راديو السجن… فكرة صديق ناجحة
عندما يكون السجين عالقاً بين أربعة جدران، معزولاً عن الحرية لشهور عديدة وربما لسنوات طويلة؛ يصبح الراديو هو وسيلته الوحيدة لمعرفة أخبار العالم الخارجي.
في بريطانيا، عرف السجناء إذاعة خاصة بهم عام 1994، مع تأسيس “راديو فيلتهام”.
في ذلك التوقيت، واجه مأمور سجن برمنغهام زيادة في حوادث إيذاء الذات وحالات الانتحار بين الشباب الموجود تحت إدارته. لذلك، قام المأمور بالموافقة على الفكرة التي تقدم بها اثنان من المحكومين؛ لإنشاء محطة إذاعية للتواصل مع السجناء عبر أثيرها في أثناء الليل، وهو الوقت الأشد خطورة الذي تقع فيه الحوادث نتيجة الضيق والكبت.
بحلول عام 2006، تأسست جمعية “راديو السجن” بوصفها جمعية خيرية، استجابةً للطلب المتزايد من السجون للاشتراك في راديو السجن. وكانت وظيفة الجمعية تقديم التوجيه والخبرة للسجون المهتمة بإنشاء وإدارة إذاعة خاصة بها. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2007، انطلقت محطة “راديو بريكستون” التي تبث برامج صنعها السجناء بأنفسهم مباشرة إلى زنازين سجن بريكستون. وفي عام 2008، أقامت جمعية راديو السجن أول مؤتمر سنوي لها للعاملين في إذاعة السجن، وتم عمل جلسات حول كيفية اتخاذ القرارات التحريرية المناسبة في إعداد البرامج وتنمية المهارات العملية المطلوبة لذلك. إضافة إلى مشاركة الخبرات العملية مع زملاء العمل بإذاعات السجون المختلفة، وتقديم برامج ليس فقط ضمن المساجين في السجن الواحد، وإنما ربط المساجين من سجون مختلفة مع بعضهم بعضاً.
تقول جمعية راديو السجن، إنها تعمل مع السجناء، وأيضاً مع عدد من المنظمات التطوعية والقانونية على تحديد أهم المشكلات التي تواجه السجناء، وكيفية إلقاء الضوء على هذه المشكلات عبر البرامج اليومية، والتنسيق مع الإذاعة الوطنية لعمل جدول زمني لحملات العمل الاجتماعي التي تركز على القضايا ذات الأهمية والملحة للسجناء. فمن التركيز على حملة اليوم الواحد للإقلاع عن التدخين، إلى حملة تدوم شهراً كاملاً حول أهمية تعلم السجين القراءة خلال محكوميته، إلى كيفية استخدام السجناء للتكنولوجيا الحديثة، إلى برامج توعويّة حول كيفية الاندماج بالمجتمع عند الخروج من السجن.
بمرور الوقت، تطوّرت الجمعيّة وشبكتها الإذاعية، وأصبحت وسيلة تواصل بين السجناء وأصدقائهم وأحبائهم، إذ يستطيعون إهداء الأغاني والبرامج والرسائل لبعضهم بعضاً والتواصل في الفترات الحرجة سواء للسجين أو لعائلته ومن يهتمون بأمره.
في عمرٍ صغير، بدأ الشاب، نويل سميث، رحلة إجرام طويلة بوصفه سارقَ بنوك، وفي مسيرته بالسجون، كان زميل زنزانة لشخص يعاني مشكلات عقلية، وآخر خرج حديثاً من مصحّة لعلاج الإدمان. كان مستوى نويل في القراءة والكتابة يعادل مستوى طفلٍ في الحادية عشرة من عمره، وناضل طويلاً ليعلّم نفسه في السجن. وبعد أن قضى ما يقرب من 32 عاماً وراء الجدران؛ خرج وقد أصبح صحافياً عمره 49 عاماً.
يقول نويل في مقال نشرته “الإندبندنت” البريطانية: “إن أحد كوابيس السجن، أن تعلق في زنزانة مشتركة مع أناس غرباء طوال ثلاث وعشرين ساعة يوميّاً، والتلفزيون في السجن لا يوفّر سوى حفنة قليلة من القنوات المملة مع ما يقع عليها من خلافات داخل الزنزانة، ولا يبقى لك صديق حقيقيّ سوى راديو السجن”.
وفي سياقٍ مختلف؛ أظهر استطلاع للرأي أجري حديثاً، أن ثلثي الشعب البريطاني يعتقدون وجوب جعل حياة السجن أكثر صعوبة وصرامة لتردع المخالف من إعادة المخالفة. ولكن جمعيات مساعدة السجناء تعتقد أن إعادة التأهيل هو أفضل من التخويف والقسوة التي قد تقود وحدها لإعادة الجريمة ثانية. كما أنّ توافر وسيلة للإعلام بالسجن مثل راديو السجون، لا يقدّر بثمن بالنسبة للسجناء الذين تضاعف عددهم في بريطانيا ليصبح الأعلى نسبة في أوروبا الغربية، كما شهد أعلى مستوى في حالات الانتحار خلال سبع سنوات.
العربي الجديد