ترميم الحزب.. أم تفكيك النظام
تساءل الكثيرون عن صمتي عن تناول تطورات الأحداث داخل الحزب الشيوعي السوداني بالتحليل.. كانت إجابتي دائما أن الذي يحدث الآن كتبت بعضه.. أو كتبت عن بعضه منذ شهور خلت.. وأن كل الذي يحدث الآن لا جديد فيه بالنسبة لي ولا مفاجأة.. ربما تكون مفاجأة واحدة.. لم أكن أتوقع أن تبلغ الجرأة بالزملاء حد فعلها.. ولكنها حدثت على كل حال ولا تعليق..!
غير أن الذي لفت نظري.. ذلك البيان الممهور باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي.. والذي حملته الأسافير أمس.. وقبل التطرق لتفاصيل ما ورد في ذلك البيان.. أورد أمرين أعادني إليهما البيان.. الأول وعلى أيام نيفاشا واحتدام الجدل على محور السلطة وترتيبات توزيعها.. أقام الإخوة الأقباط كدأبهم إفطارا رمضانيا على شرف السيد رئيس الجمهورية.. وطرح محدثهم يومها غياب حظ الأقباط في قسمة السلطة.. ولما كان الحديث على مائدة دسمة بالطبع وبين قعقعة الشوك والسكاكين لا السيوف.. فقد علقت يومها أن الأقباط يطالبون بالمشاركة في السلطة عبر الشوكة والسكين.. ولا يزال الأب فلوثاوث فرج يذكرني بذلك.. مداعبا وربما معاتبا.. كلما التقاني..!
أما الثاني فهو ذلك التصريح الشهير الذي أطلقه السيد عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان إبان الدعوة لمنبر الدوحة قبل سنوات.. فقد طرح نور شروطا قال على الحكومة تنفيذها أولا ليشارك هو في المفاوضات.. كانت شروط نور هي.. وقف الحرب في دارفور وتفكيك معسكرات النازحين.. وإعادة اللاجئين إلى بلادهم ودفع تعويضات للمتضررين وتقديم مرتكبي جرائم الحرب للعدالة.. وكان تعليقي في برنامج بعد الطبع في النيل الأزرق يومها.. وأنوه هنا لغيابي عن البرنامج اليوم السبت لوجودي بالولاية الشمالية.. وليس تهربا من أي موضوع كما زعمت صحيفة الانتباهة الأسبوع الماضي.. ثم استنكفت الاعتذار عن كذبتها تلك.. الشاهد أنني قلت في تلك الحلقة قبل أعوام.. لماذا تفاوض الحكومة عبد الواحد إن فعلت كل ذلك من تلقائها.. وأضفت.. بل على ماذا سيفاوض عبد الواحد الحكومة إن هي حققت كل ذلك..؟ إلا إذا كان ينظر للتفاوض من منظور ذاتي يبحث عن موقعه شخصيا..!
ونعود الآن إلى بيان الحزب الشيوعي السوداني ونقف عند الفقرة التالية.. (إننا في الحزب الشيوعي نكرر إعلان موقفنا الثابت من أننا لن نشارك في أي حوار قبل استيفاء شروطه الأساسية الثلاثة المتمثّلة في وقف الحرب وإلغاء كافة القوانين المخالفة للدستور بما فيها التعديلات الدستورية الأخيرة وأن يكون واضحا أن الهدف من الحوار هو تفكيك نظام الحزب الواحد وتكوين حكومة انتقالية ذات برامج واضحة لاستقرار السلام وترسيخ الديمقراطية وتطبيق سياسات تنمية متوازنة وبرامج بديل لسياسات النظام ويتضمن أساس المحاسبة والعدالة).. ولنفترض أن النظام قد استجاب لمطلب الحزب في بنده الأول وأعلن موافقته الفورية على وقف الحرب.. هل يحارب النظام نفسه أم يحارب جهات أخرى لها إرادات مستقلة.. وللأسف لا سلطان للحزب الشيوعي عليها.. فماذا هو فاعل هذا الحزب إزاء هكذا موقف..؟ ثم ننتقل إلى المطلب الشيوعي الثاني والقاضي بإلغاء كافة القوانين المخالفة للدستور وهي في الواقع ذات القوانين المقيدة للحريات.. أفلا يتفق معي الشيوعيون أن نضالهم أصلا هدفه النهائي إطلاق الحريات فإذا استجاب النظام لهذا المطلب.. ألا يجعل هذا الطريق سالكا للتداول السلمي للسلطة ويعيدنا لنهج الإمام.. الجهاد المدني.. وهو ذات النهج الذي يرفضه الشيوعي..؟
أما المطلب الأخير والخاص بالحوار لتفكيك النظام.. فهو مطلب أقل ما يمكن أن يوصف به أنه يعكس قدرا هائلا من الجهل بالفرق بين الحوار والتفاوض.. فالحوار يمكن أن يكون بين طرفين متكافئين.. أو على الأقل بترجيح كفة أحدهما على الآخر.. لكن محصلته تكون مكاسب معقولة لكل طرف.. أما الحديث عن التفكيك فهذا يعني أن الحزب قد حاصر النظام وضعضع أركانه وفرض عليه التفاوض للخروج بأقل الخسائر..! فهل هذا هو المشهد الآن..!؟
هذا الأخيرة هي الأخرى تذكرني بما قاله أحدهم تعليقا على المؤتمر السادس: تحت حماية جهاز الأمن كان الشيوعيون يهتفون بسقوط النظام..!