مبروك ..سحب الثقة من وزير..!!
في منتصف الشهر الجاري شهد البرلمان العراقي أحداثاً درامية.. تم استجواب وزير الدفاع خالد العبيدي حول اتهامه لرئيس البرلمان وبعض النواب بالفساد.. الوزير العبيدي كان صريحاً في توجيه الاتهام لرئيس البرلمان سليم الجبوري بأنه حاول تقديم رشوة لتمرير عقود فاسدة وصفقات مريبة.. حينما اشتد الضغط اضطر رئيس البرلمان للانسحاب فيما واصل البرلمان دورة الانعقاد..لاحقاً قام رئيس الوزراء بإصدار أمر تنفيذي منع بموجبه سفر رئيس البرلمان وزملائه ..كما تم تحويل الواقعة إلى جهاز التحقق من الفساد.
أصيبت ولاية البحر الأحمر أمس الأول بالرجفة..كل ما حدث أن المجلس التشريعي هنالك قد قام بسحب الثقة عن وزير الشؤون الاجتماعية الأستاذ محمد بابكر بريمة ..إقالة الوزير سببها تجنيبه لمبلغ (91) مليون جنيه من مال مخصص لمشروعات مكافحة الفقر.. بعد أن قال النواب كلمتهم عقد الحزب الحاكم هنالك اجتماعاً طارئاً ناقش التصرف الذي حسب بأنه (قلة أدب سياسي) والتعبير من عندي..هيناب أبو هدبة نائب رئيس المؤتمر الوطني اعتبر القرار البرلماني بأنه تصرف فردي خارج مؤسسات الحزب ..توعد أبوهدبة بالتواصل مع قيادة الحزب بالخرطوم لوضع الأمور في نصابها الصحيح .
في البداية يجب أن نقر أن السابقة النادرة التي قام بها مجلس تشريعي البحر الأحمر تستحق الإشادة ..بل إنها تأتي في إطار دوره كرقيب على الحكومة.. وإن احتجاج قيادة الحزب الحاكم في بورتسودان تأتي في إطار فقه السترة وتغييب المؤسسات..أما الاستعانة بالمركز في فض اشتباك داخلي ليس إلا إقرار بأن الساسة خارج الخرطوم مجرد عيال في دورات تدريبية ..كما أن في الخطوة شبهة استخدام فقه السلطان في تأديب الذين يعملون بضمير يقظ.. سيصبح الأمر كارثة لو تدخل المركز ضد الإجماع الكبير في تشريعي البحر الأحمر.. بل من الأفيد أن تنأى قيادة الحزب في الخرطوم عن التدخل في تفاصيل المشهد في الولايات.
المفاجأة أن الهيئة البرلمانية القومية بغرفتيها في مجلس الولايات والمجلس الوطني لا تستطيع إزاحة مدير التلفزيون فضلاً عن وزير الدولة بالسياحة ..الدستور الساري جعل سلطة إعفاء وتعيين الوزراء وحتى إنشاء وزارات جديدة خارج صلاحيات البرلمان.. كل ما يمكن أن يفعله البرلمان مجرد توصية قد تجد سبيلها إلى سلة المهملات.. لهذا لا يحترم الوزراء البرلمان ويتجاهلون جلساته.. بل ربما يغيبون عن حالات الاستدعاء القليلة بحجة أنهم في شغل شاغل كما حدث من قبل مع أكثر من وزير.
في تقديري.. قوامة البرلمان على الحكومة من أهم التعديلات المحدودة التي يحتاجها الدستور الحالي ..وجود رئيس وزراء منتخب من البرلمان يعزز من قدرة الجهاز التشريعي في إحكام الرقابة.. من المهم أن تتنافر السلطات المختلفة داخل الدولة حتى يتحقق مفهوم توازن السلطات.. الآن يتم تعيين الولاة وإعفاؤهم من وراء ظهر البرلمان.. حتى مؤسسات الحزب التي رفعت صوتها في بورتسودان تقابل أخبار إعفاء الولاة بالصمت.. ألم يكن من الأفضل أن يتحمل المجلس التشريعي في الدامر(وجه القباحة) في إعفاء الوالي السابق محمد حامد البلة.
بصراحة.. من سوء حظنا أنه علينا الآن أن نقتدي بتجارب دول مثل العراق وليبيا خرجت للتو من تحت غطاء الشمولية.. فيما عرفت مجالسنا التشريعية استجواب الرؤساء وإقالة الوزراء منذ أكثر من ستين سنة.