منوعات

“صائدو العقارب”.. أطفالٌ تونسيون لا يخافون الموت ليضمنوا مصاريف حياتهم

هو صيدٌ من نوعٍ خاص جداً أبطاله أطفال لم يتجاوزوا عقدهم الأول دفعتهم الحاجة قبل التسلية لخوض غمار تجربة محفوفة بالمخاطر، ففي ريف قصر المحاضنة من منطقة بني خداش في أقصى الجنوب التونسي، ينهض عاطف (12 سنة) وشقيقه نور الدين (13 سنة) لينضما لثلة من أقرانهما وينطلقوا في رحلة بحث عن العقارب السامة.

ومن أكثر تلك العقارب التي يبحثون عنها انتشاراً عقرب “الموت الأصفر Yellow Scorpion”، الذي يوجد بين الأشجار وتحت الصخور والرمال، حيث يتصيدونه بلا معدات تحميهم، وزادهم كله ليس سوى ملقط حديدي وعلبة قصديرية.

يكابد الأطفال لهيب الحر وعناء السير على الأقدام لعشرات الكيلومترات، لينتهي بهم المطاف في أحد مخابئ العقارب يلتقطونها بحذرٍ مشوب بعبث طفولي دون تقدير للعواقب، قبل أن يعودوا أدراجهم بعد يومٍ شاق ليبيعوا ما تيسّر جمعه من العنكبيات السامة لأشخاص متخصصين في هذا النوع من التجارة مقابل 200 مليم للعقرب الواحد (أقل من ربع دولار).

جمال لملومي، ناشط في المجتمع المدني وأحد المتابعين لعملية صيد العقارب يؤكد لـ”هافينغتون بوست عربي” أن الفقر والتهميش وغياب وسائل الترفيه في هذه المنطقة أحد أهم الأسباب التي دفعت بهؤلاء الأطفال للمخاطرة دون اكتراث بحياتهم في سبيل جمع العقارب وبيعها لتأمين مصاريف السنة الدراسية القادمة ومساعدة آبائهم في كسب لقمة العيش.
ويشير إلى أن عملية صيد العقارب في منطقة بني خداش التي ينحدر منها “تحوّلت إلى تقليد موسمي”.

مصابيح ضوئية خاصة بالصيد

تحول صيد العقارب السامة في منطقة بني خداش التي تتميز بمناخها الصحراوي الحار من النهار إلى الليل مع وجود مصابيح صينية تضيء بالأشعة فوق البنفسجية تباع ب 4 دولارات، يستغلها بعض من هؤلاء الأطفال لاقتفاء أثر العقارب ليلاً، حيث توجه الأشعة المنبعثة من المصباح لتشل حركة العقرب ويسهل اصطيادها حية.

تجارة وموروث عائلي

تعد عائلة العايب في منطقة بني خداش من أشهر العائلات التي تخصصت في تجارة هذه العقارب السامة منذ نحو 3 عقود، حيث توارث الأبناء مهنة والدهم في جمعها من صائديها ثم بيعها لمعهد باستور للأبحاث بتونس العاصمة.

نجيب العايب ابن العائلة يؤكد لـ”هافينغتون بوست عربي” أن والده الراحل تعاقد منذ 35 سنة مع معهد باستور ليكون مزوداً رسمياً لهذا النوع من العقارب السامة، والتي يستغلها فيما بعد الأطباء والباحثون في تجاربهم العلمية وفي استخراج الأمصال واللقاحات المضادة للسموم واللدغات.

عملية تجميع العقارب من الأطفال، كما يوضح نجيب تتم يوم السبت من كل أسبوع في أربع نقاط شراء مختلفة، وهي قصر المحاضة وعزيزة ووجه الغا، وأخيراً بني خداش المدينة التي يشرف فيها على هذه العملية التي يصفها بالدقيقة، حيث يصطف عشرات الأطفال مصحوبين بآبائهم أو أشقائهم ليبيعوا مئات آلاف العقارب التي جمعوها طيلة الأسبوع.

من بني خداش إلى معهد باستور

ويقوم نجيب رفقة أشقائه بتجميع العقارب السامة في صناديق ثم تعبئتها في شاحنة لينطلق عشية الأحد نحو العاصمة قاطعاً أكثر من 500 كيلومتر ليصل ليلاً إلى تونس، ثم يقوم بتسليمها لمعهد باستور بمقابل مادي عن كل عقرب.

ويوضح محدثنا أن معهد باستور يشترط أسبوعياً تسليم ما بين 80 إلى 100 ألف عقرب.

استخدامات سم العقارب

الدكتور ماهر عباسي قال لـ”هافينغتون بوست عربي” إن أهم الاستخدامات الطبية في تونس لسم العقارب يتمثل أساساً في استخراج أمصال مضادة للسموم من خلال تلقيح هذا السم للخيول لينتج فيما بعد مضادات لضحايا لدغات العقارب” Scorpion “antitoxins or antivenom، فضلاً عن استخدامه في الأبحاث الطبية.
ويعد سمّ العقرب من أغلى السوائل في العالم حيث يصل سعر الجالون الواحد (3.7 لترات) من سمّه إلى 39 مليون دولار.

هافغنتون بوست