أسعار السكر.. غليان الحبيبات البيضاء بدون طعم.. أنين المتعبين يرتفع
ابتسامة عريضة ظهرت على وجه الحاجة فاطمة من مدينة (النهود) بكردفان بعد أن حل بمنزلها ضيوف من القرى المجاورة، وفي غياب زوجها الذي غادر مبكراً للحقل لم تنتظر خيارات أخرى، بل قامت بالواجب وأكثر، حيث أكرمت وفادة الزائرين بالطعام، واتجهت مسرعة نحو (القطية) فوجدت (حبة) سكر وجيئت بالشاي.
غادر الضيوف فجراً واستيقظ أطفالها وشرعوا في الاستعداد للذهاب إلى المدارس، وكانت المفاجأة أنهم سيمضون صوب الفصول دون ارتشاف شاي الصباح رغم برودة الطقس لأن السكر في البيت انتهى وأسعاره باتت أعلى من إمكانيات أسرة حاج الطيب، كما أن الضيوف أولى وفقاً لتقاليد (الكردافة). إذن، فإن حضور الحصص سيكون بدون شيء ساخن في عز الشتاء ولاعزاء لاستيعاب الدروس.
مذاق مختلف
يشكل السكر عبئاً ثقيلاً على المستهلكين في العاصمة وولايات السودان المختلفة رغم إعلان الحكومة السيطرة على أسعاره في أكثر من مرة، واللافت أن أسعار السلعة الضرورية عادت للارتفاع مرة أخرى لتزيد من اشتعال الأسواق وتضيق على المواطنين والأسر أكثر من ما هم عليه، فلا خلاف على حيوية هذه السلعة وأهميتها في الحياة اليومية للناس، لكن الزيادات الأخيرة ربما تدفع البعض إلى العودة لبدائل قديمة جربوها خلال سنوات عجاف سابقة حينما توقفت عجلة الإنتاج، وانعدمت واردات البلاد من السكر، ومع انتشار المقولة الشعبية (السكر الكتير بجيب السكري)، بجانب الغلاء اتجهت بعض الأسر السودانية لتقليص الاستهلاك واختصرت استخداماته على الضروريات فقط.
طعم الحنظل
كشفت جولة لـ (اليوم التالي) عن زيادات جديدة في أسعار السكر، وقال تجار في أمدرمان (الثورات) إن سعر جوال السكر المستورد قفز من (570) إلى (620)، فيما بلغ ثمن زنة عشرة كيلو (130) جنيهاً بعد أن كان بواقع (106) بينما زاد الكيلو (صافي) من (11) إلى (14) جنيهاً، وفي السياق يقول عمر الطاهر (تاجر) إن الأسعار الجديدة فرضت عليهم الزيادة رغم علمهم بمعاناة المواطنين، مؤكداً أن التجار ليسوا مسؤولين بالدرجة الأولى من الأوضاع الحالية لجهة أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة هي التي قادت إلى الظروف الصعبة للأسر.
سكرنا مسختو
من جهته، يرى الصادق حامد (موظف) أن معاناة الأسر تتكررت بصورة لم تحدث من قبل بعد الزيادات الكبيرة في المواصلات والرحلات إلى الولايات، بجانب السلع الضرورية. وأضاف: هناك انفلات واضح في الأسواق وعدم مراعاة لحالة المواطن، مشيرا إلى وجود حجج محفوظة للتجار ظلوا يرددونها عقب كل ارتفاع للأسعار. واستطرد: بإمكان إدارات الحكومة التحرك لضبط سعر السكر والسوق عموما ووقف معاناة المواطنين.
سكر عادي
أستاذ الاقتصاد زكريا أحمد قال لـ (اليوم التالي) إن عوامل عديدة تقف وراء ارتفاع أسعار كل ما هو مستورد بالأسواق، لافتا إلى انخفاض قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار وبقية العملات الأجنبية بالإضافة إلى غياب سياسة واضحة لعملية التجارة الداخلية. وأكد أنه رغم ذلك يمكن أن يساهم تدخل الدولة الإشرافي والرقابي في تلك الأسواق في ضبطها وتنظيمها وكبح المغالاة في الأسعار.
خلينا الكيف
لن تكون الحاجة فاطمة الوحيدة التي لم تجد حبيبات بيضاء في (العلبة) لصغارها، فهناك الآلاف من أصحاب الدخل المحدود ربما استغنوا عن (القهوة والشاي) إلى غير رجعة، لأن هناك أولويات أخرى تتطلب توفير (القريشات) مثل العلاج والطعام واحتياجات المدارس.
الخرطوم – منهاج حمدي
صحيفة اليوم التالي
اصبروا كلها سبعة وعشرين سنه تاني ونرخص ليكم اي حاجة