رأي ومقالات

وهل يأكل المرء صديقه؟

أبكتني مشاعر طفلة في مقطع فيديو.. عرضته إحدي القنوات الفضائية المصرية.. الطفلة تجيب بصوت باكي..تسالها شابة…ماذا تأكلين؟
الطفلة: أكل كل شئ علي السفرة ماعدا الحيوانات..
ولماذا لا تأكلين الحيوانات؟
تجيب: انا أحبها.. فلن أكلها
وماذا عن الأسماك؟
تجيب: وهل الأسماك حيوانات؟
نعم.
إذن لن أكلها
لماذا
تجيب باكية: الحيوانات لطيفة… ونحن نطبخها.. وندخلها الفرن.. وهذا فعل غير لطيف( تنزل دمعتها).

أذكر قصة لأولادي.. وكانوا مع أختي مي في بيتها.. عندما إتصلت تلفونيا( ميتة من الضحك)..قالت لي: الليلة الجماعة إكتشفوا آكتشاف رهييب… إنو الفراخ حيوان…
مي كانت تقطع فراخا.. عندما وقفوا مذهولين ..وهم بيسألوا :يعني الفراخ دي.. حيوان عدييييل… مي قالت لي ماشفتي الرعب والدهشة. الإترسمت عليهم.. وكيف أحست إنها مجرمة في اللحظة ديك…
تماما…أذكر.. قلقهم.. الذي وصل حد الغثيان.. عندما كنا نجلس في( غابا بيتش)في كمبالا( دة حوش السمك حقهم.. علي بحيرة فكتوريا)…مع أخي عصام..
وعندما وضعت السمكة… بكاااامل هيئتها.. بل.. و( بعين قوووية)..تنظر إلينا بها.. وتلوم وحشيتنا تجاهها…وضعت في صينية كبيرة حوتها.. وحولها السلطة الخضراء.. والشطة بالدكوة… عندها إنتفض أولادي.. وقالوا يستحيل نأكل السمكة دي… وكمان بعينها… وغادروا تربيزتنا غاضبين ومحبطين… وأذكر نظراتهم لدياب ود عصام اخوي.. وهو يأكل بنهم وتحدي( وإبتسامة مكاوية).. ومزيدا من التحدي إقتلع عين السمكة.. وأكلها…وسط شعورهم بالإمتعاض.. وطلب لهم عصام أخوي.. بطاطس مقلية.. وسلطات.. اكلوها بنهم يفوق نهمنا.. وبإمتاع يفوق إمتاعنا…
تذكرنا أنا وعصام حادثة.. حدثت لنا ..كنا في الدويم.. بخت الرضا.. (كان والدي معلما بها)..كنا صغااارا.. لانذكر بخت الرضا إلا بشي من الضبابية.. والذكريات المبهمة… ولكن أذكر هذه الحادثة.. تماما.. حتي رائحة المنزل… جلب والدي( عتوتا) كنا نلعب معه.. أنا وعصام.. ونشات بيننا صداقة.. وكنا نعتقد.. إنه جلب لنا خصيصا.. نشرف علي أكله وشربه.. وكنا نجهل سبب شرائه… وأذكر عندما زارنا إبن عمتي وفرحنا بزيارته…. وعندما عدنا من الروضة.. انا وعصام.. جرينا للعتوت.. وكانت أمي قلقة.. ومعها جاراتها.. وقالت لينا.. خلاص تعالوا.. العتوت مافي.. ضبحناه قبيييل… لن أنسي هذا الموقف( علي قول ونيس).. حقيقة في تلك اللحظة.كانت أقسي مامر علي.. جريمة كاااملة.. جريمة قتل عمد.. مع سبق الإصرار والترصد.. اذكر إني تجمدت مسااافة تحت هول الصدمة.. رأيت السفرة… وأكوام اللحم في (الصحانة)..ورائحة المنزل كلها تفوح منها (رايحة الدهن) لن أنسي هذه الرايحة ماحييت.(يعني دي ريحة العتوت). والغثيان الذي أصابني.. وتتكرر عندي كل ضحية.. وكل مناسبة.. وأتذكر عندما بكينا أنا وعصام…طيلة اليوم.. وسط ضحكات جارات أمي ..وأمي تقول ليهم.. مش قلت ليكم؟..أذكر إنني لزمت السرير بما يشبه الحمي.. ويأتيني صوت أمي ومن معها من النسوة.. بعييييدا.. وغير مفهوم..(حنسيها خليها تأكل… لالالا ..ماح تأكل.. انا عارفاها…)
وأذكر أننا أضربنا عن الأكل في ذلك اليوم… وهل يأكل المرء صديقه؟
ويظل هذا السؤال.. هل ياكل المرء صديقه.. وبنهم بالغ.
.عندما نكون أطفالا.. نكون صافيين كالبلور.. نري الأشياء علي حقيقتها… عندما نكبر.. تتغبش رؤيتنا للأشياء.. ونمارس الخداع… الذي يجعلنا نأكل الحيوانات.. بكل إستمتاع..ونسميها ما لذ وطاب)..بل ونأكل بعضنا بعضا.. ونستبيح بعضنا البعض.. دمنا ومالنا وعرضنا… ونسمي هذا الفعل ماشئنا..في سلسلة من عمليات تغبيش الحقائق ..وتزيين القبيح من الأمر…
هذه الطفلة التي تبكي.. وتقول إننا غير لطفاء.. مع الحيوانات اللطيفة..هل ستستمر.. بهذه الشفافية.. أم ستقف يوما ما.. مثلي تماما.. في مطبخها.وأمام الفرن.. . تعمل صينية فراخ.. وسمك.. و(بالذبيب والعرديب كمان)… مع إني لا أحب اللحوم الحمرا إلي الآن وأجد نفورا كبيرا عند طبخها او حتي شرائها.. وعند اكلها.. ربما كان هذا إمتدادا.. لحادثة صديقنا العتوت… لا أدري..

ماذا لو عرفت هذه الطفلة.. إن العالم من حولها.. يطبخ أطفالا مثلها.. ويذبح آباء وأمهات.. وأجنة.. وإنه عالم يسحق بعضه بعضا.. هل ستغادره طائعة…
ولكن ظني.. إنها عندما تعلم ذلك تماااما.. تكون قد مرت بعمليات تزييف وخداع.. وإبدال للمسميات.. وتعريف (شيك)للأفعال… لذلك لن تأبه كثيرا ..بل وقد تكون مثل هيلاري كلينتون.. أو ميركل.. أو كونداليزا رايس… فهن قطعا كنا طفلات… كالبلور.. يرون الأشياء علي حقيقتها.. ثم.. حدث لهن تغبيش.. فتحول لديهن الاطفال.. أفغانستان.. والعراق. ودول العالم الثالث.. كمكونات في مطبخ البيت الأبيض.. تحولت نساء العالم التالت.. كوجبات شهية.. في (مينيو) الأحزاب الكبري.. علي موائد الساسة ..تهضم بالفودكا والشمامبينيا والقهقهات.. والسمر.. نهاية كل جلسة..

إنه الإنسان.. الذي يولد علي الفطرة..ويبارحها.. مع سبق الإصرار والترصد.. في رحلته القصيرة جدا.. من المهد ل اللحد.

بقلم
إيمان نمر