هل “تسرق” تريزا حليب البريطانيين؟
هل تكرر تريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة عهد مارجريت تاتشر المرأة الحديدية؟ أوجه شبه كثيرة تجمع بين تريزا وتاتشر أول رئيسة وزراء امرأة في تاريخ بريطانيا وواحدة من أهم الشخصيات المؤثرة في تاريخ الامبراطورية العجوز وكانت مدة حكمها هي الأطول1979 – 1990. وكلتاهما من حزب المحافظين.
داخليا قادت تاتشر في 1984 و1985 حربا بلا هوادة ضد النقابات البريطانية التي نظمت مظاهرات شعبية للتنديد بسياستها الليبرالية، لكن رغم التعبئة الكبيرة إلا أن تاتشر انتصرت في مواجهتها مع العمال وذلك بفضل الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها حكومتها لإنهاء الإضراب. وأطلق عليها لقب “سارقة الحليب” لأنها منعت الحليب المجاني عن طلاب المدارس ضمن سياسة تقشف اتخذتها.
خارجيا دخلت تاتشر في حرب طويلة ومكلفة ضد الأرجنتين من أجل استرجاع جزر الفوكلاند التي كانت قد استعادتها الأرجنتين. وبعد جهد حربي كبير، ربحت المرأة الحديدية الحرب، مما رفع رصيدها السياسي وأعيد انتخابها للمرة الثانية رئيسة للحكومة البريطانية في 1983.
أما تريزا الصارمة القسمات، فقد قالت عقب تسلمها منصبها منتصف يوليو الحالي: “إن وجود رئيسة وزراء أنثى من المفترض أن يعزز الصدق في حين أن الرجال يتعاملون مع السياسة وكأنها لعبة”.. وقال عنها أحد زملائها في الحزب إنها “أفضل رجل لأداء المهمة”.. وأطلقت تعليقات ساخرة تتساءل إن كانت تريزا رجلًا مستترًا… وبالإضافة إلى أنها ثاني امرأة ترأس وزراء بريطانيا، كانت رابع وزيرة داخلية في بريطانيا من خلال آخر موقع شغلته.. وقامت بفرض اختبار اللغة الإنجليزية على المهاجرين، كما رفعت رسوم التأشيرة الخاصة بهم، فضلا عن رفعها لرسوم التأمين الصحي، واعتبرت تريزا من أبرز منتقدي سياسة الهجرة الأوروبية.
وأصرت تريزا على ترحيل المتشدد أبوقتادة إلى الأردن رغم أنه يحمل الجنسية البريطانية بعد خوضها حربا قضائية طويلة لم تلن لها خلالها قناة، كما رحلت أبي حمزة إلى الولايات المتحدة. لكن كان لها القدح المعلى في إعفاء مواطني الإمارات و3 دول خليجية من الحاجة إلى تأشيرة دخول رسمية إلى بريطانيا، سواء كانت سياحية أو طبية مع الإبقاء على تأشيرة الدراسة أو العمل.
ويعتبر أبرز موقف أظهر سياستها الصارمة التي لا تقل شأنا عن سياسة تاتشر قولها إنها لا تمانع في الموافقة على ضربة نووية قد تؤدي إلى مقتل 100 ألف شخص مدني.. وبمناسبة أول خطاب لها أمام البرلمان، دافعت ماي عن تجديد البرنامج النووي، ووصفته بأنه “الضمانة الأكيدة” لأمن البلاد.
ومما يثير قلق الكثيرين فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لبريطانيا إقدام تريزا على تعيين بوريس جونسون المثير للجدل وزيرا للخارجية وقد قارن كثيرون بينه وبين مرشح الحزب الجمهوري الأمريكي دونالد ترامب حتى أطلقوا عليه لقب “ترامب بريطانيا” لتقارب مواقفهما تجاه كثير من القضايا. ويخشى أن يشير ذلك إلى اتجاه سياسي غربيّ متصاعد نحو الشعبوية السياسية مع معاداة الأجانب والمهاجرين واستجداء الناخب من خلال دغدغة المشاعر العنصرية.. ومن تصريحات جونسون الغريبة قوله إن أصول الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الكينية، جعلته يكره تراث بريطانيا وتاريخها. كما شبه المرشحة هيلاري كلينتون، مرشحة الرئاسية الأمريكية، “بممرضة سادية تعمل في مصحة للأمراض العقلية”. وقال إن الاتحاد الأوروبي مثل مشروع زعيم النازية، أدولف هتلر، الذي حاول إنشاء دولة أوروبية واحدة.
والمدهش حقا أن جونسون بدأ حياته العملية صحفيا في صحيفة ديلي تلغراف، ثم أصبح مراسلها للاتحاد الأوروبي، ونائبا للمدير، قبل أن يصبح مديرا لصحيفة سبيكتيتور، عام 1991. لكن الرجل أقيل لاحقا من صحيفة التايمز بسبب عدم الدقة في نقل التصريحات، كما فصل من منصب المتحدث باسم حزب المحافظين عام 2004، بسبب كذبه بشأن علاقاته النسائية.
وتواجه تريزا تحديا اقتصاديا خطيرا قد يدخلها في ورطة “سرقة لبن البريطانيين”، وهو كيف تتمكن من تجنيب بلادها المخاطر الاقتصادية الناجمة عن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.. فبريطانيا تريد منافع أوروبا دون أعباء الهجرة الداخلية الأوروبية وحرية الحركة والعمل، خاصة أن نبرة الانفصال عن أوروبا كانت ذَات طابع مضاد للهجرة مع مسحة عنصرية وشوفينية قومية. فهل تتمكن تريزا من الحصول على المنافع دون الأعباء في ظل تحذير مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل التي قالت إنه لا ينبغي لبريطانيا أن تتوقع التحلل من الالتزامات الأوروبية والمحافظة في الوقت نفسه على الامتيازات؟
تواجه تريزا كذلك خطر استقلال أسكتلندا الشمالية عن المملكة المتحدة، كنتيجة للانسحاب من أوروبا حيث صوت سكانها للبقاء في الاتحاد الأوروبي وهددت رئيسة وزراء أسكتلندا بإقامة استفتاء جديد لشعب أسكتلندا لمعرفة ما إذا كانوا راغبين في البقاء ضمن المملكة المتحدة أم يريدون الاستقلال عنها؟