تحقيقات وتقارير

بعد تصريحات الدقير الصليب الأحمر.. تخطِّي التفويض من جديد

المعروف عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حسب المواثيق الدولية والاتفاقيات أن الأنشطة التي تقوم بها معروفة ومحددة وتتسم بالحياد وعدم التحيز لأي جهة غير الإنسان المستهدف بإيصال المساعدات، إذ أن مهامها تنحصر في إيصال المساعدات إلى الأشخاص المتأثرين بالنزاعات وحالات العنف الأخرى فضلاً عن مفاوضات تبادل أسرى الحروب والنزاعات من العسكريين والمدنيين وتسليمهم لدولهم، ويمنع عليها القانون الدولي والمواثيق تعاملها في الأنشطة ذات الأبعاد السياسية أو التعامل المباشر مع أي جهة حكومية كانت أو مسلحة أو حتى المعارضة التي تشملها هذه المحاذير باعتبارها تنشط في العمل السياسي، وقد ظلت الحكومة تتهم المنظمة الدولية للصليب الأحمر كثيراً بأنها تقوم بأنشطة خارج إطار التفويض الممنوح لها حسب المواثيق الدولية والاتفاقيات الموقعة معها، الأمر الذي أدى إلى نشوب أزمات بينها والحكومة، دفعت الأخيرة أكثر من مرة لإصدار قرار بتعليق أنشطة المنظمة في السودان.

شد وجذب
آخر أزمة نشبت بين الحكومة واللجنة الدولية للصليب الأحمر كانت لأسباب تقنية بعد أن طالبت مفوضية الشؤون الإنسانية السودانية، المعنية بالشأن الإنساني المنظمة بتعليق نشاطها إلى أن تستجيب لبعض الشروط التي تتمثل في وضع ميزانية وأموال ومكاتب الصليب الأحمر تحت تصرف الهلال الأحمر السوداني، وأن لا تقوم المنظمة الدولية بأي نشاط على الأرض قبل إبلاغ السلطات السودانية بنوعية النشاط ومكانه وتوقيته، لتستمر تلك الأزمة لأكثر من سبعة أشهر بعدها سمحت الحكومة للمنظمة بمعاودة نشاطها لتسير الأمور بينهما سلسة نحو عام كامل، ورغم استمرار العلاقة بين الحكومة والمنظمة الدولية دون توتر بعد التزام المنظمة بالاتفاق الأخير بينها وبين الحكومة السودانية، إلا أن المتوقع أن تنفجر أزمة عنيفة بينهما مرة أخرى في أعقاب حديث رئيس المؤتمر السوداني عمر الدقير خلال المناقشة الجماهيرية المفتوحة التي أقامها الحزب في مقره الجمعة، وكشف خلاله أن المنظمة الدولية للصليب الأحمر هي التي رتبت لاجتماعات قوى نداء السودان بباريس بما فيها الاجتماع الأخير الذي انعقد منتصف يوليو الجاري، الشيء الذي يكشف عن أن المنظمة الدولية خرجت من جديد عن المواثيق التي تحكم عملها وتمنعها من التعامل في الأنشطة ذات الطابع السياسي.

محاولة إصلاح
وربما شعر حزب المؤتمر السوداني بخطورة الحديث الذي أدلى به رئيسه سيما وأن الرجل كان من المشاركين في الاجتماعات الأخيرة لقوى نداء السودان، فسارع بإصدار بيان توضيحي لمحاولة إصلاح بعض مما أفسده أو سيفسده التصريح، إذ أكد البيان التوضيحي أن ما ورد على لسان رئيسه خطأ غير مقصود، ويؤكد بأن ترتيب لقاءات قوى نداء السودان في باريس تم عبر مركز الحوار الإنساني التابع للصليب الأحمر وليس المنظمة الدولية للصليب الأحمر، ولكن في كلا الأحوال يأتي السؤال: هل القوانين التي تحكم عمل الصليب الأحمر خلاف التي تحكم المنظمات الأخرى ذات العلاقة الوطيدة به، وما الأنشطة المسموح له القيام بها ومحرمة على المنظمات الإنسانية الأخرى.

ربما يتفق المحلل السياسي د. حسين كرشوم مع رؤية حزب المؤتمر السوداني في أن مركز الحوار الإنساني الذي مقره في جنيف بسويسرا يحصر نشاطه في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة لتقديم المساعدات في مناطق النزاعات، لكن كرشوم في حديثه لـ(الصيحة) يقطع بأن المركز غير مسموح له حسب المواثيق والقوانين التي تحكم نشاطه بالتدخل في العمل السياسي المباشر، وأشار كرشوم إلى أن هذا المركز سبق أن عقد جولة مفاوضات غير رسمية بنيروبي بين خبراء في مجال العمل الإنساني وقطاع الشمال ورفض الوفد الحكومي المشاركة في هذه الجولة التي تم فيها استعراض العمليات الإنسانية السابقة التي جرت في السودان بالتركيز على اتفاقية جنيف (2002) الخاصة بجنوب كردفان والتي تم تطبيقها في إيصال المساعدات الإنسانية، وتم طرح تساؤل في هذه الجولة عن إمكانية تطبيق هذه الاتفاقية في النزاع الحالي بجنوب كردفان، وعاد كرشوم الى التأكيد بأن هذا المركز معني بالتصالحات لإيقاف إطلاق النار لأغراض إنسانية وغير مسموح له بممارسة عمل سياسي بالمعنى المتعارف عليه.

تخطي الحدود
كرشوم يرى أن ما أدلى به رئيس المؤتمر السوداني عمر الدقير حديث له أهمية قصوى باعتباره أحد قادة المعارضة الملمين بكل تفاصيل الجهات التي تتعاون مع المعارضة في الخارج، وبالتالي فإن اعترافه يؤكد أن هذا المركز قد تخطى حدود اختصاصاته التي حددتها المواثيق الدولية بالعمل في إطار تقريب وجهات النظر لوقف إطلاق النار لأغراض إنسانية، وليس مسموحاً له بالخوض أو المشاركة في القضايا السياسية، وكذا الصليب الأحمر الذي تقتصر أنشطته في مفاوضات تبادل الأسرى دون الخوض في أي قضايا سياسية.

جرس إنذار
يبقى حديث الدقير حول ضلوع منظمات العمل الطوعي أياً كانت تبعيتها في تقديم مساعدات إنسانية للقوى السياسية المدنية المعارضة, بوادر أزمة قادمة وجرس إنذار للحكومة للانتباه لمراقبة ورصد الأنشطة السياسة لمنظمات العمل الطوعي التي لا يسمح لها بمزاولة أي نشاط يحمل مجرد شبهة عمل سياسي.

الخرطوم: الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة