أقوى حيوان في العالم يحمل أثقالا أضعاف وزنه
يستطيع الرياضيون من رافعي الأثقال حمل بعض الأوزان الثقيلة للغاية بحق، لكن هناك في الطبيعة حيواناتٍ ذات قوة مذهلة أيضا.
ربما يكون الأمريكي بول أندرسون هو أقوى إنسان عاش على وجه الأرض؛ فقد كان بمقدوره حمل ثمانية أشخاص على ظهره، أو دق مسمارٍ بقبضته ليخترق بضربة واحدة لوحيّن من الخشب.
في عام 1957، قيل إن أندرسون حمل على ظهره ما يصل إلى 2.8 طنا، ليسجل بذلك رقماً قياسياً عالمياً لم يدم طويلاً، فقد سُحب منه في وقت لاحق، نظراً للافتقار للبراهين التي تؤكد حدوث ذلك بالفعل.
ولم يتفوق أحدٌ قط على أندرسون في هذا المضمار، رغم أن البعض اقترب من ذلك. أما في المملكة الحيوانية، فسنجد كائناتٍ قادرة على أن تكون استثنائية بحق فيما يتعلق بمدى قوتها.
فإذا تحدثنا عن حمل الأوزان على الظهر؛ سنجد أن للبشر تاريخاً طويلاً في استغلال الحيوانات كدوابٍ للعمل وحمل الأثقال. ففي الغرب، استُخدمت الجياد في نقل الأمتعة الثقيلة أو جرها عبر الأراضي الوعرة منذ العصر الحجري.
ورغم أن دراسة نُشرت عام 2008 أفادت بأنه لا يتعين تحميل الخيول خفيفة الوزن بأثقالٍ تفوق 20 في المئة من وزنها؛ فإن الجياد الأخرى الأثقل وزناً تُربى خصيصاً للاستفادة من قدراتها الكبيرة في هذا المجال.
فعبر التركيز على التربية الانتقائية لسلالات الجياد الأكبر حجماً، نجح البشر في توليد سلالات عملاقة منها، مثل سلالتيّ “شاير” و”كلايزدايلز”. وتُعرف هذه الخيول ثقيلة الوزن بأنها “أحصنة جر” نظراً لقدرتها على سحب وجر الأوزان الثقيلة.
وقد لعبت دوراً شديد الأهمية خلال الثورة الصناعية، بدايةً من سحبها للعربات ذات الدولابين، ثم جرها لنظيراتها ذات الدواليب الأربعة، قبل أن تنتقل إلى مرحلة جر الصنادل البحرية التي تمضي في المجاري المائية بينما تسير الجياد على بر قريبٍ منها، وصولاً إلى سحبها مركبات تنقل المواد اللازمة لمد خطوط السكك الحديدية.
وعندما اختُرِعت المحركات التي تعمل بالبخار، قُورنت قدراتها بقوة الجر الهائلة التي تمتلكها الخيول.
وابتكر المهندس الاسكتلندي جيمس واط وحدةً لقياس القدرة أطلق عليها اسم “الحصان”، بناءً على تجربة تضمنت تدوير الأحصنة لحجر طاحونة في مكان لإعداد الجعة. وبحسب تقديرات واط، بمقدور الحصان الواحد حمل وزنٍ يصل إلى 33 ألف رطل (15 طناً) ليرتفع عن الأرض قدماً واحدة خلال دقيقة.
ورغم أن ذلك يُعتبر في بعض الأحيان تقديراً مبالغاً فيه لمتوسط قوة الجياد ثقيلة الوزن، فقد خلصت دراسة أُجريت عام 1993 حول “قدرة الحصان” إلى أن تقدير واط كان دقيقاً بشكل كبير. ولا تزال وحدة القياس هذه صامدةً ومستخدمةً لتوضيح قدرة المحركات الخاصة بالآلات حتى اليوم.
أما “أحصنة الجر” فلا تزال مُستخدمة لسحب العربات ذات الدولابين في بعض مصانع الجعة التقليدية، كما يُنتفع بها كعناصر جذبٍ للسائحين. كما يُستفاد من تلك الخيول في الأنشطة الخاصة بصيانة الغابات وتنظيم شؤونها، نظراً لأن ما تسببه من أضرار بيئية أقل مقارنة باستخدام آلاتٍ ثقيلة.
وتقول أنجلا وايتواي من جمعية معنية بالخيول من سلالة “شاير” في المملكة المتحدة إن الهيكل العظمي لجياد هذه السلالة يماثل نظيره في السلالات الأخرى. ولكنها تشير إلى ما يُعتقد من أن القدرة الهائلة لأحصنة تلك السلالة على الجر، تعود لكون ساقاها الخلفيتان قريبتيّن من بعضهما البعض، وهو ما يمكن الجواد “من توظيف قوتهما بشكل أكثر فاعلية مما إذا كانتا متباعدتيّن”.
وتضيف وايتواي أنه من المسلم به بشكل عام أن بوسع “أحصنة العمل” من سلالة “شاير” أن تسحب دون عناء ما يصل إلى ضعف وزنها، وهو ما يعني أن الحصان الذي يبلغ وزنه في المتوسط طناً قادرٌ على سحب أوزان قد تصل إلى طنيّن. ومع ذلك، ثمة حيواناتٍ أخرى قادرةٌ على جر وحمل ما هو أثقل.
ففي شرق العالم، استُخدم “الفيل الآسيوي” لآلاف السنين لنقل الناس والبضائع. وقد مثلت الاستعانة بالأفيال – تاريخياً – إحدى السمات الرئيسية المُمَيزة لعمليات قطع الأشجار ونقل جذوعها. إذ نقلت تلك الأفيال أحمالاً ثقيلة من الأخشاب الصلبة عبر الغابات الوعرة. ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة؛ فمن الشائع للأفيال التي يُستعان بها في هذه العمليات في سريلانكا أن يحمل كلٌ منها ما يتراوح بين ثلاثة إلى أربعة أطنان يومياً.
وقد درس جون هاتشينسون من الكلية الملكية للطب البيطري في العاصمة البريطانية لندن، القدرات الحركية للأفيال الآسيوية، وربط بين القوة التي تتميز بها هذه الحيوانات والعديد من مواصفاتها الجسدية.
فبينما يشكل الهيكل العظمي للعديد من الحيوانات الثديية نحو 10 في المئة من وزنها، فإنه يمثل قرابة 20 في المئة من وزن الأفيال، وهو ما يعني أنها تنعم بهيكل جسدي أكثر قوة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الحيوانات الضخمة تتميز كذلك – كما يقول هاتشينسون – بأطرافٍ عمودية، وهو ما يُمَكِنُها من أن تقاوم قوة الجاذبية التي تشدها نحو الأرض بشكل أفضل.
كما يساعدها ذلك على تحمل ثقل أجسادها، بالإضافة إلى أي حمولة أخرى على توضع ظهورها.
بجانب ذلك كله، تمتلك الفيلة تلك الخراطيم المثيرة للإعجاب، التي تخلو من أي عظام أو غضاريف، ويتألف كلٌ منها من نحو 150 ألف حزمة من الألياف العضلية.
وبفضل هذا الطرف متعدد الاستخدامات؛ يمكن للأفيال أن تتواصل مع بعضها البعض عبر مساحات واسعة، وأن تُمسك بفروع الأشجار. كما تتيح لها الفرصة لتعزيز الروابط فيما بينها في إطار القطيع، وكذلك رفع أوزان ثقيلة.
لكن الغموض يكتنف البيانات الخاصة بأقصى وزنٍ يمكن للفيل الواحد رفعه، على غرار ما هو حادثٌ بالفعل مع المعلومات المتعلقة بالقدرات البشرية في هذا الشأن. رغم ذلك، فمن المعتقد أن الفيل الضخم قادرٌ على أن يرفع بخرطومه جذع شجرة يصل وزنه إلى 300 كيلوغرام.
ولهذا فمن الممكن تصنيف الأفيال على أنها الحيوانات الأكثر قوة على ظهر الأرض حالياً، وذلك إذا ما كان معيارنا هنا مقدار الوزن الذي تستطيع حمله، ليس إلا.
لكننا لا نستطيع أن نغفل بطبيعة الحال كون الأفيال ضخمة الحجم من الأصل. ولذا يمكن القول إن أقوى الحيوانات هي في واقع الأمر أصغرها حجماً.
وفي هذا السياق، يُعرف النمل بأنه من بين أفضل رافعي الأثقال ذوي الوزن الضئيل للغاية في العالم. ورغم أن قدرات هذه الحشرات تتفاوت في هذا الشأن من نوعٍ لآخر، فإن بعضها قادرٌ على رفع أوزانٍ تزيد على وزن أجسادها بما يتراوح بين 10 إلى 50 مرة.
وفي عام 2010، صوّر باحثون من جامعة كمبريدج نملةً آسيوية نساجة من نوع “إيكوفللا سمارادينا” وهي ترفع وزناً يزيد بواقع 100 مرة عن كتلة جسدها.
وبينما يعتمد البشر في رفع الأثقال على عضلات الظهر القوية، وتستخدم الأفيال خراطيمها في هذا الشأن، فإن النمل يُعوّل على عضلات فكه القوية للغاية لرفع أوزانٍ ثقيلة بحق.
وتصل قوة هذه العضلات لدى النملة المنتمية لجنس “النمل ذو الفك الشبيه بالفخ” (أودونتومكَس) إلى حدٍ قد يجعلها تثب في الهواء إذا وجهت فكيها باتجاه الأرض وأغلقتهما بسرعة وبشكل مفاجئ.
لكن عالم الحشرات يشتمل على مجموعة أخرى من الكائنات الموهوبة في مجال رفع الأثقال؛ ألا وهي الخنافس.
ومن بين هذه الخنافس نوع يحمل اسم “خنفساء هرقل” (ديناستس هيركيوليز). وقد سُميت هذه الحشرة على اسم البطل الإغريقي القديم هرقل؛ الذي كان يُنظر إليه باعتباره نصف إله.
ورغم أن ذلك قد يجعلنا نتوقع أنها ذات قوة فائقة، ما من دليلٍ يعزز ما يتردد كثيراً عن أن بوسعها حمل ما يزيد على وزنها بواقع 850 مرة.
وللتعرف على حقيقة ما يتردد حول قوة تلك الخنفساء المنتمية إلى مجموعة معروفة باسم “خنافس وحيد القرن”، قرر خبير الحركة رودجر كرام، الذي يعمل حالياً في جامعة كولورادو بولدر الأمريكية، إخضاع نوعٍ آخر من خنافس المجموعة للاختبار، ليكتشف أن أقصى وزنٍ يمكن لها حمله لا يتجاوز 100 مرة ضعف وزنها.
وفي عام 2010، توّج نوعٌ آخر من الخنافس بلقب الأقوى في العالم. اللافت أن هذا النوع يعيش في بيئةٍ شديدة التواضع بل والوضاعة؛ إذ يحيا مُحاطاً بالروث، وهو ما يجعل قصة صعوده للقمة في مجال رفع الأثقال أشبه بقصص الأبطال من بني البشر ممن يصلون لذروة المجد والنجاح رغم أصولهم المتواضعة.
فبوسع هذه الخنفساء المعروفة باسم “خنفساء الروث ذات القرون” سحب أوزان تزيد عن وزنها هي بواقع 1141 مرة.
واكتشف روب نِل من كلية الملكة ماري بجامعة لندن هذه المقدرة الفذة لدى إجرائه بحثاً عن أساليب التزاوج لدى ذلك النوع من الخنافس. فذكور هذه الحشرات تستخدم قرونها لإلحاق الهزيمة بأترابها، وإجبارهم على الخروج من الأنفاق التي تعيش فيها وإبعادها عن الإناث.
ولا يباري تلك الخنفساء في قوتها الهائلة هذه قياساً بحجمها، سوى حشرة عث شبيهة بالخنافس من نوع يُعرف علمياً باسم (آرتشَغوزيتس لونغايستوسس). وتتسم هذه الحشرة بأنها صغيرة إلى حدٍ لا يجعل بوسع الإنسان رؤيتها سوى تحت المجهر؛ إذ أن وزنها لا يزيد على 100 ميكروغرام، وهي تعيش بين فروع الأشجار وأوراقها وجذورها.
وفي عام 2007، اكتشف باحثون أنها قادرة على الإمساك بأثقالٍ يزيد وزنها بواقع 1180 مرة على وزنها هي، وأن بوسعها أن تسحب بمخالبها وزناً يفوق كتلة جسدها بنحو 540 مرة.
وربما تعود القوة الخارقة التي تتمتع بها هذه الكائنات دقيقة الحجم إلى سمة غريبة من نوعها في علم الطبيعة.
وقد تناول العالم الكبير غاليليو غاليلي هذا الأمر بشكل دقيق في كتابه “عِلمان جديدان” الذي صدر عام 1638، وأشار فيه إلى أن الحيوانات الأصغر حجماً تكون أكثر قوة ونشاطاً – بالنسبة لحجم أجسادها – مُقارنةً بالحيوانات الأكبر حجما.
ويعود الأمر هنا إلى التناسب ما بين قوة الحيوان ووزنه. فرغم أن للحيوانات الأكبر حجماً عضلاتٍ أضخم كذلك؛ فإن جانباً كبيراً من قوتها يُكرس لدعم قدرتها على تحمل وزنها هي نفسها، وهو ما لا يترك لها نصيباً وافراً من القوة يُمَكِنُها من حمل أوزان إضافية كبيرة.
في المقابل، ليس لدى الحيوانات دقيقة الحجم كتلةٌ جسدية كبيرة لتتحمل ثقلها، وهو ما يُمَكِنُها من تكريس جانبٍ أكبر من قوتها العضلية لرفع أي أوزان أخرى.
كما أن هناك عوامل بيولوجية إضافية تصب في صالح الحيوانات صغيرة الحجم. فعلى سبيل المثال، كلما زاد حجم الحيوان كلما احتاج قدراً أكبر من الطاقة للإبقاء على وظائفه الحيوية الأساسية، مثل التنفس وجريان الدورة الدموية.
أما الكائنات الأصغر مثل الخنافس، والتي تتسم أنظمة جسدها الداخلية بأنها أكثر بساطة وتلاحماً، فتستطيع تكريس قدرٍ أكبر من الطاقة التي تكتسبها من الغذاء لبناء هياكل خارجية قوية بمقدورها حمل الأوزان والأثقال، بشكل أفضل من الأنسجة اللينة والمرنة.
ولكن مع التسليم بأن بوسع الحشرات إظهار أنها تتمتع بقوة مذهلة قياساً إلى حجمها، فإنه لا يمكن أن نتوقع أن يتسنى لنملةٍ – على سبيل المثال – أن تبقى محتفظةً بمثل هذه القوة، إذا زاد حجمها ليصبح مساوياً لحجم الإنسان.
وتقول كلَير آشر، الخبيرة في علم الأحياء، والتي تسهم في إعداد برامج لصالح موقع “بي بي سي إيرث”، إن وصول النملة إلى حجم الإنسان سيجعلها “َضعيفةً بشكل كبير، لأن مساحة المقطع العرضي لأرجلها ستنمو بمعدلاتٍ أقل كثيراً من نمو حجم جسدها”.
وتضيف أشر: “لن تكون قادرةً حتى على الوقوف. والأسوأ من ذلك بكثير، أنها لن تستطيع التنفس كذلك. فالنمل يستخدم فتحاتٍ صغيرة للغاية، تُعرف باسم الفوهات التنفسية لتوزيع الأوكسجين بين أجزاء الجسد المختلفة، وهو ما يعني أن زيادة حجمها إلى ما يساوي حجم الإنسان، سيجعل هذه الفوهات شديدة الصغر بقدر لا يُمَكِنُها من توفير الأوكسجين للجسد بالكامل”.
وتنطبق هذه المبادئ على كل الحيوانات، وهو ما يعني أن لكل نمطٍ وقالبٍ جسمانيٍ في عالم الكائنات الحية حيزاً محدوداً من الأحجام التي يتسنى له في إطارها القيام بوظائفه بفعالية.
وهو ما يجعل ظهور غوريلا شديدة الضخامة مثل كينغ كونغ أو نملٍ عملاق قاتل أمراً غير قابلٍ للحدوث، حسبما تقول آشر.
ويعني كل ما سبق أن الحيوانات الأكثر قوة في عالمنا اليوم ربما تمثل بدقة أسلافاً لها عاشت قديماً، وكانت الأقوى في عصرها كذلك. فكوكب الأرض شكّل موطناً لمخلوقات أكثر ضخامة بكثير من الأفيال.
والمعروف أن الفيل سيبدو قزماً إذا ما قورن بأكبر ديناصور عاش على وجه البسيطة. رغم ذلك، فربما لم يكن بمقدور هذه المخلوقات الضخمة حمل أوزانٍ تزيد كثيراً عما تحمله الأفيال الآن، إذ أن للقوة حدودها على ما يبدو.
BBC