ارتفاع عدد لاجئي دولة الجنوب إلى أكثر من 150 ألفاً شرق دارفور .. أكثر من (هم) يحاصر الولاية
على بعد 3 كلم غربي مدينة الضعين حاضرة شرق دارفور لم تجد آلاف الأسر من لاجئي دولة الجنوب بداً من نصب خيامها كملاذ آمن بعد أن وجدوا أنفسهم خارج دولتهم الوليدة بسبب الحرب الدائرة، حيث بدأ بعضهم في تشييد مساكن مؤقتة من المواد المحلية المتمثلة في حطب العشر، والمشمعات وجوالات البلاستيك وهذه جميهعا لا تقوى على مجابهة الظروف الطبيعية خاصة وأن هذه الفترة تشهد هطول أمطار غزيرة مما يضاعف من معاناة هؤلاء اللاجئين وتشير الإحصائيات الأولية إلى ارتفاع معدلات اللجوء من جنوب السودان تجاه ولاية شرق دارفور عبر عده محليات متاخمة للجنوب، الأوضاع الإنسانية بمعسكرى راجا غرب مدينة الضعين ومعسكر السلام بمحلية عديلة، انعدام الخدمات الأساسيه لتقديم المساعدات الإنسانية من قبل المنظمات الطوعية الدولية للاجئي جنوب السودان
معسكر راجا: محمد أحمد الكباشي
أوضاع مأساوية
وجوه اللاجئين تبدو بائسة من واقعهم المأساوي الذي يعيشونه وهم جلوس تحت أشجار النيم على قلتها ويعاني أكثر من 60 ألف لاجئ جنوبي غالبيتهم من النساء والأطفال وصلوا شرق دارفور منذ شهر مارس الماضي، أوضاعاً إنسانية بالغة الصعوبة، بعد فرارهم من الظروف الأمنية والمعيشية التي خلفتها الحرب هناك، مما شكل ضغطاً على سكان الولاية. غالبية الذين وجدناهم بالمعسكر من الأطفال والنساء والعجزة فيما يبدو أن الشباب ذهبوا الى حقول العمل داخل المدينة وخارجها لأجل كسب لقمة العيش فالمعسكر الذي أطلق عليه اسم (راجا) غرب مدينة الضعين ويقع في مساحة شاسعة بدأ منذ عام 2001 ليضم وقتها عددا من النازحين.
ويرى السلطان حامد عبد الله الفرتيت المسؤول عن إدارة المعسكر أن تدفق اللاجئين للمعسكر ازداد بعد الأحداث الأخيرة وبالأخص منذ 15/ 6 الماضي لمدينة راجا، ووصل الى أوجه منذ منتصف يونيو الماضي.
“الضعين .. بدل هم صار همين”
حالة الفقر والبؤس التي تضرب المعسكر تشير إلى أن الأعداد الكبيرة التي أتت من جنوب السودان هرباً من الحرب الأهلية الطاحنة هناك ستساهم في كوارث أخرى في ولاية شرق دارفور وهذا ما أكده معتمد الضعين خلال حديثه للصيحة وأن مضاعفة أعداد اللاجئين من شأنها أن تزيد من العبء الأمني والخدمي لمدينة الضعين وبقية المحليات الأخرى،
وكشفت جولة قامت بها الصيحة عن تردي الأوضاع بالمعسكر من واقع الممارسات التي تتبع من قبل هؤلاء اللاجئين الذين يقدر عددهم بـ 4 آلاف لاجئ أتوا من مناطق مختلفة من دولة الجنوب (بردوم وشموم وتمساح وسبو وديم زبير وديم جلابة)، يروي لاجئو دولة جنوب السودان أن الرحلة تستغرق حوالي 15 يوماً الى 20 يوماً، ويروي شول زكريا أن هناك مخاطر كثيرة في الطريق تعرضوا أثناء هروبهم لنهب وسرقة من قبل تابعين لحركة العدل والمساواة وكذلك الجيش الشعبي، وأضاف: توفي أثناء الرحلة 13 شخصاً.
تفاقم الأوضاع
معسكر راجا الذي يتكون من الخيم المهترئة والـ(كرانك) لم تقدم لهم أي مساعدات إنسانية من المنظمات الطوعية في ولاية شرق دارفور أو إبداء الاهتمام من قبل سفارة جنوب السودان في الخرطوم ويقول السلطان حامد الفرتيت إن الوضع البئيي في المعسكر سيئ جدًا حيث ظهر عدد من الحالات المرضية منها حميات وإسهالات وأن التقديم الطبي الذي قدم من قبل الهلال الأحمر السوداني أنهم لم يحظوا باهتمام حكومة دولتهم. من جانبه يشير مفوض العون الإنساني بمحلية عسلاية عيسى أحمد عبد الله أن عدد اللاجئين بلغ 912 أسرة من الدينكا بتعداد 3763 نسمة وأن هناك لجنة كونت من قبل الولاية برئاسه اللواء بيرك نائب الوالي وزير التخطيط العمراني حددت معسكرين في شرق دارفور لاستيعاب 47 ألف لاجئ من دولة جنوب السودان، منها معسكر النمر بمحلية عسلاية غربي الضعين ونبه مفوض العون الإنساني بالمحلية الى أن المحلية تعاني من عدم دعم المنظمات الإنسانية خاصة وأن هناك معسكرا دائماً في المحلية شكل ضغطاً على الخدمات الإنسانية في المحلية وأضاف أن معسكر السلام بالمحلية خلف إشكالات عديدة في مجال الخدمات مما يضاعف من معاناة الولاية.
من جهته اعتبر معتمد محلية عسلاية العقيد شرطة محمد زين استعياب أعداد اللاجئين من دولة جنوب السودان يشكل ضغطا على الخدمات المحلية ولكن لابد من الإيفاء بالجوانب الإنسانية، مشيراً لضرورة تحرك منظمات المجتمع المدني لبتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين.
حكاوى محزنة
خديجة إبراهيم في نهاية العقد الخامس تقطن في معسكر (خور عمر) لاجئة من دولة جنوب السودان تحكي عن ظروف محزنة مرت بها خلال الحرب الأخيرة التي اجتاحت مدينة راجا. تقول خديجة إنها من قبائل الفراتيت التي تقطن تلك المنطقة، وفي تلك الليلة التي اجتاحت فيها قوات تقول إنها لا تعرفهم إن هم كانوا من الحكومة أو المعارضة، وتضيف هربت ليلاً برفقة العشرات من الأهل بعد أن شاهدنا دماء أبنائنا تسيل. في هذه اللحظة بدت حزينة كادت أن تبكي، وتمضي خديجة بالقول: عبرنا الغابات في رحلة استغرقت (45) يوماً ولم نملك شيئاً من الغذاء أو الشراب نشرب من مياه الأمطار، مات الكثير من كبار السن والأطفال الذين صعب عليهم مشوار الهروب الكبير، ولفتت إلى أن رعاة الأبقار في شرق دارفور المنتشرين على طول الشريط الحدودي ساعدوهم بتقديم المأكل والمشرب الأمر الذي ساعدهم في الوصول بأمان، ولفتت خديجة الى أنها لا تعرف شيئاً عن أوضاع أبنائها وأفراد أسرتها الذين فر كل منهم على طريقته بعد اشتعال الحرب.
وتشير إلى أن المعسكر يستقبل يومياً عشرات الأسر القادمة من جنوب السودان وهي تحتاج للخدمات الأساسية.
بيئة متردية
الصراع القبلي في جنوب السودان أثر بشكل مباشر على الولايات الحدودية المتاخمة خاصة وأن هناك عدداً من ولايات دارفور تعتبر من الولايات الحدودية المتأثرة بالصراع هناك، ويمضي السلطان حامد أن معظم اللاجئين يعملون في الأشغال الحرة لكسب معيشتهم، وطالب بضروره تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين مشيرًا إلى أن هناك عددا من اللاجئين غرقوا في بحر العرب بسبب ارتفاع مناسيب النيل مما شكل خطورة كبيرة عليهم وهم فارون من جحيم الحرب الدائرة هناك.
وتشير تريزا اشويل إحدى اللاجئات في معسكر راجا أن هناك تحديات تواجه النساء في المعسكر وعلى رأسها الرعاية الأولية للحوامل والأطفال والرضع مما يخلق وضعاً متردياً لصحة الأم والجنين ويساهم في حالة الإجهاضات المتكررة وانتشار الأوبئة في المعسكر بسبب الخريف وانتشار الأمراض المستوطنة الملاريا والبلهارسيا وكذلك انتشار الإسهالات والحميات.
شكوى رسمية
معتمد الضعين علي الطاهر شارف يقول إن لاجئي دولة الجنوب قدموا الى الولاية خلال مرحلتين الأولى من بحر الغزال وأويل، الثانية من جوبا راجا في محلية الفردوس وحي خور عمر عددهم يتزايد كل يوم، وظللنا نناشد وزارة الصحة والمنظمات ومفوضية العون الإنساني لاحتواء الموقف وتقديم خدمات للاجئين. وأضاف: وجدنا استجابة ولكن ليس بالقدر المطلوب. وأضاف معتمد الضعين أن تدافع لاجئي دولة الجنوب نحو المحلية أثر بصورة واضحة على كثير من الخدمات التي تقدم للمواطن خاصة وأن كثيراً من الخدمات لا تغطي حاجة المواطن الموجود، وهؤلاء اللاجئون شاركوا المواطن في الخدمات البسيطة، وبلا شك لهم آثار سالبة بالرغم من الجهود الأمنية بهذا المعسكر، حيث ظهرت لنا خلايا تختبئ بالمعسكر وكثرت البلاغات في ضبطيات الخمور والمخدرات بصورة كبيرة إلى جانب الوبائيات والأمراض، وقال إن الأجهزة استطاعت التعامل معها وأخطرنا الجهات الرسمية بأن يتدخلوا الآن وتم تحديد معسكر آخر في منطقة كريوت تتبع لمحلية بحر العرب ومعسكر آخر في منطقة نمر بمحلية عسلاية وإذا تم ترحيل هؤلاء اللاجئين الى هذه المعسكرات فلن تتأثر محلية الضعين مثلما هي عليه الآن تعاملنا مع هؤلاء اللاجئين في الفترات السابقة بإمكاناتنا المتاحة والموجودة الآن أصبحت القضية فوق طاقتنا وهي قضية عالمية، وقد تجاوزت أعدادهم 58 ألف أسرة، تم تخطيط معسكر قريو. هناك الآن مواد غذائية توزع عليهم.
بينما قال معتمد محلية أبو جابرة الضيف عيسى عليو إن الآلاف من الجنوبيين الفارين من ضيق الحياة المعيشية والحروب بدولة جنوب السودان وصلوا الى العديد من محليات الولاية بينها محليته، يعيشون وسط ظروف إنسانية معقدة مما يتطلب تسريع تقديم المساعدات الضرورية المنقذة للحياة من المواد الغذائية والدوائية ومياه الشرب. ولفت إلى أن استفحال الأمر سيؤدي إلى تفشي الأمراض والأوبئة وسط اللاجئين، مما يستدعي ضرورة توفير الأغطية والناموسيات لمواجهة فصل الخريف . وطالب الضيف المنظمات العاملة في المجال الإنساني عبر وزارة الشؤون الإنسانية بأهمية الإسراع في معالجة الموقف سيما وأن الوضع الإنساني للاجئين لا يحتمل أي التأخير، مضيفاً أن المنظمات التي باشرت عمليات حصر اللاجئين لم تفرغ من عملها بعد نتيجة لاستمرار تدفقهم على الولاية. وحذر الضيف، من أن تدفق الجنوبيين بهذه الأعداد الهائلة سيشكل ضغطاً كبيراً على الحياة المعيشية لسكان الولاية ما لم تسارع وزارة الشؤون الإنسانية بالتنسيق مع المنظمات لتقديم العون الإنساني على جناح السرعة، مشيراً الى ارتفاع أسعار السلع الغذائية نتيجة لتدفق اللاجئين بالولاية بجانب وجود أزمة في المياه الصالحة للشرب.
أطفال خارج المدارس
بينما يقول خميس بيتر اللاجئ من منطقة واو بولاية بحر الغزال إن الحرب شردت الأسر وتقطعت بهم السبل، وأضاف أن الخيارات أمامهم بعد بدء الحرب بدت محدودة ولم يك أمامهم خيار غير الفرار الى الشمال، ودعا خميس المنظمة الدولية لتقديم الخدمات للاجئين من غذاء وكساء وتعليم مشيراً الى أنهم يعيشون أسوأ الظروف الإنسانية بالمعسكر، وأشار الى أوضاع الأطفال في سن الدراسة الذين تركوا مدارسهم وباتوا مشردين، داعياً الجهات الخيرية لمساعدة لاجئي جنوب السودان.
البحث عن عمل
تبدو فرص العمل متوفرة للاجئي الجنوب في شرق دارفور في فصل الخريف بعد معدلات الأمطار المرتفعة التي هطلت بالولاية حيث تحرك الكثير منهم للعمل في المزارع بأجور مرتفعة على ذمة عدد منهم أو العمل كعمال بناء داخل المدن، وعاد الكثير منهم للعمل مع أصحاب المواشي كرعاة سيما وأن جلهم له سابق حياة في شرق دارفور قبل توقيع اتفاقية السلام الشامل خاصة بمعسكر راجا الذي يقع بمنطقة خور عمر غربي الضعين حيث لم يعد السلطان حامد عبد الله، إلى الجنوب رغم الانفصال وظل يعيش في المعسكر رغم أن الكثيرين غادروا الجنوب وعادوا مرة أخرى ووجدوه مقيماً في أمن وأمان، ويحتفظ بعلاقات جيدة مع مواطني الضعين الذين قال إنهم قدموا المؤن للاجئين الذين قدموا مؤخراً بعد الأحداث الأخيرة في جنوب السودان، وشهد معسكر راجا تدفقات كبيرة من مواطني دولة الجنوب نتيجة الحرب الدائرة هناك ووصل العدد خلال الأيام الماضية إلى أكثر من أربعة آلاف لاجئ. وكشف السلطان حامد عبد الله عن ارتفاع عدد اللاجئين إلى أربعة آلاف بالمعسكر وأبان أن المعسكر يستقبل خلال اليوم أكثر من 50 لاجئاً، ووصف الأوضاع بالمأساوية في ظل غياب تام للمنظمات مع ظهور حالات لأمراض الإسهال والملاريا أدت الى عدد من الوفيات وسط الأطفال والحوامل والعجزة. من جانبه ناشد وليم مارشلو ـ قيادي بالمعسكرـ حكومة شرق دارفور والحكومة المركزية تقديم المساعدات للمعسكر خاصة فيما يلي المشمعات والخيام لمجابهة فصل الخريف.
العون الإنساني
ويقول مفوض العون الإنساني بولاية شرق دارفور إبراهيم موسى، إن أعداد اللاجئين الجنوبيين وصل عددهم (47904) لاجئ من قبيلة الدينكا وصل معظمهم في شهر فبراير الماضي الى الولاية، حيث أقام (6000) بمحلية أبوجابرة، وأقام الجزء الأكبر منهم بمعسكر خور عمر في مدينة الضعين وأشار موسى، الى أن موقع المعسكر يقع في حي سكني وسط المواطنين ولا يمكن للاجئين الإقامة فيه، وأكد أن الحكومة بعد أن انتهت من حصرهم التزمت منظمة الغذاء العالمي بتقديم مواد غذائية لهم.
لاجئوا راجا
من ناحيته قال المفوض إبراهيم، إن اللاجئين المنحدرين من منطقة راجا بدولة جنوب السودان فروا عقب أحداث راجا الأخيرة الى منطقة (أم سنيدرة) بمحلية الفردوس، مشيراً الى أن المفوضية زارتهم بمعية وكالات الأمم المتحدة، وتم حصرهم وتوزيع مواد غذائية وغيرها عليهم لافتاً الى أن المجتمع المدني ساهم كثيراً في تقديم الخدمات للاجئين بجانب المنظمات الدولية والمحلية.
وحول الأوضاع الصحية قال المفوض إن كل ما يحتاجه اللاجئون يأتيهم عبر منظمة الصحة العالمية ورعاية من وزارة الصحة الولائية.
إجراءات أمنية مشددة
بينما وضعت حكومة ولاية شرق دارفور خطة أمنية فى أعقاب تدفقات اللاجئين الجنوبيين على الولاية في وقت أكدت فيه استقرار الأوضاع الأمنية والاجتماعية بجميع المحليات.
وأوضح نائب والي شرق دارفور محمد الحسن بيرك أن الخطة تشمل حماية وتأمين عودة الرعاة من الجنوب للشمال، مبيناً أن المنافذ الحدودية تحظى بتركيز خاص من إنفاذ الخطة. وأضاف أن الولاية تستقبل تدفقات كبيرة من اللاجئين الجنوبيين الفارين من التوترات بدولة جنوب السودان، لافتاً إلى أن هؤلاء اللاجئين يخضعون لإجراءات أمنية مشددة ويعرضون على كشف طبي دقيق عبر المناطق الحدودية، مؤكداً أن شرق دارفور تشهد استقراراً أمنياً وأن حكومة الولاية تعكف حالياً على الترتيب لإجراء عدد من المصالحات القبلية.
الصيحة