عالمية

مسلمو الولايات المتحدة يخشون ترامب

منذ بدء الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، راح العرب والمسلمون في الولايات المتحدة يعبّرون عن قلق ما. بالنسبة إليهم، لن يحمل عهده الخير لهم، فتصريحاته لم تطمئنهم.

من يتابع تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، لا شكّ في أنّه يلاحظ الطرق المختلفة التي يقول بها في ما يتعلق بالتعامل مع المسلمين داخل الولايات المتحدة الأميركية أو مع الوافدين إليها. خلال حملته الانتخابية، دعا إلى منع دخولهم إلى البلاد، إلا أنّه توقّف بعد انتخابه عن إطلاق تصريحات واضحة حول الموضوع. أمّا مستشاروه والمقرّبون منه، فلم يمتنعوا عن الأحاديث الإعلامية حول هذا الشأن، كأنّهم يبحثون من خلالها عن ردود فعل.

ويأتي “التعامل” مع العرب والمسلمين بحجّة منع الإرهاب ولا سيما تنظيم “داعش” من ضرب الولايات المتحدة، بحسب سيناريوهين. أوّلهما إنشاء معسكرات كتلك التي أقيمت في الولايات المتحدة الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية لاحتجاز المواطنين من أصل ياباني. وثانيهما استحداث سجلات لتوثيق أسماء المسلمين الوافدين إلى البلاد، أو الأشخاص الآتين من دول ذات أغلبية إسلامية، والتي عمل بها نظام جورج بوش الابن بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول من عام 2001.

خلال لقاء تلفزيوني على محطة “فوكس نيوز” الأميركية اليمينية، قال كارل هايجيب وهو أحد الداعمين المقرّبين من ترامب، إنّ على الولايات المتحدة التفكير بطرق للتعامل مع الخطر الإسلامي وثمّة أمثلة تاريخية يمكن أخذها بعين الاعتبار. وأشار إلى ما اعتمدته الولايات المتحدة مع اليابانيين، من سكانها، خلال الحرب العالمية الثانية. لكنّه تراجع بعدها عن طرحه وتحجّج بأنّ المذيعة استدرجته إلى ذلك. يُذكر أنّ هذا التصريح أدّى إلى امتعاض كثيرين ليس فقط لبشاعة ما حدث آنذاك، بل لمجرّد طرح الموضوع أصلاً. ما الذي حدث آنذاك للأميركيين من أصول يابانية؟

في عام 1941، هاجمت اليابان الولايات المتحدة الأميركية ودمّرت جزءاً من أسطولها البحري، في ما عُرف بهجوم بيرل هاربر، القاعدة العسكرية البحرية الأميركية في جزر هاواي في المحيط الهادئ. وقد أدّى هذا الهجوم بحسب مؤرّخين، إلى دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية. أصدر الرئيس الأميركي آنذاك، فرانكلين روزفلت، مرسوماً يعلن عن مناطق عسكرية مغلقة داخل البلاد نُقل إليها نحو 120 ألف أميركي من أصول يابانية أو يابانيين كانوا يعيشون في الولايات المتحدة في منطقة الساحل الغربي. وُضع هؤلاء في مخيمات لثلاث سنوات تقريباً وكان أغلبهم – أكثر من ستين في المائة منهم – مواطنين أميركيين. ومنعت عائلات بأكملها مع أطفالها وشيوخها من دخول كاليفورنيا ومناطق أميركية أخرى إذ منعت من مغادرة تلك المخيمات. تجدر الإشارة إلى أنّ وزارة الإحصاءات والداخلية الأميركية ساهمت في الكشف عن أماكن سكنهم، الأمر الذي مكّن الشرطة العسكرية من جمعهم وترحيلهم إلى تلك المناطق.

كانت العنصرية والشكّ في ولاء هؤلاء للولايات المتحدة من الدوافع الأساسية لاحتجاز هؤلاء في سجن أو مخيم كبير مُنعوا من مغادرته والتحرّك. هم أخرجوا من بيوتهم كأنّهم مجرمون لمجرّد تحدّرهم من أصول يابانية. فهؤلاء بمعظمهم كانوا من الجيل الثاني والثالث من اليابانيين المولودين في الولايات المتحدة. وفي عام 1980، بعد ضغط إعلامي وشعبي قادته إحدى الجمعيات اليابانية، أجبر الرئيس الأميركي آنذاك جيمي كارتر على تعيين لجنة للتحقيق في الموضوع. وكانت واحدة من مهامها النظر في توفّر الأسباب “المعقولة” التي دفعت الحكومة الأميركية إلى اتخاذ تلك الخطوة. وقد خلصت اللجنة إلى أنّ الدافع الرئيسي لحبس الأميركيين من أصول يابانية كان “العنصرية وهستيريا الحرب”. بالتالي، دفعت الحكومة الأميركية في سابقة نادرة في عهد الرئيس رونالد ريغان، تعويضات رمزية للناجين واعتذرت منهم.

بناء على ما ذُكر، فإنّ تحدّث مقرّبين من ترامب عن إمكانية أخذ ذلك السيناريو بعين الاعتبار، مع تعديلات من أجل التعامل مع المسلمين والعرب الأميركيين، أمر يدعو إلى القلق.

أمّا السيناريو الثاني، فيقضي بحسب المقرّبين من ترامب بتجديد العمل بـ “نظام الأمن القومي لتسجيل الدخول والخروج” إلى الولايات المتحدة الذي وُضع بعد هجمات 11 سبتمبر. وهو يعتمد على تسجيل الزائرين والمقيمين في الولايات المتحدة من غير الأميركيين، عند دخولهم إلى البلاد وخروجهم منها، وكذلك أماكن سكنهم، بالإضافة إلى استدعائهم من فترة إلى أخرى للتحقيق أو للتأكد من صحة المعلومات المتوفرة عنهم. يُذكر أنّ ذلك لم يأتِ بأيّ فائدة تُذكر، بل دفعت العرب والمسلمين إلى الشعور بالملاحقة والمراقبة لمجرّد أنّهم كذلك أو أنّهم يتحدّرون من دول معينة. وقد وضعت الولايات المتحدة آنذاك قائمة بأسماء 25 دولة، كلها ذات أغلبية سكانية مسلمة بالإضافة إلى كوريا الشمالية. أوقف العمل بالبرنامج عندما سحب الرئيس الأميركي المنتهية ولايته اليوم باراك أوباما، في عام 2012، أسماء تلك الدول من القائمة. لكنّ البرنامج بحدّ ذاته لم يُلغَ، الأمر الذي يعني أنّ ترامب يحتاج فقط إلى إعادة إدراج أسماء تلك الدول أو دول أخرى يختارها على القائمة فيعيد تفعيل البرنامج.

بحسب تقرير نشرته منظمة حقوقية أميركية، فإنّ البرنامج سجّل أسماء أكثر من 80 ألف شخص وراقبهم، ووضع نحو 13 ألفاً منهم على قوائم الترحيل. ولم يتمكّن المدافعون عن البرنامج أو عن أيّ برامج شبيهة من إثبات فائدته في منع عمليات إرهابية ضد الولايات المتحدة.

العربي الجديد