تحقيقات وتقارير

الخطوبة.. مخاوف الأسر تقضي على فترة التعارف.. الاتجاه لعقد القران

تعد فترة الخطوبة الأهم والأصعب والأجمل حيث يحرص كل طرف على التعرف العميق إلى الآخر، وبالتالي يستطيعان تحديد ما إن كان هذا هو الشريك الذي يضمن له الاستقرار والاستمرار معه بقية حياته أم لا، وفي حال ثبوت العكس يتم الرفض والمفارقة بسهولة.
ومن جهة أخرى هي الفترة الأجمل حيث يتم خلالها التجهيز لليلة العمر والتخطيط للحياة الزوجية، وإذا نظرنا للمجتمع من حولنا الآن نجد تلاشي فترة الخطوبة بالقفز إلى عقد القران مباشرة فاعتادت مسامعنا على جملة “الرجال حلفو”.

طلاق لا محالة
بالنسبة لـ(ر،ج) فترة الخطوبة أهم الفترات التي تمر بها الفتيات بصورة خاصة وقالت: “هي فرصة لدراسة بعضنا البعض وإذا لم يحدث وفاق تفسخ الخطبة وكما يقولون في المثل “ويا دار ما دخلك شر””، وتابعت: بعكس عقد القران الذي يحسب طلاقا. ومن هنا حذرت (ر) كل شاب وشابة من التسرع وحكت قصتها في ذلك وقالت: “تقدم شاب لخطبتي وافقت الأسرة، وعندما أعطوه الموافقة أصر والدي على تحديد موعد للعقد وقال له: “إحنا ماعندنا رجال بدخلو ويمرقو ساي مع بناتنا”، وبالفعل تم ما أراد وعقد قراني، وفي الأثناء حدث تقارب بيننا ووجدت أنه ليس الشخص المناسب، غصبت على نفسي ولم أجرؤ على التفوه ببنت شفة لأنه بحسب الواقع طلاق إلى جانب ما سأجده من معارضة الأهل، تم الزواج وحدث ما توقعته بادئ الأمر، تطلقت، ولكن في هذه المرة رافقتني ابنتي.

أيام مزيفة
من جهتها، أكدت ريهام نور الدين على أهمية فترة الخطوبة، وقالت: “من واقع تجربتي الشخصية أرجع نجاح حياتي الزوجية لهذه الفترة التي فهمنا فيها بعضنا جيداً، واكتشفنا السلبيات والإيجابيات”، وأضافت: استمرت فترة خطبتي ثلاث سنوات وبالرغم من انزعاج أهلي من طول فترتها، إلا أنني تمسكت به، لأنني خبرته وخبرني جيداً. ومن جهة أخرى سمت (ح،خ) فترة الخطبة بـ”الأكذوبة” وقالت مبررة: “في تلك الفترة يحاول كل من الشريكين أن يُجمل نفسه أمام الآخر بإخفاء سلبياته خوفاً من فقدانه، ومضت في حديثها: خُطبت فترة لا تقل عن سنة هنئت وسعدت فيها أيما سعادة، فقد عشت ُأياما مليئة بالحب وسمعت معسول الكلام وغمرني بالهدايا، ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل وعدني أن تسير حياتنا على هذا المنوال، وفي حقيقة الأمر أجاد دور الرجل المثالي بدقة، وما إن دخلنا عش الزوجية حتى وجدت نفسي قُبالة شخص أقابله لأول مرة.

للجادين فقط
فيما يعد محمد عباس الخطوبة فترة ينخرط فيها الشباب غير الجاد لقضاء وقت طيب بصورة رسمية أمام الأهل والمجتمع وسرعان ما يتم فسخ الخطبة لأسباب سخيفة، وقال: “أنا أحد ضحايا المستهترات، فقد تقدمت لخطبة فتاة بمجرد تخرجي من الجامعة، وبعد وعدها بانتظاري قررت السفر إلى الخارج لأرتب أوضاعي، سأفرت بناءً على هذا الأساس وكنت أعمل أعمالا إضافية أدخر المال الذي استخسرته على نفسي، كل همي إتمام الزواج في أسرع وقت، وبعد مرور عام اتصل والدها ليخبرني بأن الفترة طالت ويجب إنهاء الخطبة، ولم يترك لي مجالاً للحديث فقد كان الأمر محسوما بالنسبة لهم، فبعد مرور فترة ليست بالطويلة ذاع خبر زواجها، لذلك أفضل عقد القران، لأنه رابط قوي لا يقبل عليه إلا الجادون.

نفاق اجتماعي
قال أخصائي علم النفس في مركز الخرطوم وأستاذ علم النفس بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا دكتور الزين النور الزين: “أوضح الطب النفسي أهمية فترة الخطوبة لأنها كفيلة لتعارف الطرفين على المدركات والمشاعر والأحاسيس وكذلك يتعرف فيها كل طرف على الآخر وبناء عليها يشرع الأهل في الخطوة التالية”، ونبه إلى أهمية معرفة الأب الجيدة للشخص المتقدم لابنته وأسرته والسؤال عنهم، ومعرفة تفاصيله وضرورة معرفة الأمراض الوراثية، وأشار إلى عدم ضرورة طول فترة الخطوبة، وقال: “إذا عدنا إلى الدين الإسلامي نجد أن فترتها كانت بسيطة، وغالبا ما يؤدي طول فترة الخطوبة إلى صرف النظر عن الأمر برمته”، وأرجع ذلك إلى جملة من الأسباب منها أن الأمر لا يحتاج لفترة دراسة طويلة، ومن جهة أخرى يرى في حال إتمام الزواج بعد فترة خطوبة قصيرة وظهرت عيوب يمكنهم معالجتها مع الزمن فهذه حياة وينبغي أن تكون مؤسسة.

وأشار دكتور الزين إلى أن استعجال الأهل وحلفانهم للعقد ربما يكون نتيجة لخوفهم من فشل الموضوع بحسب التجارب المحيطة، ومثل ما يقال في المثل “إن مسكت ما تفك وإن فكيت ما تندم”، وأضاف قائلاً: الآن وسائل التواصل الاجتماعي قربت الناس واختصرت كثيرا من المسافات، فقط أنصح الطرفين بالوضوح والابتعاد عن النفاق الاجتماعي وإظهار خلاف ما يبطنون، لأنه يمكن أن يتسبب ذلك في الطلاق بينهما، وعليهما أيضاً غض الطرف عن السلبيات التي يمكن معالجتها.

مشروعة
يرى عضو هيئة علماء السودان الشيخ محمد زين هادي أنه لا ينبغي أن يتم عقد القران مباشرة، إلا في حال وجود تعارف مسبق بين أسرة الزوجين، كمن تربطهم صلة قرابة أو جيرة أو غيرها، وكذلك الخطيبان إذا جمعهما مكان عمل أو دراسة، وقال: “غير ذلك يُفضل أن تكون هناك فترة خطوبة وهي مشروعة شرعاً وموجودة منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا توجد فيها مشكلة، لكن تُمنع فيها الخلوة، وأكد شيخ محمد علي أنها فترة لتعارف الأسرتين أو الخطيبين وتتوقف فترتها على مدى التفاهم بينهما، وتابع: يمكن تطول فترتها إذا لم يكن هناك معرفة قديمة، لافتاً إلى ما حدث من تغيير في شكل الخطبة التي باتت تتم بعد اتفاق الخطيبين ثم الرجوع للأهل وهذه نقطة واقعية فرضها الواقع بعد أن خرجت البنات للعمل والدراسة.

الخرطوم – أميرة سعد الدين
صحيفة اليوم التالي