دراسة علمية حديثة: المتدينون أقل قدرة على فهم العالم
«الأشخاص المتدينون هم الأقل فهمًا للعالم من حولهم، إذ إن لديهم ميل نحو فقر واضح في فهم العالم، كما أنهم أكثر عرضة للاعتقاد بأن الأجسام المختلفة مثل الصخور والأوراق لديها قيمة عندهم»، هذا ما توصل إليه دراسة علمية أخيرة!
وقارن الباحثون في جامعة هلسنكي، المؤمنين بالله، أو المؤمنين بوجود قوى خارقة ما وراء الطبيعة، بالأشخاص الذين يعانون من مرض التوحد، وذلك بعد أن لاحظ هؤلاء العلماء بأن المصابين بالتوحد يميلون إلى النضال من أجل فهم حقائق العالم من حولهم.
وأوضحت الدراسة وجود رابط بين المعتقدات الدينية مع ضعف القدرة على فهم الظواهر الفيزيائية والبيولوجية مثل البراكين، والزهور، والصخور، والرياح وعدم إعطائهم أي قيمة أو أهمية إنسانية.
وكان المؤمنون محل الدراسة، أكثر عرضة للاعتقاد بأن الجماد مثل المعادن، والزيت، والملابس، والورق، يمكن أن تفكر وأن تشعر، ولأنهم متفقون فيما بينهم فيما يتعلق بعبارات مثل «الأحجار تحس بالبرد».
وقالت مارجانا ليندمان وأنيكا سفيدهولم هاكينين، اللتين أجريتا هذه الدراسة، إنه كلما كان اعتقاد المشاركين أكثر في الظواهر الخارقة الدينية أو غيرها، كلما انخفضت قدرتهم على تناوب مهاراتهم الفيزيائية والميكانيكية والعقلية البديهية.
ولاحظت الباحثتان أيضًا أن هؤلاء يحصلون على درجات منخفضة في الصفوف الدراسية في الرياضيات والفيزياء، وأنه كلما زاد اعتقادهم وإيمانهم هذا، كلما قلت معرفتهم حول الظواهر الفيزيائية والبيولوجية، وكلما زاد احترامهم للأجسام غير الحية والجماد، واعتبروها أهدافًا مقدسة بشكل أو بآخر، وزاد اعتقادهم بأنها ظواهر «عقلية».
وحددت هذه الدراسة وصف العقل، بمعنى أنه يحتوي على خصائص الإنسان مثل الأفكار والروح. وقال الباحثون إن نتائجهم التي توصلوا إليها تشير إلى أن قلة فهم الناس للعالم المادي المحيط بهم تعني أن هؤلاء البشر يطبقون خصائصهم البشرية الخاصة على الكون كله. ومن هنا رأى هؤلاء الباحثون أن هذا التطبيق هو ما أدى إلى اعتقاد الإنسان في الشياطين، والآلهة، والظواهر الخارقة الأخرى للطبيعة.
هل إيمان المتدينين بالعلم المادي غير موجود؟
العقلي والجسدي
وأضافوا أن هذا الخلط بين الصفات العقلية والجسدية جرى الاعتراف بوجوده بشكل رئيسي بين الشعوب القديمة والأطفال الصغار.
وقارن العلماء الأشخاص المتدينين أو المؤمنين بالأشخاص الذين يعانون من مرض التوحد، موضحين أن كليهما يناضل من أجل التمييز بين العقلي والجسدي، على الرغم من أن الناس الذين يعانون من التوحد هم في الطرف الآخر، لأنهم غالبًا ما يرون العالم كما لو أنه مادي فقط (جسدي)، ويناضلون من أجل فهم الحالة النفسية للآخرين.
وطلبت ليندمان وهاكينين من 258 شخصا فنلنديا أن يقدموا تقريرًا يتعلق بمدى اتفاقهم مع هذه العبارة: «يوجد في هذا الكون إله بالغ القوة، بمعرفة لا محدودة، ومحب»، وعما إذا كانوا يعتقدون في الظواهر الخارقة مثل التخاطر ورؤى المستقبل. بعد ذلك، أجرت الباحثتان عملية مقاربة بين هذه الإجابات مع مجموعة من العوامل الأخرى، بما في ذلك نتائج الامتحان، وإجابات تتعلق بأسئلة أعدوها هم، وأداء المشاركين في اختبارات مختلفة.
ووجد الباحثون أيضًا أن الأشخاص الذين يؤمنون بالله وبالخوارق فيما وراء الطبيعة، هم نساء أكثر منهم رجال، ويميلون إلى أن تكون أعمالهم مبنية بشكل أساسي على التفكير الغريزي وليس التحليلي.
وأشارت دراسات سابقة إلى أن الأشخاص المتدينين يميلون ليكونوا أقل ذكاءًا وأكثر عرضة للاعتقاد حرفيًا فيما يصفه العلماء بأنه عبارات بلا معنى، بما في ذلك عبارات مثل «الأرض تريد الماء» و«القوة تعرف اتجاهها». ومع ذلك، وجد العلماء أيضًا أن هؤلاء الأشخاص هم أكثر سعادة وأكبر رضا عن الحياة من غير المؤمنين، وينظر إليهم على أنهم أكثر سخاء وجديرون بالثقة.
التوحد والعقلانية
يقول العلماء إن القرارات تعتمد على الطريقة والوسيلة التي تصاغ من خلالها الاختيارات، هذا يظهر كنتيجة لاستخدام الناس عواطفهم عند اتخاذهم لقراراتهم؛ مما يؤدي إلى ظهور عدد من الخيارات التي يشعر الشخص أنه يرغب فيها أكثر من الآخرين.
بمعنى آخر، فإن إدخال العاطفة في صنع قراراتنا يؤدي إلى تحكمها في إنتاج الخيارات المتاحة، وهو ما يجعلنا نميل إلى خيارات معينة دون غيرها لرغبتنا فيها عاطفيًّا، وبغض النظر عن مدى عقلانيتها أو منطقيتها. على سبيل المثال، يقول العلماء إنه إذا أعطيت أنت مبلغ 100 دولار، فإنه من المرجح أنك ستقامر بهذا المبلغ، لكنك قد تتوقف عن هذه الخطوة إذا ما وضعت في ذهنك احتمالية خسارة مبلغ 70 دولارًا أكثر مما تضع في ذهنك أنك ستحتفظ بمبلغ 30 دولارًا.
كيف يوازن العقل بين ما هو مادي وبين ما هو روحي
فعلى الرغم من أن كلا الخيارين متعادلان حسابيًّا، إلا أن تفكيرنا في فقدان المال يثير ردود فعل عاطفية قوية لدينا، ونكون نحن أكثر عرضة للقيام بالمقامرة في محاولة لتجنب فقدان المال، هذا الأمر يعرف باسم «التحيز المعرفي»، والذي وصف لأول مرة من قبل عالم النفس دانييل كانيمان في ثمانينيات القرن الماضي، ويعرف باسم «تأطير التأثير». وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة موثقة جيدًا، فما يزال العلماء يحاولون فهم السبب وراء هذا التأثير القوي لعواطفنا في عملية صنع القرار.
وذكر بونيت شاه، البروفيسور في كلية كينجز في العاصمة الإنجليزية لندن، في مقال له بصحيفة الإندبندنت البريطانية، أنه هو وزملاؤه، قاموا بعملية تحقيق لاستكشاف كيف يرتبط مفهوم الأحاسيس الجسدية الداخلية بالعاطفة، وكيف أن هذا في المقابل، ربما يكون مرتبطًا بكيفية اتخاذ القرارات.
وقال إنهم أولًا قدموا لمجموعة من البالغين النموذجيين مهمة خاصة بعملية القمار لقياس قابلية تأطير التأثير، وكان يطلب منهم – في وقت لاحق – إغلاق عيونهم وقياس عدد دقات قلبهم؛ لقياس مدى نجاحهم في مراقبة أحاسيسهم الداخلية، وأجرى الباحثون أيضًا قياسًا للوعي العاطفي الخاص بهم باستخدام استبيان.
واكتشف الباحثون أن الناس الذين كانوا جيدين في مراقبة ضربات قلبهم – الأشخاص الذين «يتبعون قلوبهم» كما نقول – كانوا أكثر استرشادًا بعاطفتهم، وأكثر عرضة بشكل خاص لعملية تأطير التأثير.
ولكن ماذا عن الأشخاص الذين يعانون من ضعف الوعي العاطفي، وصعوبات في رصد نبضات القلب الخاصة بهم؟ أظهرت الأبحاث أن مثل هذه الأمور يعاني منها المصابون بما يسمى «أليكسيثيميا – alexithymia»، ويقصد بها «العمى العاطفي»، هذا العمى العاطفي يكون أكثر شيوعًا في الأشخاص الذين يعانون من مرض التوحد، وقد أجرى الباحثون اختبارًا على مجموعة من البالغين المصابين بالفعل بهذا المرض.
وعبر تكرار الأبحاث السابقة، أظهر الناس الذين يعانون من مرض التوحد ظاهرة «تأطير التأثير» بصورة أقل. وقد تبين أن الأشخاص الذين يعانون من مرض التوحد كانوا قادرين على مراقبة ضربات القلب بهم، مثل أولئك الناس الذين لا يعانون من مرض التوحد، ولكن لم يكن هناك أي علاقة بين مدى فعلهم لهذا الأمر، أو وعيهم العاطفي، وبين قابليتها لتأطير التأثير.
المتدينون يعيشون أطول
النساء اللواتي تذهبن إلى الكنيسة، أكثر من مرة في الأسبوع، تعشن لمدة أطول من أولئك اللواتي لا يفعلن ذلك؛ هذا ما كشفته دراسة جديدة مثيرة للاهتمام.
وجد الباحثون في كلية «الدراسات العليا للصحة العامة»، في جامعة هارفارد، أن هؤلاء الذين يرتادون الكنيسة بصورة متكررة، قد عاشوا لفترة أطول، وصلت إلى خمسة أشهر، من أولئك الذين لم يحضروا المراسم والطقوس الدينية. أيضًا فإن هؤلاء الذين حضروا إلى دور العبادة بشكل معتاد كانوا أقل عرضة للوفاة بنسبة 33% خلال فترة تقدر بـ16 عامًا.
المتدينون أكثر سعادة ويعيشون أطول
وجدير بالذكر أن الحديث هنا لا يدور حول زيارة الكنيسة على وجه التحديد، لكن يقصد بهذه الدراسة التي جرت في الولايات المتحدة الأمريكية ذات الأغلبية المسيحية، أولئك النساء اللواتي يذهبن إلى دور العبادة بشكل عام، كل حسب ديانته.
وقد ظهرت هذه الدراسة، ونتجت هذه الأرقام الخاصة بها، بعد فحص سجلات أكثر من 74 ألفًا من النساء، هذه السجلات كانت جزءًا من إحدى الدراسات التابعة لمركز صحة الممرضات، في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان معظم هؤلاء النساء من المسيحيين «الكاثوليك أو البروتستانت»، بالإضافة إلى عدد من النساء من مختلف الأديان الأخرى، لكن بكميات صغيرة جدًا، لا يمكن من خلالها استخلاص استنتاجات ذات دلالة إحصائية.
وهذا الأمر هو ما يؤكد فكرة أن نتائج الدراسة، يمكن بشكل أو بآخر تعميمها على الديانات بشكل عام، فهي ترتبط بالنساء، وبمدى اقترابهن أو ابتعادهن عن دور العبادة الخاصة بهن.
المتدينون جديرون بالثقة
كما أظهرت دراسة علمية جديدة، أن الناس الذين يحضرون الطقوس الدينية بانتظام، من المرجح أن يعتبرهم الناس أعضاءً صالحين في المجتمع، أكثر من غيرهم، خاصة أكثر من هؤلاء الآخرين، الذين يشاركون في عروض دينية دراماتيكية، كالمشي على الجمر، أو التعرض للطعن.
وأمضت «إليانور باور»، من معهد سانتا في مدينة نيو مكسيكو، سنتين، وهي تعيش في قريتين من قرى «التاميل»، جنوب الهند؛ بهدف دراسة مزيج من الناس معظمهم من المسيحيين والهندوس.
وجدت إليانور باور، أن الناس كانوا أكثر عرضة لاعتبارهم كرماء، ومجدين في عملهم، وجديرين بالثقة، ومصدرًا لأخذ النصائح الجيدة، إذا ما كانوا يذهبون في الغالب إلى الكنيسة أو المعبد، حتى ولو كان من ينظر إلى هؤلاء المتدينين هم من الملحدين، أو أناس من ديانات مختلفة.
وتشير النتائج إلى أن ممارسة الشعائر الدينية، يمكن أن تكون «إشارة صادقة» تعبر عن التزام الفرد في المجتمع، وذلك طبقًا لما اقترحته باور، لكن، وبشكل غير متوقع، فإن علامات التدين التي يأخذ بها الناس كانت تلك العلامات اليومية من العقيدة الدينية، مثل الذهاب للصلاة وغيرها، بدلًا من الطقوس الخطيرة والعنيفة التي يمارسها البعض، وأظهرت الدراسة أن علامات التدين اليومية كانت أكثر أهمية من منظور اجتماعي.
وقالت باور إن حقيقة كون العبادة العادية اليومية ليست لافتة للنظر، ولا تتسبب في حشد الناس حولها، مثلما تفعل الطقوس الغريبة، فإن هذا في الواقع يعمل كضامن لها، وأضافت في الورقة البحثية التي نشرتها في دورية التطور وسلوك الإنسان أن «هؤلاء المتدينين لا يزالون يقومون بطقوس العبادة المعتادة يوميًا وأسبوعيًا وشهريًا وسنويًا، وهو ما يجعل هذه الممارسات تظهر بشكل نسبي كإشارة تجعل من العبادة العادية علامة واضحة على ما يبدو أنه تفانٍ تجاه المجتمع المحيط.
ساسة بوست