لماذا يهتم العالم بسعر الفائدة الأميركية؟
ينتظر العالم، وليس الأميركيين فقط، قرار الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي بشان سعر الفائدة في آخر اجتماع شهري له في 2016، حيث يتوقع كثيرون أن يرفع سعر الفائدة للمرة الأولى منذ عام، وللمرة الثانية خلال أكثر من عقد من الزمن.
وكان الاحتياطي رفع سعر الفائدة في ديسمبر 2015 بربع نقطة مئوية للمرة الأولى منذ 10 سنوات، لتصل إلى ما بين ربع ونصف نقطة مئوية، بعد أن ظلت لفترة طويلة ما بين صفر وربع نقطة مئوية.
والتأثير المباشر لسعر الفائدة هو كلفة اقتراض النقد من الاحتياطي الفيدرالي، الذي كان قبل الأزمة المالية العالمية في 2008 مقصورا على البنوك الأميركية، لكنه توسع ليشمل “تبادل نقد” مع بنوك مركزية كبرى في أوروبا وغيرها.
لكن تأثير رفع سعر الفائدة الأكبر سيكون على سعر صرف الدولار الأميركي الذي يشهد ارتفاعا في العامين الأخيرين يؤثر على العالم كله، ليس فقط على القطاع المصرفي والمالي فحسب بل على تكاليف المعيشة للناس العاديين في أغلب دول العالم.
تأثير الدولار
ويصل سعر صرف الدولار الآن إلى أعلى مستوياته خلال عقد من الزمن، ويزيد بنسبة 40 في المئة على أدنى مستوى له في عام 2011.
ومن شأن زيادة سعر الفائدة الأميركية، ولو بربع نقط مئوية، أن يدفع سعر صرف الدولار للزيادة مجددا، وإذا أخذنا في الاعتبار السياسة الاقتصادية المتوقعة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب فإن الدولار سيواصل الارتفاع في عام 2017.
ورغم أن قوة الدولار تعني زيادة كلفة الدين الأميركي للعالم، فإن مرونة الاقتصاد الأميركي وقناعة المستثمرين في شتى بقاع الأرض بأنه اقتصاد سليم وقوي لا تضر كثيرا بالأميركيين في سوق الاستدانة والاقتراض.
لكن بقية العالم يتضرر، فالدين العالمي، المقدر بأكثر من 250 تريليون دولار، أغلبه بالدولار، وهناك 39 في المئة من الديون العالمية، ديون بالدولار.
أضف إلى ذلك، أن هناك دولا كثيرة تتبع خطى الاحتياطي الفيدرالي فترفع الفائدة إذا رفعها، خاصة الدول التي تربط عملاتها بالدولار.
وتمثل “منطقة الدولار” نحو 60 في المئة من سكان العالم، وتسهم بنحو 60 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وتنتج الدول التي تربط عملاتها تماما بالدولار الأميركي نحو ثلث الناتج الاقتصادي العالمي، كما أن أغلب أسعار السلع في العالم مقومة بالدولار، وتشكل التعاملات الدولارية 85 في المئة من مبادلات العملات الأجنبية في العالم.
وربما تكون سوق الائتمان، وسوق السندات (خاصة الدولارية منها)، الأكثر عرضة للتأثر الضاغط من ارتفاع سعر صرف الدولار، فهناك الكثير من الدول، خاصة الاقتصادات الصاعدة، اقترضت ديونا بالدولار الأميركي ستعاني بشدة من تكلفة سداد تلك الديون، وفوائدها.
ومن أكثر دول الاقتصادات الصاعدة التي بدأت تعاني بالفعل عبء دينها الدولاري نتيجة ارتفاع سعر صرف العملة الأميركية البرازيل وتركيا، وهناك دول أخرى تعاني بالفعل نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار، مثل فنزويلا ومصر وجنوب إفريقيا وإندونيسيا ونيجيريا وتشيلي.
مشكلة الصين
وتظل الصين أكثر الدول تأثرا بارتفاع سعر صرف الدولار، فحين رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة في ديسمبر الماضي بلغ حجم رؤوس الأموال التي خرجت من الصين في الربع الأول من 2016 ما يصل إلى 123 مليار دولار.
ويتراجع سعر صرف العملة الصينية (اليوان) على مدى العام ونصف العام الأخير، وانخفضت احتياطات الصين بنسبة 25 في المئة منذ عام 2014 وهي الآن في حدود 3.1 تريليون دولار.
وليس تأثر الصين فقط باختلال الميزان التجاري نتيجة فروق سعر العملة، إنما الأهم والأخطر هو الاتجاه العكسي لحركة رأس المال.
وتلك أيضا مشكلة الاقتصادات الصاعدة والأقل نموا التي تحتاج إلى انسياب رؤوس الأموال ولا تتحمل هروب الاستثمارات منها باتجاه الاقتصاد الأميركي، خاصة أن احتمالات رفع الفائدة على الدولار تزيد الآن بعد انتخاب ترامب رئيسا.
الدولار والسلع
وتبقى القاعدة في السوق أنه إذا ارتفع سعر الدولار انخفض سعر الذهب وبقية المعادن والسلع المقومة بالدولار وفي مقدمتها النفط.
ورغم أن اتفاق المنتجين مؤخرا على ضبط الإنتاج يحافظ على السعر الآن في نطاق 50 ـ 55 دولارا للبرميل، فإن استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار قد يمثل عامل ضغط على أسعار النفط لتعود لما دون الخمسين دولارا للبرميل.
وفي حين يعاني المنتجون لبعض السلع اضطرارهم لخفض أسعارها نتيجة ارتفاع قيمة الدولار، فإن المستهلكين في بقية أنحاء العالم يعانون ارتفاع كلفة مبيعات التجزئة.
سكاي نيوز