دموع الأسى
غسلت بطون قبيلة المسيرية التي احتربت طويلاً.. الدماء بالدموع وودعت سنوات من الاحتراب والقطيعة التي مزقت أحشاء أبناء العمومة.. وذلك بكسر حاجز العزلة وانقشاع القطيعة وعناق أبناء العمومة الذي شهدته منطقة الدبب الواقعة أقصى غرب كردفان.. وحمل “حسبو محمد عبد الرحمن” المسيرية على طي صفحات دامية من الصراع وهو يزور الفرقان ومضارب البقارة في رحلة امتدت ليومين جلست فيها الحكومة على الأرض واستمعت للمواطنين منذ الصباح الباكر وحتى الساعات الأولى من الفجر ولأهل دارفور مثلاً يقول إن “أبو القدح” بعرف مكان عض أخيه.. وقد أدرك “حسبو” الطبيعة البدوية مكامن ضعفهم وقوتهم وكيف يستميل عطفهم ومتى يرفع العصا لزجرهم.
يومان في بادية المسيرية من التفاوض والحديث واستدعاء كل المواعظ والحكم أثمرت في آخر المطاف عن اتفاق تاريخي حقن الدماء وجفف الدموع.. ومنذ سنوات أربع هجر المسيرية الزيود مناطق تجمعهم بأهلهم أولاد عمران بسبب الحرب بينهما التي حصدت ألف روح حتى اليوم.. وعقدت لهذه الحرب مؤتمرات في النهود تحت ضيافة قبيلة حمر.. وفي الضعين برعاية الرزيقات لكن كل تلك المؤتمرات توصلت لحلول ومقررات على الورق ولكنها لم تصل لوقف الحرب وإشاعة السلام بين مكونات القبيلة الواحدة التي اقتتلت بفتنة المال والبترول والأطماع الشخصية ولكن رحلة “حسبو” في ديار المسيرية قد نجحت أمس أولاً في كسر جمود القطيعة الطويلة.. وقد حمل “حسبو” المسيرية الزيود لقطع مسافة طويلة للقاء فرقائهم من أولاد عمران في دارهم عشرة من أعيان الزيود دخلوا الدبب مطمئنين لأهلهم واثقين أن مكروهاً لن يصيبهم وضامنهم نائب رئيس الجمهورية.. ووجدت قبيلة الزيود استقبالاً كبيراً من أولاد عمران تعانق الرجال وزغردت النساء لشجاعة الإقبال على الصلح بدلاً من التحريض على القتل.. وبعد أن تعانق المسيرية في مودة وحنين وشجاعة ومروءة وتم الاتفاق على تنفيذ كل بنود المصالحة.. برزت قيمة القيادات السياسية من أبناء المنطقة الذين كثيراً ما حاق بهم الظلم ورمى في وجههم البعض بالاتهامات الغليظة بأن المثقفين هم سبب المشكلات وإثارة الفتن وإشعال الفتن والحرائق في جسد المجتمع.. لكن أبناء المسيرية من السياسيين أثبتوا أنهم أولاً محل ثقة أهلهم وأن الجهود المخلصة التي بذلت من جهتهم هي ما جعلت قيادات المسيرية تطالب النائب “حسبو” بأن يبقي وزراء الدولة د.”حسين حمدي” ووزير الدولة بالخارجية “عبيد الله محمد عبيد الله” في الدبب حتى تكتمل قرارات الليل في صباح اليوم.. وقد وجه النائب “حسبو” د.”حمدي” بإلغاء زيارة لتركيا وأن يبقى السفير “الدرديري محمد أحمد” واللواء طبيب “الطاهر بقادي” في الدبب حتى يتم تنفيذ خطوات عملية لرسم خطى المصالحة التي تم التوصل إليها.
قد يسأل البعض لماذا كل هذا الاهتمام بالصراع بين بطون المسيرية من قبل نائب رئيس الجمهورية ووفد كبير ضم وزير الدولة بالدفاع الفريق “علي سالم” ووكيل أول المالية “مصطفى حولي” ووكيل العدل مولانا “الرزم” ووكيل النفط ومدير إدارة الولايات بجهاز الأمن وممثل لمدير عام قوات الشرطة.. الإجابة لأن هذه القضية أهلكت ألفاً من الأرواح وهددت أمن البلاد وشهدت أعمال العنف بشاعة في القتل لم يشهدها السودان من قبل.. كما أن الذين قتلوا في هذه الأحداث هم المجاهدون الذين حرروا هجليج حينما سيطرت عليها قوات دولة الجنوب وهم حماة الثغور وسند الجيش الذين صنعوا ربيع الإنقاذ ونافحوا عنها بوطنية وشهامة ولم يطلبوا ثمناً لجهادهم ولا وظيفة حتى ذهب الجنوب بأخطاء غيرهم وبقي المسيرية رصيداً للوطن لا ينضب وعطاء بلا كلل.. فكيف يتركون لوحدهم يتقاتلون من أجل الشيء وروح الإنسان هي أغلى ما في هذا الوجود.
لذلك ضرب نائب رئيس الجمهورية أكباد الإبل من أجل حل نزاع تطاول وتمدد لسنوات وفشلت كل محاولات تسويته.. ولكن يوم أمس كان حاسماً في وضع نهاية لمأساة اسمها صراع المسيرية الزيود والمسيرية أولاد “عمران”.
*حاشية
رغم التزامنا الأخلاقي لقيادات عليا في الدولة ولزملاء أعزاء نقدرهم النأي بقلمي من الانحطاط السلوكي والانحراف التربوي في الرد على تفاهات درق سيدو الذي ينوح مسخراً صحيفة عامة ملكاً لغيره للتجني علينا.. نمسك اليوم في الرد على غثاء من تربى في كنف الشيوعية كحاضن اجتماعي.. وفي دهاليز البعث والآن يعيش على مدح رجال الأعمال من أجل لقمة عيش بذلة ووضاعة.. غداً لناظره قريب.
المجهر