قطرات من دفاتر ألوان القديمة..!!
< النفط مهما كان عطاؤه، هو اقتصاد كسول ليس للناس فيه إلا «حق المناولة» والزراعة اقتصاد نشط للناس فيه حق الرعاية والكسب والجمال، وقد آثرنا الناضب وقدمناه على النابض .. أخشى أن يأتي اليوم الذي يفارقنا فيه البترول وتدخل «السلوكة» والساعد السوق الأسود وتتأبى امريكا علينا بقمح العمالة والتواكل المجاني وبعدها تصبح الكتابة عن «الصياعة» فرض عين!! < العاصمة حتى الأمس بلا أمطار ولا دعاش ولا حتى نسمة تقيل عثرة الأنفس الظامئة والأنوف التي أزكمتها روائح المحروقات .. ولاية الخرطوم بلا أمطار عقاب يستحق التدبر. < اتصل بالهاتف القديم لشريكة حياته الراحلة من باب التجريب فردت عليه.. ارتعد وصمت واغلق الخط.. التبرير الوحيد الذي أراحه وأزعجه إنه ميت، ولكنه لم يبلغ اليقين بعد.. وبمفرده بدأ في إعداد مراسم الدفن وكتب على قميصه «قريباً»..!! < اختار العمالة ووجد التمويل والتجهيزات المتكاملة، واصدر الصحيفة ولم يحتفِ بها أحد إلا المشتركين المجبورين والمجبولين على الطاعة.. ولكن كل هذا لم يستطع أن يمسخ براءة القارئ.. اضطرا لتوزيعها على المؤسسات بثمن «الأتاوات» فحلت محل حاملة فتات المائدة.. وسيظل هذا دورها المستقبلي حتى ينتبه السادة المانحون إلى أنها مجرد حوض رملة.. وهذا أبداً لن يرتوي ولن يرد أحد من مائه الآسن. كانت هذه الديباجة الختام لصحيفة ماتت ومدخلاً لصحيفة ستموت، وأخرى على وشك الميلاد الميت. وإذا تواضع جداً صنع شركة توازي الوزارة، مثلا سيد «نون» كان وزيراً للطرق الجسور، خرج منها فامتلك شركة ضخمة للطرق والجسور، وصارت الوزارة «حتة» ملف في شبكة مصالحه الممتدة. وسيد «سين» كان وزيراً.. لن اكمل فهذه أحق بها أن تدخل في مسابقات الكلمات المتقاطعة. < الأردن افتتحت كلية الطب عام 1964م حين كان أطباؤنا يحاصرون ساحة القصر يا حقل النار!! وكلية الطب عندنا من أنداد الحرب العالمية الأولى.. والآن صار أطباؤنا ومرضانا يتعالجون في الأردن.. دون الدخول في أية ورش عمل أو مؤتمرات.. هنالك كلمة واحدة تلخص ارتكاسنا اسمها «المحقة»..!! < مفهوم أن تكون هناك هزيمة جزئية أو كلية.. ولكن من غير المفهوم ألا يكون لنا أبطال ومقاومون ومشروع تعبوي نصنع له التواشيح والقصائد ونسمي عليه أبطالنا .. هذه حالة شاذة في التاريخ، لقد صار في واقعنا الحاضر بائس والناس يشاهدون نشرة الاخبار المجازر وصدر هيفاء وهبي المصنوع من عجينة البروتين الاصطناعي وكيمياء البلاستيك..!! < أتابع قراءة الصحف الاجتماعية، لأرى بشاعة ما نحاول أن نخفيه برفض متابعته بالحكي والسماع والكتابة.. خطيب يقتل خطيبته.. صديق يغتال صديقه بسبب جنيه.. عشرات الأطفال حديثو الولادة مقذوفون في لفافات أينما اتفق .. الايدز يتصدر القائمة.. السكري يحتل المرتبة الأولى في السودان، وأمراض الكُلى آخر مؤتمر بنيروبي. < الناس لا يحبون الناس في بلادنا .. الحب أصبح مكلفاً جداً في بلادنا، يبدأ بالسندوتش والحاجة الباردة والروشتة وحق المواصلات ومصاريف الجيب وبعض العطور والنكات الجديدة والحماية وينتهي بالطلاق قبل الزواج..!! < كانت الفتاة في الريف غاية مناها أن تصبح خريجة ثانوية.. لتصبح بعدها معلمة راتبة للصغار، ومعلمة محو أمية للكبار، ومساهمة في الحركة الاجتماعية.. قانعة بزوجها المزارع الفحل المعافى الراضي ود الناس.. الآن صارت الجامعات والكليات المبتورة تقبل الطلاب والطالبات بأقل من نصف المجموع.. فصارت تخرج آلاف الجهلة النظريين وآلاف العطالة وآلاف العانسات.. ويتجول بيننا القلم الناشف والدماغ الناشف لاصدار القرارات. والسادة لا يراجعون ولا يتراجعون لانهم من دم الأنبياء. < كل المساجد في بلادنا متخصصة في الآخرة، فلم أجد مسجداً واحداً قد تخصص في الحياة، ولذلك يظل المسجد في بلادنا بلا شجرة ولا أزاهير، وتظل أغلب الحمامات لا تصلح للاستعمال الآدمي، مثل حمامات مطار الخرطوم الجديدة التي أنهارت في شهر واحد. < «البياض نصف الملاحة» كما يقول بعض العرب من أهل الأدب.. كدت أن أهاجم هذه المقولة المتطرفة، ولكن أرطال «البودرة» التي ينوء بها وجه تلك السمراء صدتني..!! < قام بتدريسنا متدرباً (ود عز) أوقعته الظروف في فصل به الكثير من (الشرامة) وقد أصر زميلنا الرّباط (ود الصول) على جلده فأسررنا للأستاذ كلمة السر وقد قالها وخرج (درتها معاي يا ود الصول لكن ما بتلقاها).. فانهار المخطط وأصبحت العبارة (المين شيت) في المدرسة. < تقابل أحدهم فتحسبه مسؤول في السياحة فتكتشف أنه عميد في الهجانة.. وتقابل أحدهم فتظنه من حرس الحدود فتكتشف أنه ضابط علاقات عامة وتسويق في فندق خمسة نجوم.. وتقابل (سيدة شيك) مترعة بالذهب في نمرة اثنين تحسبها زوجة لرجل مهم قادم فتكشف أنها ست شاي أمام البنك السوداني الفرنسي. < راقت لي فكرة تعريف الصحافة تحت عبارة (إنها فن الوشاية النبيل).. ..الصحافيون العظماء هم الذين لم يجدوا أحداً يكتب عنهم فاضطروا أن يكتبوا عن الصغار. < إذا لم نعد هيكلة السودان على أسس علمية راسخة فإننا لن نستمتع بأي فعل في خواتيمه ولو تلمظ آخر الكوب في نهار قائظ. < تعقدت دواخلنا وتداخلت وأصابها الغموض حتى أصبحنا لا نضحك لنكتة ولا يهزنا لحن ولا تعتقلنا قصيدة.. عجبي للذين يمارسون حتى الآن فضائل الضحك واهتزاز الطرب ويصفقون للأوزان حين تمارس الهارموني الطليق.. < دعونا من 91 يوليو التي مرت الشهر الماضي.. وما الذي فعله الشفيع والذي لم يفعله والذي قاله والذي لم يقله استنطقوا فاطمة (القصب الأحمر) في بداية المجتهد ونهاية المقتصد في المعارف الإنسانية ماذا كان يقرأ الشفيع وكيف كان يصلي وكيف كان يعامل أسرته وكيف كان ينتقد دوقما الماركسية وهل كان مفكراً أم أنه كان مجرد صنايعي بسيط ألبسوه حلل لينين المتلاصفة للشغيلة وقادوه عبرها إلى المقصلة.. وعاد بعده الزمان الأمدرماني والعطبراوي إلى هيئته الأولى يلبس (توب القنجة) وتدخل الأرملة بيت (الحبس) أربعة أشهر وعشرة أيام حتى تبصم الشريعة بعدها بإذن الحرية المفتوح!! أسئلة نحتاجها حتى لا نقع في دوامة التكرار والدموع.. < ذهب مهندس في الخمسينيات وقد انتدب من قبل زعيم طائفة دينية لتحديد ومسح أراضي قبيلة تتبع للزعيم وعندما عاد المهندس وقد أكمل مهمته على أتم وجه سأله الزعيم الديني كيف حال أهلنا (سين)؟ فضحك المهندس وقال في سخرية: (لقد بلغتهم سيدي رسالتك تماماً ولكن رسالة (جدك) لم تصلهم بعد، وكان يعني النبي!!.. قلت لراوي الحكاية المعبرة أما الآن فإن رسالة الطائفي لم تصل وكذلك رسالة المعصوم وهذه درجة موجبة في مدارج السالكين نحو الإرادة والوعي والتغيير .. وكما يقول أهلنا في الجزيرة (العافية درجات)!! لم يتركوا لك ما تقول ورغم هذا فها أنت تكتب يومياً وقد نضبت بئر السقيا إلا من الملح الأجاج بعد أن سرق لصوص المرحلة ونهازي الفرص اللحم الطري والحلية التي استخرجها الأتيام لليوم الأسود.