محلية الخرطوم.. صفا إنتباه
خالفت محلية الخرطوم اللوائح المالية وتوجيهات أمانة حكومة ولاية الخرطوم ووزارة ماليتها وإدارتها القانونية بتوقيع تعاقدات شخصية لعدد (50) وظيفة.. في وقت يبدو فيه أن رئاسة ولاية الخرطوم قد تراجعت عن قرارها الذي أصدرته العام الماضي بإيقاف التعاقدات الشخصية في الولاية، وإيقاف التعيين عبر ما يسمى بالمتعاونين، وصدقت رئاسة الولاية لمعتمد محلية الخرطوم بعدد (50) وظيفة تعاقدية، بينما وافقت وزارة المحلية على التصديق للمعتمد بعدد (375) وظيفة مؤقتة.
لم تنحصر مخالفات محلية الخرطوم في عدد تلك الوظائف فقط، بل قفز معتمدها الى التصديق على مبالغ مالية لصيانة وتأهيل عدد من مباني اللجان الشعبية بالمحلية من بند التنمية بمبالغ مالية ضخمة، تحصلت (آخر لحظة) على التصاديق الصادرة من المعتمد، والتي كانت مثار خلاف بين المستشارين القانونيين بالولاية والمراجعين الداخليين.
كذلك تحصلت (آخر لحظة) على مستندات عبارة عن مذكرات صرف مؤيدة بتوقيعات خاصة بالاستحقاق الشهري وإيجار العربات، تؤكد إستلام المستشارين القانونيين بمحلية الخرطوم لمبالغ مالية، رغم وجود توجيه صارم صادر في العام 2012 من النائب الأول لرئيس الجمهورية يقضي بعدم منح المستشارين القانونيين الملحقين بالوحدات اي حوافز مالية باعتباره شخصاً محايداً في إبداء النصح القانوني، كذلك عدم منحه اي مقابل مادي نظير العقودات والتوثيقات التي يوقعها، بجانب عدم منحه اي امتيازات في المؤسسة التي يعمل بها.
طاعة المالية العمياء:
الى هنا قد تكون مثل هذه المخالفات أصبحت لا تدهش أحداً، إلا أن ما يثير الإندهاش استجابة وزارة المالية بالولاية لمطالب معتمد الخرطوم الفريق ركن أحمد عثمان أب شنب باستبدال عدد (12) موظفاً بالمحلية على فترات مختلفة منذ فترة توليه مهامه كمعتمد للمحلية، التي لم تتجاوز العام ونصف العام.. سبق ذلك طاعة وزارة المالية لمطالب أحد المدراء السابقين لهيئة إذاعة وتلفزيون الخرطوم، الذي تم تكليفه بمهمة إدارة الهيئة لحين تسمية مدير لها، والذي طالب بإستبدال أكثر من نصف الطاقم الإداري والمالي العاملين بالهيئة ومن بينهم مراجعين داخليين لرفضهم تمرير تصاديق مالية كانت رؤيتهم أنها مخالفة للوائح.
أما الموظفون الذين طالبوا معتمد الخرطوم بتغيير مهم واستجابت له وزارة المالية فوراً هم:
اثنان من المدراء التنفيذيين وفي أقل من عام ونصف فترة تولي المعتمد لمنصبه بالمحلية، تعاقب على محليته عدد ثلاثة مدراء تنفيذيين للمحلية، مدير إدارة التنمية بالمحلية، مدير المراجعة الداخلية السابق، مهندس التنمية الأول، مدير الشؤون المالية والاقتصادية، مدير الإمداد (الشراء والتعاقد)، أربعة مراجعيين داخليين.
كثيراً من التساؤلات تفرض نفسها أهمها: هل فقدت وزارة المالية وحماية المستهلك بولاية الخرطوم ولايتها وقوامتها على المال العام، برضوخها لمطالب الدستوريين بتغيير الطواقم المالية والمراجعين الداخليين المنتدبين منها الى تلك الوحدات لمراقبة الأداء المالي؟.
شروط التعاقد الشخصي:
تحصلت (آخر لحظة) على المنشور الذي يحكم التعاقد الشخصي بولاية الخرطوم وهو ما يعرف بالمنشور (126/2012) والذي يشترط الآتي:
أن تتم صياغة التعاقد الشخصي وتوثيقه بواسطة المستشار العام للولاية، أن تكون فترة التعاقد عاماً واحداً فقط، وأن لا يستحق الشخص المتعاقد معه غير الراتب المنصوص عليه في العقد.
كيف خالفها المعتمد:
ورغم الشروط الواضحة في المنشور إلا أن معتمد الخرطوم الفريق ركن أحمد عثمان أب شنب خالف كل النصوص الواردة في المنشور (126/2012) بدايةً لم تتم صياغة التعاقدات الشخصية بواسطة المستشار العام للولاية، وتقول مصادر مطلعة لـ(آخر لجظة) إن تلك التعاقدات تمت برئاسة المحلية دون الرجوع للمستشار العام بالولاية، وبعد ضغوط تم توثيقها من المستشار العام وحتى الاسبوع الماضي كانت تلك التعاقدات مثار خلاف بينه وبين المراجعين الداخليين لأكثر من عام لعدة تحفظات أبداها المراجعون الداخليون بالمحلية، أولها نص العقد على أن تكون فترة العقد سنتين ووفقاً لأحد العقودات التي تحصلت (آخر لحظة) على نسخة منه، تبدأ من (1/1/2016) وتنتهي في (13/12/2018) براتب قيمته (3) آلاف جنيه يفصل كالآتي: (المرتب مبلغه 500جنيه، غلاء معيشة مبلغ 500، بدل ترحيل 500جنيه، بدل سكن 500 جنيه، بدل استدعاء 400 جنيه، بدل آجر إضافي 600جنيه).
فيما قامت المحلية باستئجار سيارات لهم بقيمة (1500) جنيه، وصرف وقود عبارة عن (10) جالون اسبوعياً، في وقت لم تحدد شروط التعاقد اي وصف وظيفي للمتعاقدين… بجانب التصديق لهم بدعومات إجتماعية تتراوح بين (10-20) الف جنيه.. و(75) الف جنيه تصرفها المحلية شهرياً لإيجار عربات لعدد (50) تعاقداً شخصياً ويصدق لهم (500) جالون وقود اسبوعياً.
وخاطبت الأمانة العامة لحكومة الولاية ووزارة المالية والإدارة القانونية معتمد الخرطوم كتابة أن هذه العقود مخالفة للوائح، وعليه مراجعتها وتصحيحها، إلا أن المعتمد ضرب بمخاطباتهم عرض الحائط.
ورغم أنه تم إصدار قرار منذ عامين من رئاسة ولاية الخرطوم بإيقاف الوظائف المؤقتة، إلا أن وزارة المالية صدقت للمعتمد أب شنب بعدد (375) وظيفة مؤقتة تم توزيعها على مختلف الوحدات الإدارية لمحلية الخرطوم، زائداً (50) وظيفة تعاقدية.. وكانت ولاية الخرطوم قد انهت نهاية العام الماضي أكثر من (200) وظيفة تعاقدية في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي وترشيد الإنفاق الحكومي، وحجمت شروط التعاقد الشخصي إلا للخبرات النادرة .
أحداث الخميس:
دعا معتمد الخرطوم اب شنب المراجعيين الداخليين بمحليته الى إجتماع الخميس قبل الماضي خاطبهم فيه عن عدم إهتمامه بالتقارير التي يقومون برفعها للمراجع القومي، عن الأداء المالي للمحلية وأنه يعلم كل تفاصيل تحركاتهم.. وأخبرهم انه غير راضٍ عن خدمات المراجعين الداخليين بمحليته وأنه لا يشرفه العمل معهم، وبعد أن أفاق المراجعون الاربعة من ذهولهم طالبوه بخطاب رسمي لوزارة المالية يخطرهم باستغنائه عن خدماتهم.. ووفقاً لمصادر مطلعة فإن أسباب غضب المعتمد تعود لتحفظ المراجعين الداخليين من التصديق على تصاديق مالية أصدرها المعتمد مخالفة للوائح المالية، بالإضافة الى الخلافات حول مطابقة التعاقدات الشخصية بالمحلية للوائح والمنشورات الصادرة من رئاسة الولاية.
بالمستندات تصاديق اللجان الشعبية:
تحصلت (آخر لحظة) على مستندات تثبت الخلافات بين المراجعين الداخليين، ومعتمد محلية الخرطوم في بعض بنود الصرف التي رفض المراجعون تمريرها ومنها التصديق على مبالغ تصل الى (400)آلاف جنيه خاص باللجان الشعبية تفصل كالآتي:
خطاب معتمد بتاريخ 25/10/2016 يطالب فيه التصديق بمبلغ (100) الف جنيه باسم السادة منسقية اللجان الشعبية، عبارة عن مساهمة المحلية في صيانة مقر اللجان الشعبية، خصماً على اعتماد التنمية، تم التعليق من المراجعة بأن هذا الصرف مخالف للوائح، حيث أنه لا يمكن الدعم أو المساهمة مباشرة من التنمية، إلا في شكل مشاريع تحت إشراف المحلية من الجهات الفنية.
ثانياً موافقة المعتمد على صيانة مقر منسقية اللجنة الشعبية بمبلغ (400) آلاف جنيه أيضاً من حساب التنمية.
ووفقاً لخبراء ماليين فإن بند التنمية خاص فقط بالمشروعات الإستراتيجية، والصرف المالي يكون تحت إشراف فنيين ولا يتم السحب منه لصالح أشخاص أو جهات إعتبارية.. ولا يحق لاي مسؤول بالوحدة مهما بلغت درجته أن يدعم جهات على حساب بنود التنمية.
فيما تبدي مصادر رفيعة تبرمها من إحتكار ثلاث شركات مشاريع التنمية بمحلية الخرطوم منذ نحو عامين، وتلفت الى شروع إحدى هذه الشركات في تنفيذ حدائق على شارع النيل بمحلية الخرطوم، ويخالف هذا التنفيذ اللوائح المالية، حيث أنه لم تفتح له عطاءات.. ثانياً أن المشروع يتم تنفيذه بتمويل بنكي والذي من شروطه أن يكون لمشاريع ذات أولوية قصوى.
تخوفات الخبراء:
ويتخوف الخبراء في مجال الخدمة المدنية من أن التعيين بالتعاقد الشخصي لا يتيح الفرصة للعاملين بالخدمة المدنية شغل الوظائف القيادية، التي يسعون إليها بالتدرج في سلم الخدمة المدنية، ويؤثر ذلك تأثيراً سلبياً على اداء الوحدات الحكومية.. ويؤكدون أن المراجعة القومية سبق وأن أوصت بضرورة الالتزام بقوانين الخدمة المدنية ولوائحها في ملء الوظائف القيادية والحد من التعاقدات الشخصية.
في وقت يشترط فيه المجلس الأعلى للأجور أن تتوافر في الذين يعملون في وظائف تعاقدية خبرات ومطلوبات محددة قانوناً، ومن ضمن هذه المحددات ألا يؤدوا عملاً تنفيذياً بمعنى أن يكونوا في وظائف ذات صفة استشارية فقط.. فيما يحدد قانون الخدمة المدنية لسنة 2007م العلاقة بين العامل والدولة، إما علاقة تعاقدية أو لائحية.. بمعنى أن «الذين يعملون في وظائف تعاقدية لابد أن تتوافر فيهم خبرات ومطلوبات محددة قانوناً، ومن ضمن هذه المحددات ألا يؤدوا عملاً تنفيذياً وأن يعملوا في وظائف ذات صفة استشارية).
ويؤكد المجلس أن التعاقد محدد بأجور وأرقام لهذه الأجور، وليس متروكاً للمتعاقد أن يضع الأجر كما يريد.. وأنه مطلوب الموافقة على التعاقد من الجهة المركزية صاحبة التصديق النهائي.
تحقيق: هبة عبد العظيم
صحيفة آخر لحظة