واشنطون وملفاتنا.. موجهات الموازنة.. سوء التغذية.. ورحيل أبو تكية
هل هي مؤشرات؟ قبل أسابيع في نقاش مع مسؤول كبير حول العلاقات السودانية الأمريكية، كان يقول إن الحوار الجاري بين البلدين من آثاره المباشرة قبل رفع العقوبات أو تخفيفها، هو أن مواقف واشنطون المتشددة تجاه السودان في المنظمات الدولية بدأت تتراجع، وكانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تقف بالمرصاد أمام أية محاولات اختراق سودانية لتبوؤ مواقع في المنظمات الدولية والإقليمية، كما أنها تسعى للضغط على الخرطوم عن طريق أية فرص أتحيت لها في هذا الجانب، وأشار إلى أن ما تعرض له السودان طيلة السنوات الماضية في مجلس حقوق الإنسان وملفه في هذا الصدد كان بسبب مواقف واشنطون وحليفاتها، وقد بدأ هذا الموقف يتضعضع التشدد الأمريكي فيه من عامين تقريباً منذ بدء الحوار الجاد بين الجانبين. وأمس كان هناك ماراثون ومناورات أمريكية في مجلس حقوق الإنسان قبل الإبقاء على السودان في موقعه الحالي تحت البند العاشر في إطار العون الفني عن طريق الخبير المستقل، وكان هناك على الأقل حوار ثنائي شائك مع المندوب الأمريكي ووفده في جنيف، إضافة للتفاهمات التي تمت مع المجموعتين الإفريقية والعربية حتى تم الاتفاق على مشروع القرار الإفريقي ووافقت عليه واشنطون، بينما كانت المجموعة الأوروبية تسعى إلى وضع السودان تحت البند الرابع او الثاني. قد تكون هذه المواقف الأمريكية الأخيرة وما يدور من حديث حول التخفيف المحدود جداً في العقوبات الاقتصادية ورفعها عن كاهل السودانيين، مؤشرات إيجابية، لكنها قطعاً ليست كافية ولا تفي بالغرض ولا تعبر عن حجم التوقعات، فمازالت واشنطون تتلكأ وتتباطأ في شأن رفع العقوبات وتطبيع علاقتها بالسودان. ومازلنا ننتظر منها المزيد أفعالاً لا أقوالاً!! موجهات الموازنة كل عام قبيل إعداد موازنة العام الجديد يجيز مجلس الوزراء موجهاتها ويوجه وزارة المالية والاقتصاد بإضافة موضوعات أخرى ومحاور مهمة في الموازنة الجديدة، لا تجد فرقاً بين موجهات هذه السنة والسنوات الماضية، فكلها توقعات ومحاولات لإصلاح حال الاقتصاد الذي يؤكد كل الخبراء أنه في حاجة الى إصلاح هيكلي شامل، ففي الموجهات التي استعرضها واجازها واضاف عليها مجلس الوزراء أول أمس، تشخيص دقيق وتعريف بعلل وأمراض الاقتصاد، لكن أزمتنا أنه لا يوجد علاج شافٍ حتى اللحظة، ولا يوجد مخرج غير الإنتاج وزيادته ومداواة السقام العضال المقيم في جسد الاقتصاد السوداني، توجد مؤشرات جيدة هذا العام كما توجد توقعات بوفرة كبيرة من الذرة والغلال والمنتجات الزراعية والثروة الحيوانية نتيجة لخريف هذا العام، بالإضافة إلى تحسن العلاقات التجارية والاقتصادية مع بعض الأصدقاء والأشقاء، وهناك اتصالات وتحركات وحوار مع جهات مالية دولية سيكون لها انعكاس كبير على الاقتصاد في حال نجاحها، وربما لو خففت العقوبات الأمريكية أو رفعت كلياً سيكون السودان في وضع أفضل يجعله ينطلق بقوة نحو الأفضل، خاصة لو استطعنا تحقيق السلام في المنطقتين ودارفور وتوقفت الحرب. سوء التغذية إحصائية مخيفة ومحزنة تلك التي أعلنها الدكتور عصام محمد عبد الله وكيل وزارة الصحة عن المصابين بسوء التغذية من الأطفال في البلاد، وهو يستعرض في حفل توقيع اتفاقية بين المنظمات الدولية العاملة في البلاد والوزارة والاتحاد العام للمرأة السودانية، فعدد الأطفال المصابين بسوء التغذية بلغ (291994) طفلاً مصاباً بسوء التغذية الحاد والمتوسط، ولا يوجد مبرر غير الفقر في بلد مثل السودان لارتفاع نسبة الأطفال المصابين بسوء التغذية التي تم تحديد بؤرها، وقبل سنوات قليلة ذكرت تقارير لهيئات دولية وإقليمية ووطنية تعمل في مجال صحة الطفل وأخرى في مجال السكان، أن السودان من البلدان المرشحة لانتشار ظاهرة التقزم بسبب سوء التغذية وضمور البنية الجمسانية، وهذا شيء مخيف حقا،ً ولا بد من وضع استراتيجية وطنية للقضاء على سوء التغذية ومعالجة أسبابها ومضاعفاتها. سليمان أبو تكية توفي في صمت ورحل عن هذه الفانية ولم يتذكره أحد، أحد أفذاذ ورواد الحركة الإسلامية والدعوة في دارفور، المهندس (سليمان أحمد محمد عثمان أبو تكية) وهو من رعيل الإسلاميين الأول في دارفور وفي السودان، فهو من أبناء الفاشر ومواليدها، وأسرته من الأسر العريقة منذ أيام السلطنة، وكان جده عثمان من أهم مساعدي السلطان علي دينار، ونشأ المهندس سليمان في بيت يسر وعز لا يبلى، ووالده من كبار تجار المدينة، ونال تعليماً مبكراً وتخرج في المعهد الفني في النصف الأول من الخمسينيات من القرن الماضي، وعين مساحاً وأسهم في تخطيط مدن كثيرة في دارفور الكبرى خاصة الفاشر ونيالا وزالنجي والجنينة، مما أكسبه علاقات واسعة بكل أهل دارفور وفتح ذلك آفاقاً للدعوة الإسلامية ونشاط الحركة الإسلامية الحديثة التي التحق بركبها في نهاية الأربعينيات قبل دخوله المعهد الفني، ونسبة لوجوده ما بين الفاشر والعاصمة وخاصة في أم درمان أبو روف حيث جده لأمه كان من قادة الثورة المهدية، لعب المهندس سليمان دوراً كبيراً في نشأة جبهة نهضة دارفور التي أسسها مع أحمد إبراهيم دريج والدكتور علي الحاج ود. علي حسن تاج الدين والمساعد الطبي أحمد عمر وآخرون من نخب دارفور، وكان منزله بأم درمان قبلة ومحل ضيافة وكرم لكل طلاب دارفور والفاشر في عقد الستينيات من القرن الماضي، وحتى عندما ذهب لتلقي كورسات ودراسات عليا في مجال الهندسة بالولايات المتحدة الأمريكية كان بيته مفتوحاً للجميع مثل بيت رفيقه المهندس محمد الطيب سيف الدولة الذي كان يعمل في سودانير يومئذٍ. وبعد ثورة أكتوبر رشحته جبهة الميثاق الإسلامي في دائرة الفاشر، وعمل في حملته الانتخابية شباب الإسلاميين في ذلك الوقت منهم أحمد عبد الكبير كاكوم وجبريل عبد الله وبدر عبد الماجد ومالك أب سم، وكان عدد الإسلاميين يومها بالفاشر قليلاً جداً يعد على أصابع اليد، وفي عهد مايو عرض عليه حاكم دارفور الأسبق أحمد إبراهيم دريج منصباً وزارياً في حكومته، لكنه اعتذر بعد أن استخار ورأى رؤية مفزعة جعلته يعتذر ولم يقترب بعدها من وظيفة عامة. وظل طيلة حياته ملتزماً صف الحركة الإسلامية رغم اتجاهه نحو التصوف وأصبح من مريدي الطريقة التجانية التي طاف مع رموزها كل دارفور ومدن السودان المختلفة، وظل مواصلاً الناس جميعاً بلا تصنيف، لا يغيب عن مناسبة ولا يتغيب عن حدث رغم بلوغه الثمانين، وعندما توفي قبل أيام كأنه نسمة ورحلت عن دنيا ليس فيها من الوفاء إلا القليل، فلم يذكره أو يتذكره إلا القليل جداً من الأوفياء.. ولولا الطيب عبد المجيد والوالي آدم جماع لما تذكر البعض حتى وفاته.. رحمه الله رحمة واسعة ووسع مرقده وأنار قبره وأنزله عنده في جنة الفردوس مع الصديقين والنبيين والشهداء.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الانتباهة