماضٍ في اتجاه الانفراد بالسلطة وعدم المشاركة، لأن الشباب الذي نشأ في الإنقاذ اكثر قدرة على تسيير الحزب وهم فيهم شيء من الشراسة والإنفراد بالسلطة .
واستبعد البوني أن تُمنح هذه الأحزاب مناصب سيادية وإتاحة الفرصة لها في صنع القرار لأن المؤتمر الوطني يتعامل معها كأفراد وليس كأحزاب، لذلك ستكون مشاركتها في البرلمان ومناصب وزراء الدولة.
الصيحة