تحقيقات وتقارير

مغامرة الأفارقة مع ذهب الجزائر.. من جنة موعودة إلى غياهب السجون.. بينهم سودانيين

في منطقة جبلية نائية ومقفرة في أقاصي الجنوب الجزائري على الحدود مع النيجر، تقع منطقة “تيريرين”، التي لم يستطع إلا قلة من البشر الوصول إليها، لكنها منذ 2013 تحولت إلى قبلة لآلاف الأفارقة المنقبين عن الذهب.

الباحثون عن بريق الذهب أغراهم إلى درجة أنهم لم يأبهوا لا بطول المسافات، ولا بنشاط الجماعات الإرهابية وقطاع الطرق، الذين يجوبون الصحراء الكبرى شرقاً وغرباً، ولا بلهيب الحر الذي قضى على بعضهم عطشاً، ولا بقوات الجيش الجزائري المرابطة بكثافة على الحدود.

ففي 2015، ألقت قوات الجيش الجزائري على 1977 منقّباً عن الذهب، منهم 1274 ينحدرون من جنسيات إفريقية، والباقي جزائريون، كما قامت بحجز 1722 جهاز كشف عن المعادن، وعدد كبير من المولّدات الكهربائية ومطارق الضغط، و171 سيارة رباعية الدفع، وخرائط سرية وأسلحة.

وأوضح مصدر مطلع، للأناضول، أن “منقبي الذهب الأفارقة يدخلون من النيجر إلى الجزائر، نظر لأن الجنوب (الشرقي) الجزائري امتداد لمناجم الذهب في شمال النيجر”.

وينتشر عشرات آلاف المنقبين عن الذهب الأفارقة خاصة من تشاد والسودان والنيجر ومالي، في منطقة “دجادو” في شمال النيجر، التي لا تبعد عن الحدود الجزائرية سوى 200 كلم (قريبة بمعايير الصحراء).

وأشار المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن “سلطات النيجر سمحت للمنقبين (هواة) بالبحث عن الذهب في صحرائها، مقابل أن يدفع لها كل شخص بضعة دولارات يومياً؛ سواء وجد الذهب أو لم يجده، على أن يأخذ بعدها كل الذهب الذي يجده دون أن يدفع رسوماً إضافية”.

ونظرا لأن الجنوب الجزائري (خاصة منطقة جبال “الهقار”، بولايتي تمنراست وإيليزي) يحتوي على مناجم ذهب وألماس ومعادن نفيسة إضافة إلى اليورانيوم، فإن هذه المنطقة أصبحت محل أطماع المنقبين عن الذهب الأفارقة.

وكشف المصدر أن “مئات الأفارقة تم إحالتهم إلى القضاء الجزائري، وصدرت في حقهم أحكام بالسجن ما بين سنتين وخمس سنوات”.

وفي هذا سياق، تحدثت مصادر سودانية رسمية أن الرئيس السوداني عمر حسن البشير، تدخل لدى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، لإطلاق سراح 289 سودانياً من المنقبين غير الشرعيين عن الذهب، خلال زيارة رسمية قادته إلى الجزائر، في أكتوبر/ تشرين الثاني 2015.

وذكر المتحدث باسم الخارجية السودانية علي الصادق، في يناير/ كانون الثاني 2016، أن “289 من المنقبين عن المعادن السودانيين، احتجزتهم السلطات الجزائرية منذ عدة أشهر، سيتم الإفراج عنهم”.

ولاحقا، أعلن السفير السوداني في الجزائر عصام عوض متولي: “تخلف نحو 30 منهم لعدم اكتمال الإجراءات الخاصة بهم”، في إشارة إلى عدم الانتهاء من محاكمتهم قبل صدور العفو عنهم.

ولفت إلى أن “وزارة الخارجية بذلت جهوداً كبيرة مع نظيرتها الجزائرية للإفراج عن المعدنيين (المنقبين غير الشرعيين عن الذهب) وترحيلهم للسودان”.

وسبق أن تدخلت السلطات السودانية، لدى نظيرتها في النيجر وحتى في تشاد لإطلاق سراح مئات السودانيين الذي توجهوا إلى النيجر، بحثا عن الذهب إما بسبب الفقر والحروب خاصة في إقليم دارفور (غرب السودان) أو الرغبة في الثراء السريع.

الجزائر تطلب المساعدة

ولقطع الطريق على ناهبي الذهب، اتفقت الجزائر في الفترة الأخيرة مع شركاء من الصين وروسيا وقطر على الاستثمار في قطاع التنقيب عن الذهب، في منطقة تيريرين وأمسماسة (جنوب شرق)، خاصة بعد قرار الحكومة تأميم شركة استغلال مناجم الذهب، بعد 10 سنوات من التنازل عنها للشركة الأسترالية”جي آم أي”، في أكتوبر 2011.

وتراجع إنتاج الشركة الأسترالية من الذهب في منجم “أمسماسة” بشكل حاد منذ بداية 2011، من 80 كلغ شهرياً، إلى أقل من 10 كلغ شهريا في نهاية ذات السنة.

وكشف مدير الوكالة الوطنية للنشاطات المنجمية حسان حرياطي، في تصريح لصحيفة “النهار” الجزائرية، في نهاية أغسطس/ آب 2016، أنه تم الاتفاق مع شركة صينية (لم يسمها) من أجل الشروع في استغلال 3 مناجم للذهب بالجنوب الجزائري.

وستنطلق عملية الاستغلال خلال 2017 أو 2018 على أقصى تقدير، إضافة إلى مفاوضات مع شركة روسية (لم يذكرها) ستقوم بدراسات قبل بدء عملية التنقيب.

يأتي ذلك، بعد تأكيد وزير الصناعة والمناجم الجزائر عبد السلام بوشوارب، في 2015، على أن “الاستثمارات في مناجم الذهب بولاية تمنراست ستمنح لمتعاملين قطريين”.

وأشار حرياطي، إلى أن “هذه الإجراءات تدخل في إطار استغلال الموارد الطبيعية للجزائر، إضافة إلى قطع الطريق على العصابات الإجرامية التي تقوم بنهب هذه الثروات”.

وتجد السلطات الجزائرية صعوبة في استخراج الذهب والمعادن النفيسة، نظرا لوجودها في مناطق جبلية وصحراوية وعرة المسالك يصعب الوصول إليها، وتتطلب استثمارات كبيرة وتجهيزات متطورة وخبرة للتنقيب عليها واستخراجها.

وتتواجد مناجم الذهب في الجنوب الشرقي، كما تم اكتشاف مناجم أخرى للذهب في منطقة تيندوف بالجنوب الغربي، منذ أسابيع فقط.

وتبدي عدة شركات دولية خاصة من جنوب إفريقيا والبرازيل وكوريا الجنوبية رغبة في استغلال هذه المناجم، حسبما أعلنته المديرية العامة للمناجم في ولاية تيندوف في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016.

وبلغ احتياطي الجزائر من الذهب حسب المجلس العالمي للذهب 173 طناً، وتحتل المرتبة الثالثة عربيا بعد السعودية ولبنان، والمرتبة 24 عالميا.

أما الاحتياطي الخام فقدره وزير الطاقة والمناجم السابق يوسف يوسفي، في 2014، بأنه 100 مليون طن، قابلة للزيادة في حال تعزيز جهود التنقيب.

الجزائر/أيوب فخر الدين/ الأناضول