مرحباً بكم في عصر “الشمول المالي” من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الذكية.. استخدام الجوال لإجراء التعاملات المالية دون الحاجة لحساب مصرفي بات متاحاً.. نقود محمية بلا أوراق ثبوتية
في بداية الشهر الجاري وبقاعة الصداقة دشنت وزارة المالية والاقتصاد الوطني خدمة الدفع عبر الهاتف الجوال. ورغم الزخم الإعلامي الذي صاحب التدشين إلا أن كثيرا من الاستفاهمات في ذهن المواطن البسيط لم تجد إجاباتها، وظلت حائرة؛ فحفل التدشين -رغم حضور رئيس الجمهورية- لم يستطع توضيح مزايا الخدمة ومبرراتها والأهداف التي جعلت من الحكومة تتخذ هذا القرار. حتى بالنسبة لشركات الاتصالات المعنية بتنفيذ الخدمة، فإنها لم تروج لها حتى الآن، تحفيزا للمواطنين على الولوج إلى هذا النوع من الخدمات، ولم تسع إلى تقديم أي برامج تسويقية لذلك. على كل فقد دعا المنبر الصحفي، الذي تقيمه مؤسسة طيبة برس لخدمات الإعلام، ظهيرة أمس، المسؤولين عن هذه الخدمة، يتقدمهم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي. وعلى الرغم من التشكيك في حضوره من قبل الإعلاميين، لكن الوزير بدا أكثر حماسا من أهل الإعلام. فقد حضر وفي معيته وزيرة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومدير المركز القومي للمعلومات ومدير الشركة السودانية للخدمات المصرفية لتوضيح الخدمة ومزاياها.
1
حسنا.. في الفترة الماضية تعالت الشكاوى من ضعف الثقافة المصرفية لدى غالبية أهل السودان إلى درجة كشفت فيها الإحصائيات عن أن ما يقارب 85 % من المجتمع السوداني خارج الإطار المصرفي ولا يمتلكون حسابات مصرفية.. يعزى الأمر في تحليل ما للرقعة الشاسعة ربما، وصعوبة وصول فروع المصارف إليها، بجانب أن ثقافة السودانيين لازالت بدائية في طريقة حفظ النقود، ولا يزال البعض يعتقد بأن (النقود مكانها البكماء).
هذه الأسباب وغيرها جعلت هناك ضرورة لابتكار خدمات تجذب السيولة للمصارف وتعمل على إشاعة الثقافة المصرفية، حتى إذا لم يكن المصرف هو الجهة المنفذة؛ فجاءت الأفكار للاستفادة من التقنيات الحديثة، وخاصة الهواتف الجوالة. وفي ظل إحصائيات تكشف أن هنالك ما يقارب الـ28 مليون شريحة وأن عدد مستخدمي الإنترنت بالسودان وصل إلى 11 مليونا، جاءت فكرة خدمات الدفع الإلكتروني أو الدفع عبر الهاتف الجوال.
2
الأسباب التي جعلت عددا كبيرا من أبناء المجتمع السوداني لا ينخرطون في النظام المصرفي التقليدي ترجع ووفقا لعمر حسين العمرابي مدير الشركة السودانية للخدمات المصرفية إلى أن أكثر من 93 % لا يملكون حسابات مصرفية بما يجعل من عملية مكافحة الفقر معضلة كبيرة بجانب ارتفاع تكلفة الخدمات المصرفية وضعف النشاط الاقتصادي في وقت يبدو فيه معلوماً بالضرورة أن معظم السودانيين لا يملكون دخولا ثابتة، واعتبر أن ما يعانيه السودان في هذا الأمر طبيعي وأن النظام المصرفي التقليدي غير مناسب للسودان وبعض الدول المجاورة.
3
يشير عمرابي إلى أن خدمة الدفع عبر الموبايل تمكن المستخدمين من استخدام الموبايل لإجراء التعاملات المالية دون الحاجة لحساب مصرفي وذلك عبر استخدامه وربطه بحساب إلكتروني مرهون برقم الشريحة ويمكن فتح الحساب عن طريق رسالة ومن مزايا هذا البرنامج أنه لا يحتاج إلى أوراق ثبوتية وأن النقود داخل الموبايل محمية عبر كلمة سر يختارها العميل بجانب أنه يمكن إجراء المعاملات المالية من سحب وإيداع عبر الوكلاء وأن الخدمة تمكن الزبون من إجراء كافة الخدمات الإلكترونية من شراء للكهرباء والرصيد بجانب الخدمات الإلكترونية الأخرى وتمكن من إجراء التحويلات المالية من موبايل إلى موبايل والتحويل من موبايل إلى حساب مصرفي والتحويلات العالمية بالإضافة إلى توزيع المرتبات والإعانات والتبرعات.
4
يقول عمرابي إن الأهداف التي جعلتهم ينتهجون هذا المشروع تعود إلى أهمية أتاحة الخدمات المالية لكل السودانيين أو ما يعرف بـ(الشمول المالي) وكونها وسيلة سهلة ومأمونة للدفع في الوقت المناسب للمواطن وجلب السيولة للمصارف لاستخدامها في التمويل والاستثمار كما أنها تمكن البنك المركزي من ضبط إصدار وإدارة النقد وفقا لضوابطه وتعمل على إدراج كل النشاط الاقتصادي في النشاط الرسمي مع العمل على خفض تكلفة المعاملات المصرفية وإدارة النقود وزيادة شفافية المؤشرات الاقتصادية وتوفير آليات فاعلة للقطاع الخاص من خلال خلق عدد من المشروعات والتوظيف.
5
بالتأكيد.. لا يخلو الأمر من تحديات خاصة وأن التجربة سبقتها تجارب أخرى في ذات السياق لم تحقق النجاح المطلوب، وهنا يكشف عمرابي عن التحديات التي تجابه المشروع ويحددها في مسألة التهاون بين الشركاء في تقديم الخدمة وتحمل البنية التحتية للاتصالات وتوعية وتوفير المعلومات للمواطن مع استمرار البنك المركزي في تبني سياسات مرنة.
6
بالنسبة لوزيرة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تهاني عبد الله فقد أسهبت في شرح دور وزارتها في مشاريع الخدمات الإلكترونية واعتبرت خدمة الدفع عبر الهاتف الجوال خطوة للتحول من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الذكية بعد أن تكتمل الخدمات الإلكترونية وأشارت إلى إنجاز وزارتها في بوابة حكومة السودان الإلكترونية التي تعمل على تقديم كل الخدمات في بوابة واحدة تسهيلا لمتلقي الخدمات الحكومية وأكدت على أن البنيات التحتية للاتصالات مهيئة لتقديم هذا النوع من الخدمات حتى يستفيد منها المجتمع السوداني بكافة شرائحه وأوضحت أن وزارتها معنية بتجهيز البنيات التشريعية والقانونية وتحديثها حتى تكون مواكبة لتقديم الخدمات الإلكترونية وحمايتها مع العمل على التنسيق مع الوحدات الحكومية وكشفت على أنه وببداية العام القادم ستكون كل الخدمات الإلكترونية مربوطة بالرقم الوطني للتقليل من الجرائم الإلكترونية ولفتت إلى أن 48 % من التقديم للجامعات كان عبر الهواتف الذكية وقالت إن الخدمات الحكومية يبلغ عددها ألفي خدمة ستتحول جميعها إلى إلكترونية في الفترة المقبلة وأوضحت أن خدمة الدفع عبر الهاتف الجوال بدأت منذ العام 2009 لكنها تعطلت مؤكدة على أن الخدمة لا تحتاج إلى هاتف ذكي وتعمل في كل أنواع الهواتف وتشترط امتلاك شريحة مسجلة لتقليل الجرائم وأكدت أن شبكتة الاتصالات تغطي 84 % من المناطق وأن المناطق التي لم تصلها الشبكة تكون لأسباب أمنية وأن الكثافة السكانية لا تغطي التكلفة الاقتصادية مما يجعل شركات الاتصالات تتقاعس عن بناء الأبراج ويصبح الأمر مسؤولية صندوق دعم المعلوماتية.. واشارت إلى وجود 500 موقع غير مغطاة وطالبت الشركات بالاهتمام بمناطق التعدين التي قد لا تكون تحتوي على كثافة سكانية ولكنها تحتوي على نشاط اقتصادي كبير.
7
رغم حضوره المتأخر إلا أن وزير المالية والتخطيط الاقتصادي بدر الدين محمود استطاع أن يمسك بزمام التوضيح للمشروع وأكد على أن المشروع جاء متأخرا لأسباب وصفها بالتقاطعات في المصالح الشخصية خاصة وأن السودان بدأ في التحول الإلكتروني منذ فترة ليست بالقليلة على حد تعبيره وتدرج بها إلى أن اكتمل الأمر بإطلاق أورنيك 15 الإلكتروني وقال إن النظام الإلكتروني سيواصل مساره حتى يصل إلى أن يستكمل حلقات الحكومة الإلكترونية والخدمات المصرفية الإلكترونية والتجارة الإلكترونية التي تسمح للمتعاملين بالداخل والمصدرين الخارجين وأشار إلى فوائد المشروع في تقليل الزمن والتكلفة وإلى أن النظام سيؤدى إلى انفتاح أكبر في الجهاز المصرفي ويعمل على مصرفة الأرياف والمناطق النائية دون الحاجة إلى وجود فروع للبنوك وأكد على حماية المتعاملين بالنظام لجهة وجود حماية من بنك السودان المركزي لودائعهم.
8
وحسم محمود الجدل القائم في مسألة خدمة النظام وقال إنها ستكون أقل من 7 % من التكلفة بعد أن تدخلت وزارة المالية وأعفت الخدمة من الضرائب والرسوم ونوه إلى أن الفائده الكبيرة تتمثل في الفائدة التي يجنيها الاقتصاد لأن الخدمة تعمل على تقليل عرض النقود وتأثيرها على التضخم وسعر الصرف وأشار إلى أن الأموال ستكون تحت سيطرة البنك المركزي مما سيساعد السياسة النقدية في ضبط الكتلة النقدية وإدخال قاعدة كبيرة من النقود داخل الجهاز المصرفي, وأكد على أن شركات الاتصالات لاعب أساسي في هذا المشروع إلا أنه طالب في الوقت ذاته بضرورة تحديد سقف للمبالغ التي يمكن أن توضع في الهواتف، وشدد على أهمية الرقابة من المركزي وشركات الاتصالات منعا لأي عمليات احتيال مرتقبة حفظا على حقوق المواطن. وكشف محمود عن مساهمة قطاع الاتصالات بـ11 % من الناتج المحلي الإجمالي وأشار إلى أن خدمة الدفع عبر الهاتف الجوال ستعمل على توفير ما يقدر بـ1,5 من تكلفة التاتج المحلي الإجمالي خلافا للمسائل الصحية الناتجة من تداول النقود.
الخرطوم- نازك شمام
صحيفة اليوم التالي