رحلة تفاوض ونزال الحكومة والمعارضة تبلغ محطتها الأخيرة
مشوار طويل أنفقته المعارضة المسلحة والسياسية في صراعها مع الحكومة، فالعسكرية أخذت إجازة قصيرة قوامها ستة أعوام على مرفأ (نيفاشا) ، لتعود أدراجها للسلاح مجدداً في المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الازرق) ، إثر رحيل الجنوب الذي قرر مصيره بالانفصال، وكذلك الحال بالنسبة للمعارضة السياسية التي هادنت النظام وعارضته عبر أقلية برلمانية قضت بها اتفاقية نيفاشا للسلام 2005 ، لتعود الى سابق عهدها عقب انفضاض سامر نيفاشا، لينتهي المطاف بالفريقين أخيرا ً الى توقيع خارطة وقعتها الحكومة في مارس الماضي ، ليبدأ فصل جديد في كتاب السياسة والناس في السودان. مسار المفاوضات قبيل انفصال الجنوب بشهر في يونيو 2011 اشتعلت الحرب بجنوب كردفان بتمرد قائد الحركة الشعبية بها عبد العزيز الحلو إثر الانتخابات التي كسبها ممثل المؤتمر الوطني لمنصب الوالي أحمد هارون خصماً على مرشح الحركة عبد العزيز، وفي سبتمبر من نفس العام اندلعت الحرب في ولاية النيل الأزرق التي يحكمها القائد بالحركة مالك عقار ، وفي مساعٍ منها لـ (لملمة) أطراف الحرب تدخل الرئيس الاثيوبي الراحل ملس زيناوي، ولكن الجذوة لاتريد أن تنطفئ ، ومضت الحرب سجالاً بين الحكومة والحركة الشعبية، الى أن تدخل الاتحاد الافريقي وشكل لجنة باسم الآلية الإفريقية الرفيعة بقيادة رئيس جنوب افريقيا الاسبق ثامبو أمبيكي ، وتطاولت الجولات حد الضجر ، ففي كل مرة تنعقد فيها المفاوضات تنفض دون جدوى، وتضج وسائط الاعلام بالتصريحات والتصريحات المضادة ، وبينما ظلت قيادة وفود الحركة دون تغيير ، تعاقب على رئاسة وفد الحكومة عدد من القيادات ، في مقدمتها مساعد الرئيس آنذاك نافع علي نافع ، الذي توصل الى اتفاق مع رئيس الحركة عقار، وعرف إعلاميا ًباتفاق (نافع /عقار) يونيو 2011 ، ولم تصمد الاتفاقية التي وصفت بأنها (نيفاشا 2) امام النقد العنيف في منابر المساجد والصحف ، وكانت نهايتها بإعلان رئيس الجمهورية عن رفضها من مسجد النور في صلاة الجمعة ، ليخيم على المفاوضات صمت كثيف ، حركه قرار الامم المتحد 2046 الذي وكل الاتحاد الافريقي لمتابعة المفاوضات ورفع التقارير عنها، ودعا لاستئناف المفاوضات على أساس اتفاقية نافع عقار ، وتناسلت القرار من مجلس السلم والأمن الافريقي. إلى أن باغتت الحركة الجميع بالتحالف مع الحركات المسلحة الاساسية بدارفور (العدل والمساواة وحركتي تحرير السودان) باسم الجبهة الثورية ، وتالياً وقعت الثورية اتفاقاً مع المعارضة السياسية عرف باسم الفجر الجديد. حوار الوثبة وعندما أعلن الرئيس عن حوار الوثبة نهاية يناير 2014 ، رفضته قوى التجمع الوطني باستثناء حزب الامة القومي الذي كانت دعوته للحوار هي الاساس في تعاطيه مع الحكومة، ولكنه انسلخ عن منصة الحوار لاحقاً إثر اعتقال رئيسه الصادق المهدي عقب تصريحات انتقد فيها قوات الدعم السريع ، ليغادر المهدي الخرطوم الى القاهرة نهاية 2014 ، من ثم بدأت اتصالاته بالجبهة الثورية ، التي وقع معها اتفاق إعلان باريس الذي رفضته الحكومة ، وعادت لاحقا ًلتوقيع ميثاق مشترك بينها وشركاء اعلان باريس بصورة غير مباشرة ، إذ وقع ممثلون عن آلية الحوار الوطني على وثيقة قدمها أمبيكي ، كما وقع عليها شركاء إعلان باريس ، وتعثر مشروع التفاوض مجدداً على إثر تمسك الحكومة بالتفاوض عبر مسارين دارفور بالدوحة والمنطقتين بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا ، وكانت النقلة الكبرى في مشوار المعارضة هي الإعلان عن تحالف نداء السودان بالخارج الذي يضم الثورية (الحركات المسلحة وحزب الامة القومي وتحالف قوى الإجماع الوطني بالداخل) . خارطة أمبيكي عقب كل تلك التطورات اطلق امبيكي آخر سهم في كنانته في مسعاه للتوفيق بين المعارضة والحكومة بطرح وثيقة خارطة الطريق في مارس الماضي ، التي رفضها نداء السودان ، بينما وقعتها الحكومة ، ولاحقاً في اجتماعها مع امبيكي قدمت المعارضة ماعُرف بملحق خارطة الطريق ، الذي لم تكترث له الوساطة ورفضته الحكومة. وإثر جدال بين الطرفين حول الملحق اعلنت المعارضة انها ستوقع علي خارطة الطريق ، فالمهدي صرح بانه فوجئ بان مخرجات حوار قاعة الصداقة تقارب والي حد كبير مطالب المعارضة، واصدر الامين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان فسر فيه استجابتهم للتوقيع بانهم رفضوه بالامس لانه كان سيفضي إلي إلحاقهم بحوار الوثبة ، وعلي إثر ذلك خاضوا معركة أفرزت مستجدات بتحول التوقيع على خارطة الطريق من حدث لإلحاق أربعة تنظيمات من قوى نداء السودان الى بالحوار الى عملية سياسية تمر بإجراءات تهيئة المناخ لوقف الحرب وتوفير الحريات وغيرها. أبرز المدعوين وأخيراً أعلنت المعارضة بشقيها أنها ستلتقي بأمبيكي في اديس في الثامن من اغسطس اي اليوم الاثنين حيث ستوقع على خارطة الطريق. من جهتها اصدرت الامين العام لحزب الامة القومي سارة نقد الله بياناً اوضحت فيه ان قوى نداء السودان ستغادر الاثنين الى اديس مصطحبة معها شخصية قومية لم يسمها البيان ، وللوقوف على تفاصيل اليوم المشهود.( الانتباهة) هاتفت رئيس المكتب السياسي للأمة القومي محمد المهدي الحسن الذي أوضح أن حزبه كوَّن لجنة للعمل على إيصال الدعوات وكذلك بقية قوى نداء السودان فعلت ذات الشيء، وضمت لجنة الامة الامين العام سارة ونائب رئيس الحزب مريم المهدي والقيادي مأمون الواثق، وان الدعوات تشمل تحالف قوى المستقبل والشخصيات القومية ومنظمات المجتمع المدني، بالاضافة لمجموعة من الصحافيين ، وايضا ًالمهتمين بالشأن السوداني على مستوى العالم، واضاف ان الشخصيات القومية تضم قائمة من (60) شخصاً أبرزهم بروفيسور بركات الحواتي ، ودكتور ابراهيم الامين وكمال الجزولي ، ليشهدوا التوقيع على الخارطة ، مشيرا ًالى ان التوقيع سيتم الساعة الثامنة من مساء اليوم الاثنين ، وحول ملحق خارطة الطريق ذهب محمد الي ان الخارطة قد لايعاد فتحها لكن الوساطة الافريقية تفهمت التحفظات التي ابداها نداء السودان واستوعبتها ، دون أن يوضح تفاصيل ذلك، وقال عقب التوقيع سيتم تشكيل اللجان لبحث وقف إطلاق النار وإيصال الاغاثة للمنطقتين ، ويمضي الحوار حول تحديد موعداً لعقد المؤتمر التحضيري ، تبدأ وفود قوى نداء السودان للعودة للبلاد للمشاركة في مؤتمر الحوار الدستوري ، وحول هاجس المعارضة بقضية الضمانات الحكومية التي تضمن تنفيذ الحكومة لاتفاقها معهم يقول محمد إن الضمانات تتمثل في الشهود الدوليين المشاركين في توقيع الخارطة فضلا ًعن مخرجات التحضيري. عودة المهدي وبشأن عودة المهدي للبلاد قال محمد انه سيعود عقب التوقيع على مخرجات المؤتمر التحضيري ، وفي السياق نفسه دعا مساعد الرئيس عبد الرحمن المهدي في اجتماع الجمعية العمومية والده للعودة قائلاً (الغربة لاتشبهك ونحن محتاجين ليك ، والسكني في ام درمان بتشهبك ). تشابك المسميات من جهته قال مساعد الرئيس إبراهيم محمود حامد وفقاً (للمركز السوداني للخدمات الصحفية) انه بمجرد التوقيع على الخارطة فإن الوفد الحكومي المفاوض سيجتمع مع المهدي والحركة الشعبية قطاع الشمال لوقف العدائيات ووقف إطلاق النار الشامل وفتح المسارات والعمل توصيل المساعدات الإنسانية ، وإكمال الاتفاق الاطاري الذي تم الاتفاق عليه في 2011 ، والذي تم التوافق عليه بما يجاوز (90 %) من البنود المطروحة، وكشف محمود عن مقترحات تقدم بها امبيكي للبدء فورا في وقف العدائيات ووقف دائم لإطلاق النار الدائم بعد توقيع نداء السودان علي الخارطة، كما اعلن عن مشاركة الحكومة في اللقاء التشاوري (المؤتمر التحضيري بلغة المعارضة) ، والذي يضم الامة القومي والحركات المسلحة الاسبوع المقبل ،إثر استلامها دعوة رسمية من الوساطة الافريقية في هذا الصدد. هاجس تعديل الخارطة وبالرغم من الخطوات الكبيرة التي مضت بالطرفين لخيار التوافق الإ أن قضية ملحق خارطة الطريق يظل يؤرق الطرفين، لاسيما الحكومة ، فها هو نائب رئيس القطاع السياسي للمؤتمر الوطني عبد الملك البرير في تصريح (للمركز السوداني للخدمات الصحفية ) اول امس جدد موقف حزبه الرافض لاية اضافات للخارطة التي وقعتها الحكومة مع الوساطة ، بينما يقول المهدي في رسالة تحمل عنوان (زهرة الربيع) يقول إن اتجاههم للتوقيع على الخارطة جاء عقب إجراءات التفاهم المعلومة مما دفعهم لاتخاذ قرار التوقيع على خارطة الطريق ، وهناك من فسر تصريحات الوطني المغلظة حيال الخارطة تأتي من باب حفظ ماء الوجه ليس اكثر ولا اقل ، خاصة وانه كان يرفض من قبل وبشدة عقد المؤتمر التحضيري في الخارج ، ولكنه قبل في الآخر ، وان غير اسمه الي (الملتقى التشاوري) بينما لاتزال المعارضة تسميه باسمه الاول(المؤتمر التحضيري). ترحيب الرئيس من جهته اعلن الرئيس عمر البشير لدى مخاطبته اجتماع الجمعية العمومية لمؤتمر الحوار الوطني ليلة اول امس السبت عن ترحيبه بتوقيع المعارضة للخارطة ، كما ثمن جهود الاحزاب والسياسية والحركات المسلحة المشاركة في الحوار، وضرب العاشر من اكتوبر المقبل موعدا لعقد الجمعية العمومية للحوار ، واكد ترحيبه بكل من يلحق بالحوار في كافة مراحله حتي المؤتمر العام، وذلك في إشارة على ما يبدو لتحالف قوى الاجماع الوطني التي رفضت التوقيع على الخارطة باستثناء حزبي المؤتمر السوداني وحزب آخر، وربما ايضا ًتحالف قوى المستقبل التي كان غيابها لافتاً عن اجتماع الجمعية العمومية بالسبت ، وفسر التحالف غيابه في بيان اصدره جاء فيه ان غيابهم عن المؤتمر رغم دعوتهم إليه يعود لعدم ادراجهم ضمن المتحدثين في المؤتمر ، واشار البيان إلي انه ليس من المقبول ان يشاركوا في لقاء تشاوري يمتد لساعات دون ان تكون لهم فرصة للحديث. عرس وطني بدوره تعهد المهدي في ورقته (زهرة الربيع ) بتوحيد اوسع تحالف سياسي لتحقيق السلام الشامل ، وشبه توقيع نداء السودان على الخارطة المنتظر اليوم بـ(العرس الوطني )، وامتدح الخارطة بقوله إن أجندتها والمشاركة فيها تؤهلها لتحقق اتفاقا ًعلى إجراءات بناء الثقة، وفي إشارة للمؤتمر التحضيري قال إن الاجندة التي تدعو الى وقف الحرب يجب بحثها في الخارج ما بين اطراف الاقتتال ، بينما تبحث أجندة اتفاقية السلام في ظل بناء الثقة بالداخل ، في إشارة لمؤتمر الحوار الذي يسميه الامة القومي بالمؤتمر الدستور تارة والمؤتمر القومي الجامع تارة اخري. إذا تمضي الحكومة والمعارضة قدماً في إنجاز التسوية التي انتظرها السودانيين طويلا ً، املا ًفي وقف نزف الدم الذي تتطاول علي نحو لم يعد محتملاً، وتخفيف وطأة الضائقة الاقتصادية التي اثقلت كواهلهم ، والدفع بهم للاستقرار في بلادهم التي هجروها ملياً ، ضاربين في الارض بحثاً عن حياة أفضل وأكرم، وتنقية صورة البلاد من التشويه الذي لحق بها دولياً واقليمياً، فهل يدرك الطرفين ذلك ؟..
الانتباهة