مهدي أبراهيم أحمد : الخريف .والسلوك (المفقود)
قبل سنوات ..اقتحم معتمد في احدي الولايات مسلخ للحوم ..كانت المفأجاة ان المسلخ يفتقر لأبسط المقومات ..فالمسلخ جافته النظافة وألفه الدود فصار له مرتعا وملاذا ..ولاتزال جمهرة القصابين تواصل نشاطها في الذبح والتوزيع للمواطن ..كان الصورة صادمة ..لم يلبث بعدها ان خرج القرار بإغلاق المسلخ (المخالف) لحين إنشاء الجديد ..لم يأبه أولئك بسطوة القرار فراحوا يواصلون ذبيحهم كالمعتاد ..ولم يجد المعتمد ساعتها بدا من الصدام معهم .فأباد ذبيحهم وأتلف توزيعهم ..وانتصر حينها لقراره ومواطنه ..واعاد الصورة لمسارها في السلوك والنظافة المرجوة ..
تزكرت تلك الحادث وانا أري الصور الصادمة التي أفرزها خريف هذا العام ..فالصور لم تحرك في الكثيرين ساكنا اما لأنهم ألفوا تلك الصورة فأضحت من الاعتياديات .واما انهم لايملكون مايدفعون به دمامة تلك الصورة فآثروا العزوف عن الخوض فيها شجبا واستهجانا لذلك الواقع في السلوك والتعاطي ..
لست أدري سببا يجعلنا ننتظر اهل السلطة والتنفيذ حتي يزيلوا عنا رهق ما أحدثته الأمطار .فنظل نرزح ونعاني في الخريف وبعده ..صور بائسة تصدم كل من يشاهدها .فلا يبصر معها الا الفوضي في السلوك والتعايش معه ..لو ان كل منا أحس بمسئوليته وتضامنه ..لأحدثنا تغييرا جزريا ..ولكننا نري النقيض تماما ..الكل ينتظر الحكومة ان تشخص اليه وتزيح عنه تلك المخلفات وتردم له البرك النتنة وتعبد له الطريق المنكوب ..ومن عجب ..ان الحياة تمضي بطبيعتها في وجود تلك الصور الكالحة التي تزكم الأنوف وتقود النفوس الي الحتوف ..
بتنا نفتقر الي السلوك الحضاري الذي ننسق به حياتنا ..تعوذنا مشاركتنا الواجبة في الأزمات الطبيعية ..ولعل الدهشة تأخذنا ونحنا نري ذلك واضحا ..ينقصنا عنصر المبادرة الذي يجمل واقعنا وننشد به الإصلاح قولا وفعلا .فتعود لصورتنا المقلوبة إعتدالها ..ولسلوكنا حظه في الرقي والتجمل والتحضر ..
نحتاج لتغيير شامل علي سلوكنا.لنري الحياة علي واقعها وجمالها ..فنحن نتباكي علي ماض كانت فيه شوارع العاصمة نظيفة تغسل بصفة راتبة ..ولكن لم يكن لهذا السلوك من ان ينشأ لولا ان العاصمة ساعتها كانت مدينة مفتوحة تمازجت فيها الثقافات حينها فأفرز الواقع حينها علي سلوك شامل يري في النظافة أدبا راسيا وثقافة باقية علي الدوام ..لكن ذات الأدب بات يعوزنا ..فالأسواق تدب فيها الحياة وسط أكوام من القمامة ومياه الخريف .. والمطاعم يتوافد عليها وبين جنباتها البرك الطافحة التي اضحت مرتعا لتوالد الهوام والذباب ..والشوارع مغمورة والأدهي انها وسط محال المأكولات والتجارة والميادين والساحات تكتنز بالمياه بين أهل الحي الواحد الراقية منها والشعبية ..ولو تضافروا لتغيرت تلك الصورة بمجهودهم الي الأفضل ..لأنهم المكتوين بنارها ..ولغابت الشكوي وبرزت المشاركة الغائبة علي حقيقتها في المبادرة والسلوك المنشود ..
اننا نتعجب ان نري الشكوي والتذمر في كل مدننا بصراحة التقصير لأهل التنفيذ ..يقينا لهم كفل في عدم إيلاء أمر الخريف حظ في اهتمامهم . فكانت المفاجأة حاضرة .وكما لهم وزر في ذلك فلدينا كفل كبير بتعايشنا سلوكا مع تلك البيئة المتردية في السعي والأرزاق وكأن الامر لايعنينا ..فقد غاب سلوكنا في مكافحتها وارتضينا مجاراتها .علي ان ليست من صميم أولوياتنا أيضا ..فبتنا نخاف عواقبها من التردي الفاضح للبئية وكثافة الأمراض المحتملة منها ..
.. بادرت السلطة في المثال الأول .. فكان الحسم والقرار. في السلوك والتعايش معه … ينبغي ان ندرك ان المسئولية تضامنية في تلك الأزمات..لا نريد من ذلك عرض ذلك تسويق بالتقصير علي جهة .وانما مراد الأمر هو لفت نظر لشئ مفقود في واقعنا ..بالتفعيل والمبادرة المطلوبة .لتعود الصورة أكثر جمالا كما كانت الي الافضل في حاضرنا ومستقبلنا .استنهاضا لسلوكنا المألوف .وتكاتفنا الجمعي في القضاء علي المخاطر البئيية .التي أوشك تغافلنا منها علي تهديد أمننا الإجتماعي بالتلوث البيئي والامراض الفتاكة ..