الفرص الضائعة بعد الثلاثين
جميعنا في انتظار فرصة ما، فرصة تتغير معها حياتنا إلى الأبد، إلى الأفضل، ربما يضيع العمر في هذه المرحلة من الانتظار، ربما تُسرق منا سنوات في انتظار وظيفة، حب، زواج، شخص يسعدنا، هجرة، أو ربما حياة غير الحياة. فلم يعد من الغريب أن تجد شخصاً قد تجاوز الثلاثين من عمره وهو لا يزال في هذه المرحلة من البحث والانتظار، البحث عن النفس، عن الأمل، عن بكرة الأجمل.
كثير من أبناء جيلي من مواليد النصف الأول من الثمانينات قد تخطوا الثلاثين من أعمارهم، وهي مرحلة تعد مربكة بالنسبة لي نوعاً ما، فهي مرحلة وسط بين الشباب والكهولة، الطيش والرشد، فلا تدري إلى أي من المرحلتين تنتمي، من المفترض أنك في الثلاثين قد ودعت التهور والتعجل في اتخاذ القرارت، وغير مسموح لك بكثير من الأشياء التي كانت تعد عادية في السابق. تلاحقك الأعين وتزاحمك التساؤلات عن حياتك الشخصية، هل وجدت وظيفة أحلامك؟ هل ترقيت؟ هل تزوجت؟ هل أنجبت؟ هل تفكر في السفر؟ هل تمتلك منزلًا وسيارة؟ لماذا لم تفعل كذا وكذا؟ هي تساؤلات اعتدنا عليها من القريب والغريب، بل نحن أنفسنا اعتدنا أن نقحم أنوفنا في كل ما يخص غيرنا، ثم نبدأ في التحسر عليهم أو الحقد والشماتة إلا من رحم ربي.
إذا تجاوزت الثلاثين دون أن تحقق من طموحاتك شيئًا -وهو الواقع في الأغلب- فستجد أن معظم الفرص لم تعد متاحة أمامك، فإذا كنت لا تزال تبحث عن عمل، فستجد أن أغلب الفرص متاحة لذوي الخبرة من دون الثلاثين، وإذا كنت تبحث عن منحة دراسية فأغلبها للطلاب والخريجين الجدد فقط، إلى أن تتلاشى أمامك الفرص ويبقى الانتظار صديقاً لك.
في الثلاثين ستزداد الضغوط الاجتماعية عليك، وستشعر أنك مطالب بأن تعيش كما يتوقع منك الآخرون، تنسى نفسك وطموحاتك وأحلامك وتعيش فقط لإرضائهم والسير على خطاهم، ستسمع كثيراً عبارات مثل “يللا شد حيلك” على أي شيء وكل شيء.
في الثلاثين ستزداد المسؤوليات وستلهيك الحياة ومصاعبها وضغوطها عن الاستمتاع وخوض التجارب واقتناص أي فرصة تلوح في الأفق وستشارك في وأد أحلامك وستبرر ذلك بألف حجة فالإنسان عادة عدو ما يجهل.
في الثلاثين أيضاً يجب أن تقف مع نفسك وقفة صادقة خالية من أي تأثيرات أو ضغوطات، كي تكتشف هل تسير على الطريق الصحيح الذي تريد أم انحَرَفت مع دوامة الحياة وتشتت بك السبل ولم تعد تدري إلى أين أنت ذاهب، لا داعي لإهدار مزيد من الوقت والطاقة فيما يظنه الناس عنك، فالاكتراث برأي الغير على حساب سعادتك هو ما ستندم عليه في مرحلة أخرى متقدمة من حياتك. اختر لنفسك وقرر لها حتى لا يختار لك غيرك طريق حياتك.
في الثلاثين لا تخشى أن تبدأ من جديد وأن تصحح مسار حياتك إذا لم تكن راضياً عنه، ولو انتقدك الآخرون فلا تستمع لكلامهم، تخلص من الأشخاص السلبيين المحيطين بك، لا تجعل أحداً يسرق منك لحظاتك السعيدة، حتى لو كنت فاشلاً لم تحقق شيئًا من وجهة نظرهم، دلل نفسك وعش من أجلها ووازن في حياتك بين الجد والمرح.
ربما يكون ما نمر به هو أزمة جيل كامل عاش مرحلة من التيه والبحث عن الفرص الضائعة في الحياة على أمل الغد الأجمل. رسالتي إلى نفسي قبل أن أتحدث مع أبناء جيلي الذي تجمعنا ذكريات واحدة، الجيل الذي عَايَش عصرين مختلفين، تنتمي ذكرياته إلى طفولة ومراهقة بسيطة خالية من التعقيدات، وحاضره إلى عوالم افتراضية وفضاء إلكتروني ومواقع تواصل اجتماعي..
ربما تعقدت الحياة واختلفت عن السابق، ربما لم نكن أوفر حظاً من غيرنا، ولكن لا داعي أن نفقد ما تبقى لنا من أمل في ظل هذه الظروف الصعبة حتى لو لم ينجح معظمنا في تحقيق الكثير من طموحاته ورغباته رغم تخطينا الثلاثين، فالعمر لا يقاس بالسنوات، ولكن بلحظات السعادة والرضا التي نمر بها.
هافغنتون بوست
طيب … الاربعينيات .. معناها قطرك صفر