القاش .. قصة قـرى تحت الماء .. «1»
ما شهدته ولاية كسلا في خريف هذا العام ربما لم تشهده طيلة السنوات الماضية إن كان من ناحية السيول أو فيضان نهر القاش، ففي الاولى كان الضرر الاكبر في محلية همشكوريب التى انقطعت عن عاصمة الولاية مدينة كسلا بعد أن انقطع الطريق القومي، فنهر القاش لم ينجح في الوصول الى همشكوريب، ولكن السيول نجحت في ذلك وقطعت المدينة عن العاصمة الولائية. وعلى بعد مسافة ليست ببعيدة من نهر القاش الذي يمر بمحلية أروما، ترقد منطقة مكلي التى تجمع أهلها لإيجاد العلاج الناجع من بعض أمراض الخريف، وبعضهم دمر فيضان القاش منازله، ولكن الضرر الأكبر في أروما كان في بعض مناطق المحلية التى شهدت نزوح عدد من القرى بعد أن غمرها القاش . مكلي وأمراض الخريف في منطقة مكلي بمحلية اروما تجمع عدد كبير من المواطنين حول أحد المراكز الصحية التى نصب فيها مخيم علاجي تابع للقافلة الصحية التى أرسلتها حكومة الولاية، وقال لنا دكتور محمد يوسف إن من أكثر الامراض انتشارا هذه الايام هي الملاريا والنزلات المعوية والتايفويد والتهابات البول، لأن المياه بها بعض التلوث. وأضاف د. محمد أن هناك نزلات معوية، ونفى أن تكون هناك وبائيات، وأشار أن العلاجات في العادة غير متوفرة ولكن القافلة التى أرسلتها حكومة الولاية بها كل الاحتياجات من ادوية واجهزة فحص ومشمعات للمتضررين، وأردف أن القافلة لمدة يومين وهي كافية لتوفير العلاجات الضرورية في الخريف. عدد من مواطني المنطقة تزاحموا لإيجاد العلاج لمرضاهم خاصة أن المنطقة ليس بها طبيب وإنما مساعد طبي يشرف على العلاج في فترة ما قبل الخريف، ولكن مع القافلة الطبية كان هناك أطباء وفني معمل، الى جانب صيدلي يشرف على صرف الادوية اللازمة للمرضى. عيون الأطفال تتحدث خرجنا من مكلي نفكر في كيفية السيطرة على هذا النهر المتمرد الذي غضب هذا العام كما لم يغضب طيلة السنوات الماضي، وقال لنا بعض المواطنين أن ما شهدوه هذا العام من فيضان القاش لم يسبق أن شاهدوه من قبل وكذلك كمية الامطار التى هطلت هذا العام في الولاية لم يشهدوها من قبل. وفي ذات المحلية أروما، وجدنا أعدادا كبيرة من الاسر وهي تحتمي بالخيام التى وفرتها لهم حكومة الولاية بعد فيضان القاش، توقفنا وسألنا عددا منهم، فقال لنا أحدهم إن هذه المنطقة بها عدد من القرى وأولها الكملاب. وأوضح أن الفيضان فاجأهم في صباح احد الايام ليغرق كل المنازل وتركوا خلفهم تحت المياه جميع أملاكهم وأغراضهم، وأشار الى أن هذه المنطقة بها أعداد كبيرة من المواطنين من خمس قبائل مختلفة ويعيشون في انسجام تام والآن الفيضان جمعهم في العراء تحت خيام. وأثناء حديثنا مع عدد من المواطنين شاهدنا أعدادا من أطفال تلك المناطق وهم عري يتجمعون حولنا وعيونهم تنطق دون لسانهم بأننا نحتاج اليكم ولجميع اهل السودان لحمايتنا من غضبة القاش. إنقاذ أسرة ضريرة بدت على المواطن (محمود حامد) نظرة خوف واستغاثة للمنظمات وهو يسرد فيضان القاش ودمار منازلهم، وقال لنا إن حكومة الولاية لم تقصر معنا، أتت لنا بالاكل والخيام، وأردف أن بحر دبلوك – منطقتهم- يعيش فيها عدد من القبائل، وأشار محمود الى أنه عند الفيضان ومداهمة المياه ظهرت لهم الثعابين من تحت الماء وأصابت عددا من المواطنين الذين يتلقون الآن العلاج في المستشفى بمدينة كسلا. وقال لنا نحن لازلنا نحتاج للكثير من الاغاثات خاصة أننا الآن نعيش في الخلاء وأرضنا تحت الماء وكل ما نحتاجه مسيطر عليه القاش، مدارسنا وكل احتياجاتنا لم نخرج بشيء بعد أن غمرت المياه منازلنا وممتلكاتنا. وفي تلك القرية وجدنا عددا من الاسر تعيش تحت الخيام التى انتشرت في العراء الواسع، وفي إحدى تلك الخيام كانت تتواجد اسرة ضريرة الأبوين، وحينما سألنا عن كيفية إنقاذ هذه الاسر، أوضح لنا بعض المواطنين أن إنقاذ تلك الاسر تم بواسطة عدد من شباب القرية والآن هم محاطون بالعناية والرعاية من الجميع. القاش يجرف شارع تلكوك في محلية تلكوك يعيش المواطنون في معاناة كبيرة بعد أن جرف القاش الشارع الرئيسي الذي يؤدي الى مدينة توايت التى تقع على الضفة الشرقية من القاش، وقال لنا عدد من المواطنين إن مياه القاش هي التى قطعت الطريق بعد أن كثرت المياه على المجري الرئيسي للقاش. وأشاروا إلى أن اندفاع المياه كان قويا جدا ما نجح في كسر اجزاء كبيرة من الشارع المسفلت الذي يوصل الى محلية تلكوك. موسى في همشكوريب الوصول الى محلية همشكوريب يتطلب الكثير من الجهد والعناء بعد انقطاع الطريق المؤدي اليها جراء السيول، بيد أن مساعد رئيس الجمهورية موسى محمد احمد وصل الى همشكوريب عبر مروحية رئاسية ليتفقد المتضررين هناك. وثمن موسى الجهود المبذولة والادوار المقدرة من قبل حكومة الولاية واللجنة العليا للطوارئ والمنظمات الاجنبية والوطنية في مجابهة طوارئ الخريف والآثار الناجمة من السيول والفيضانات، وذلك لدى زيارته للمناطق المتأثرة، وقال إن الزيارة جاءت تأكيدا لاهتمام رئاسة الجمهورية بالأوضاع الانسانية بالولاية وتفقد أحوال المواطنين بالمناطق المتأثرة، فضلا عن التنسيق وتوحيد الجهود بين الولاية والمركز لمجابهة الفيضانات خاصة أن الفترة المقبلة حسب تقارير الإرصاد الجوي تشير لوجود مناسيب اكبر للمياه. وأكد مساعد رئيس الجمهورية أنه ومن خلال الجولة التفقدية على المناطق والمحليات المتأثرة.. أكد ضرورة وضع الترتيبات اللازمة للمتضررين وتمكينهم من الاستقرار كأولوية، بالاضافة لمعالجة الطرق التي تأثرت بالسيول، فضلا عن اتخاذ منافذ لتصريف المياه حالة اصلاح الطرق. ودعا موسى لجنة الطوارئ لتنسيق العمل حتى ينصب في معالجة القضايا المختلفة والتي تشمل الجانب الصحي، فضلا عن تبني وقيادة نفير لاستنهاض المنظمات الوطنية والاجنبية لاستقطاب الدعم على مستوى المركز. مؤكدا ضرورة العمل على معالجة جسور الحماية بالقاش من المدخل حتى المنطقة شمال مدينة كسلا ومعالجة مياه همشكوريب التي تأثرت بالسيول، وذلك بحفر آبار إضافية وتشغيل الآبار المعطلة بصورة عاجلة وترحيل المواطنين الى المناطق الآمنة. استنفار واستعداد كامل لمقبل الأيام ربما الشخص الاول الذي لم يغمض له جفن خلال الايام الماضية هو والي كسلا آدم جماع، الذي قال إن الولاية خلال الفترة الماضية كانت في حالة استنفار وتأهب استعدادا لمجابهة موسم الخريف، مشيدا في هذا الصدد بالادوار التي تمت على كافة المستويات بالولاية في مناصرة المتأثرين والتصدي لتداعيات الفيضانات والسيول. وتابع أن مياه القاش بدأت في الانسياب والتدفق منذ وقت مبكر وسجل النهر مناسيب ومعدلات كبيرة غير مسبوقة، وساهمت ترتيبات وحدة ترويض القاش في تلافي الكثير من الأضرار، وأضاف أن هنالك خسائر حدثت في عدد من المحليات بمياه الفيضانات والسيول خاصة محلية همشكوريب والتي أدت الى فقدان عدد من الأرواح.
الانتباهة