منى ابوزيد

يحدث في بلاد الفرنجة ..!

«الإنسان يعلو على الإنسان بالبحث عن المعنى» .. مصطفى محمود ..!
كان «كريم» زاوي – المواطن الفرنسي من أصل عربي- يعمل بوظيفة عادية في إحدى شركات النقل (أي ليس على رأسه ريشه من أي نوع!)، وينجح بالكاد في توفير الأمان المادي اللازم لإعالة أسرته، عندما واجهت زوجته الفرنسية متاعب صحية بالغة في حملها بطفلهما الثاني ..!
وضع «كريم»رأسه بين يديه وهو يفكر في أيام أجازاته التي استنفدها جميعاً في العناية بزوجته التي تعرضت لنزيف بالمخ ألزمها حجرة العناية المركزة بإحدى المستشفيات، وملازمة ابنته الوحيدة التي يتولى رعايتها بالمنزل، عندما سمع أحد زملائه الفرنسيين يصيح على طريقة أرشميدس : وجدتها .. لقد خطرت لي فكرة ..‍!

قبل شهور من تلك الحادثة صدر قانون في فرنسا يسمح بالتنازل عن الإجازات بين العاملين في مؤسسة واحدة، إذا اقتضت الحاجة لذلك، لذلك كانت فكرة ذلك الزميل هي إطلاق نداءاً يحث بقية العاملين بالشركة على التبرع بأيام من أجازاتهم لـ «كريم»، فاستجاب لذلك النداء الإنساني عشرات الزملاء الذين تبرعوا بأيام من أجازاتهم، فأنقذوه بذلك من براثن الفصل عن العمل ..!
فما الذي فعلته إدارة الشركة؟! .. بعد موافقتها غير المشروطة على طلبات تبادل الأجازات، أصدرت الإدارة قراراً بصرف جميع علاوات كريم، رغم غيابه الطويل والمتكرر عن العمل، مساهمة منها في استقرار وضعه المالي..!
قاتل الله المقارنات! .. هذه الحادثة ـ على بساطتها ـ تحيلنا رأساً إلى مقولة سيد قطب الشهيرة عن المسلمين بلا إسلام، والإسلام بلا مسلمين.. فهي على صغر حجمها مقارنة بكوارث الشعوب ومصائب الأمم تثير استفهاماً وجودياً خطيراً حول ما وصل إليه سلوك زملاء العمل «الخواجات» من رحابة ورحمة ورقي، وما آل إليه سلوك أهل الخدمة المدنية من بني الإسلام الذي أودع الله تعاليمه اللوح المحفوظ .. وبين اختلاف وتفاوت الحضارات الذي هو ـ كما يقول مالك بن نبي ـ شيء يتكون وينمو ويعيش ويمتد ويزول ..!

أين مثل تلك المواقف التي «تؤنسن» تواصل البشر على اختلاف اللون والدين والعرق ـ وفي مجتمع لا يحكمه دين ولا تؤطره عقيدة ـ في مجتمعات الإسلام السياسي والعروبة الثقافية، حيث يبلغ الموظفون المناصب بحفر القبور، ويحصدون الحوافز والترقيات بإشعال الفتن ..!
أين هؤلاء الذين تجمعهم قيم الإسلام وأخلاق المواطنة من أخلاق الخواجات العلمانيين.. ولماذا سادت حضارة أولئك وتقهقرت حضارة هؤلاء ؟! .. لأنهم – بكل بساطة – اعتبروا الدين تراثاً وليس كسباً! .. ولأنهم ـ والحق أوجب أن يقال! ـ يتعاملون مع نصوص القرآن والسنة من وراء حجاب الأسانيد و(العنعنة) ..!
مشكلة الإسلام اليوم، ليست في ابتعاد المسلمين عن أداء العبادات والشعائر، فالمساجد تعج بالمصلين .. والحجاب ما يزال هو الزي النسائي المعترف به شرعاً وعرفاً .. والصدقات تملأ صناديق التبرعات .. والخطب تملأ أركان المساجد .. لكنها آفة الفرق بين الحرص على إقامة الشرع والاكتفاء بتأدية الشعائر .. فهل من مُذَّكر ..؟!

هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة

تعليق واحد

  1. هذا هو الحديث اكرمك الله وصانك يا اختاه ويا ليت لو ان لنا بكل يوم بكلام مثل كلامك حتى يفهم الناس الاسلام على حقيقته ومعناه الحقيقي في التعامل والعمل به لا تادية الفرائض فقط والبعد عن المفهوم الاخلاقي للاسلام فالرسول(ص) قال في شرحه للايمان ما وقر في القلب وصدقه العمل وهكذا صار اصحابه والخلفاء الراشدين علي منواله في القيم والاخلاق لا في تقليده في اداء الفراض واللبس وغيرها فقط بل بمفهوم الاخلاق وقال الشاعر انما الامم الاخلاق ما بقيت فان ذهبت اخلاقهم ذهبوا ولك جل الشكر والتقدير اختنا